منهج الإسلام فى محاسبة النفس

منهج الإسلام فى محاسبة النفس :

مقد مة تعريف المحاسبة :

_ إن المؤمن الصادق يعتقد أنه محاسب يوم القيامة على ما قدم من عمل , إن خيرا فخير وإن شرا فشر فما تقدم من عمل لم يذهب بذهاب أيامه بل كتبه قلم التسجيل الإلهي الذى يحصى عليه الصغيرة والكبيرة يقول الله تعالى :"
" وكل إنسان ألزمناه طائره فى عنقه ونخرخ له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا سورة الإسراء
وآنذاك يجد الإنسان ما كان يحسبه هينا وهو عند الله عظيم ويذكر من الأعمال ما كان ناسيا قال تعالى " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " سورة الكهف وقال تعالى " يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد سورة المجادلة
هناك توزن الأعمال من خير أو شر من حسنات وسيئات قال تعالى " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل آتينا بها وكفى بنا حاسبين سورة الأنبياء . ( 1)

أقسام الناس عند المحاسبة :

الناس على قسمين _ قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار طوعا لها تحت أوامرها وقسم ظفروا بنفوسهم فقهروها فصارت طوعا لهم منقادة لأوامرهم فمن ظفر بنفسه أفلح وأنجح ومن ظفرت به نفسه خسر وهلك قال الله تعالى " فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هى المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى " سورة النازعات
وقد وصف الله سبحانه النفس فى القرآن الكريم بثلاث صفات _ المطمئنة _ واللوامة – والأمارة بالسوء
والنفس واحدة باعتبار ذاتها وثلاث باعتبار صفاتها __ والنفس المطمئنة قال ابن عباس رضى الله تعالى عنه " المصدقة وقال قتادة رحمه الله _ هو المؤمن اطمأنت نفسه الى ما وعد الله قال تعالى " يا أيتها النفس المطمئنة إرجعى الى ربك راضية مرضية فادخلي فى عبادي وادخلي جنتى " سورة الفجر ( 2)

والنفس اللوامة هى نفس المؤمن _ وقول آخر هى التى لاتثبت على حال واحدة وقول آخر _ اللومة يوم القيامة فإن كل أحد يلوم نفسه إن كان مسيئا على إساءته وإن كان محسنا على تقصيره قال : الإمام : ابن القيم رحمه _ الله وهذا كله حