تربية النفس على الأخلاق الإسلامية

                                تربية النفس على الأخلاق الإسلامية :

إن من أهم جوانب التربية التى اهتم بها الإسلام الجانب النفسي أو الخلقي ومن خلال حديثنا السابق عن أهمية الأخلاق نؤكد أن هدف الإسلام الحقيقي هو صنع الفرد المثالي الذى يعرف كيف يعامل الخلق وكيف يتجه فى الحياة وفق المبادئ والأصول التى وضعها وشرعها المولى الحكيم تبارك وتعالى وهذه الأخلاق التى ندعوا إليها ثمرة لما قبلها من الإيمان الصحيح والعبادة الراشدة فهما يثمران الخلق الكريم والمعاملة السمحة التى تليق بالإنسان المهذب ..والإيمان الحق قوة عاصمة عن السيئات دافعة الى المكرمات ومن ثم فإن الله تعالى عندما يدعوا عباده الى خير أو ينفرهم من شر يجعل ذلك من مقتضى الإيمان المستقر فى قلوبهم وما أكثر ما يقول فى كتابه "يأيها الذين آمنوا .., ثم يذكر بعدها ما يكلفهم به ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) سورة التوبة ( 1)

وقد وضح صاحب الرسالة أن الإيمان القوى يثمر الخلق القوى حتما وأن انهيار الأخلاق مرده الى ضعف الإيمان أو فقدانه بحسب تفاقم واستفحال الشر أو تفاهته فالرجل الصفيق الوجه [وهو صاحب الوجه الوقح ] المعوج السلوك الذى يقترف الرذائل غير آبه لأحد يقول الرسول صل الله عليه وسلم فى وصف حاله " الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر " رواه الحاكم والطبراني
والذين يريدون عزل الإسلام عن الحياة أو يفرقون بين العبادة والمعاملة إنما يجهلون دينهم وينحرفون عن صراطه وليس من شك أن المجتمع الإنساني على مر التاريخ لم يشهد بشرا أكرم ولا أطهر من الذين صنعهم الإيمان وعمر قلوبهم اليقين .( 2)

وبغير الإيمان والأخلاق لايعدوا الإنسان المتحضر إلا أن يكون حيوانا مهذبا لا يلبث أن يعود الى طبيعته ويحن الى أصله والمسلم الذى لم يتعلم من دينه كيف يرقى الى أسمى الآفاق فى المعاملة وأطهر الأخلاق فى مخالطة الناس فإن إيمانه لا يصح وإسلامه لايستقيم .. ولننظر كيف صور القرآن الكريم توازن شخصية المسلم واكتمال خصائصها فى هذه الآية الكريمة الجامعة التى لا تقتصر على العبادة ولا تقف عند الاعتقاد بل تضيف إليها مكارم الأخلاق وتضعها فى إطار قال تعالى " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفى الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين فى البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " سورة البقرة  (3)

ضعف الخلق دليل ضعف الإيمان
إن أزمة العالم اليوم إنما هى أزمة نفوس وضمائر قبل أن تكون أزمة اقتصاد وسياسية
فتغير أحوال الناس من شقاء الى سعادة ومن ضيق الى سعة ومن قلق الى طمأنينة ومن ذل الى عز ومن عسر الى يسر تبع لتغير ما بأنفسهم من معان وصفات ذميمة _ والتهيئة النفسية والتعبئة الشعوري والتربية الأخلاقية هى التى تغير الأفراد فتتغير بها المجتمعات من حال الى حال كما بين ذلك القرآن الكريم وقرر أن السنة الاجتماعية لا تتبدل " إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " سورة الرعد يقول الشاعر
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ___ ولكن أخلاق الرجال تضيق ( 4)

هذا هو قانون الله تبارك وتعالى وسنته فى خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلا وهو أيضا القانون الذى عبر عنه النبى صل الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح ومعناه " يوشك أن تداعى  عليكم الأمم كما تداعى الأكلة الى قصعتها ولينزعن الله تعالى من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن فى قلوبكم الوهن فقال قائل أومن قلة يومئذ نحن يارسول الله ؟ قال لا_ إنكم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل – فقالوا وما الوهن يارسول الله ؟ قال حب الدنيا وكراهية الموت " أو لست تراه صلى الله عليه وسلم قد بين أن سبب ضعف الأمم وذلة الشعوب وهن نفوسها وضعف قلوبها وخلاء أفئدتها من الأخلاق الفاضلة وصفات الرجولة الصحيحة وإن كثر عددها وزادت خيراتها وثمراتها . ( 5)

إن تكوين الأفراد وتربية الشعوب وتحقيق الآمال ومناصرة المبادئ تحتاج من الأمة أو الفئة التى تدعوا الى الإسلام الى قوة نفسية عظيمة تتمثل فى عدة أمور
إرادة قوية لا يتطرق إليها ضعف _ ووفاء ثابت لا يعدوا عليه تلون ولا غدر وتضحية عزيزة لايحول دونها طمع ولا بخل ومعرفة بالمبدأ وإيمان به وتقدير له يعصم من الخطأ فيه والانحراف عنه والمساومة عليه والخديعة بغيره هذه صفات أربع إن فقدها شعب أو على أقل فقدها قواده ودعاة الإصلاح فيه فهو شعب عابث مسكين لا يصل إلى خير ولا يحقق أملا وحسبه أن يعيش فى جو من الأحلام والظنون والأوهام " إن الظن لايغني من الحق شيئا "
فكما يتمثل الإيمان الإسلامي فى سلامة العقيدة وإخلاص العبادة يتمثل كذلك فى استقامة الخلق _ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله صحبه وسلم ( 6)

شمول الأخلاق لتعاليم الإسلام :

وليس الخلق إذن مجرد لين الجانب وحسن العشرة والتواضع وغير ذلك كما يريد أن يفهم كثير من عامة الناس وأن كان هذا ركنا ركينا من أخلاق المسلم وليس الخلق مقصورا على التعفف عن النساء والخمر كما يريد أن يفهم آخرون وإن كان هذا من أول ما يحرص عليه الإسلام قال تعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون " سورة النور
وقال تعالى " إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون " سورة المائدة
( 7)

بل إنه يشمل هذا وذاك ويشمل ما هو أوسع وأعمق من جوانب الحياة _ من ضبط النفس _ والصدق فى القول _ والإحسان فى العمل _ والأمانة فى المعاملة _ والشجاعة فى الرأي _ والعدل فى الحكم _ والصلابة فى الحق _ والعزم على الخير _ والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر _ والحرص على النظافة – واحترام النظام والتعاون على البر والتقوى_كل أولئك أخلاق إسلامية حث عليها القرآن الكريم والسنة الشريفة المطهرة وجعل الوفاء بها والولاء لها بابا للتقوى ووسيلة الى الفوز برضا الله الرحمن الرحيم والإسلام ينظر الى المتجرد من هذه الأخلاق أو تلك أنه امرؤ لاخيرفإذافقد الإخلاص مثلا وكان عمله للرياء والسمعة فإن عبادته تطيش ويمسى حطبا لجهنم ويكون من أول من تسعر به النار ما نفعه علم ولا عطاء ولا جهاد " (

وإذا فقد الصدق مثلا تدرج به الكذب من درك الى درك ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا _ إن العبادات إذا فقدت الأخلاق تصبح لا ثمرة فيها فالمصلى الذى يقرأ بلا وعى ويقوم بلا خشوع والمجاهد الذى قاتل الأعداء فلما هزمهم قاتل إخوانه الذين يحولون بينه وبين الرياسة والزعامة هؤلاء جميعا يفقدون الأخلاق الربانية فلا خير فيهم والمتعاملون فى الأسواق الذين لاتربطهم كلمة ولا وفاء لهم بوعد ولا عهد ولا عقد هم كما عبرت عنهم السنة النبوية المطهرة منافقون     إنه لا أخلاق من غير دين والأخلاق من غير دين عبث ويدل ذلك على أن الدين ومكارم الأخلاق هما شئ واحد لا يقبلان الانفصال
ولا يفترقان بعضهما عن بعض فهما وحدة لاتتجزأ والدين يغذى الأخلاق وينميها وينعشها كما أن الماء يغذى الزرع وينميه
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  ( 9)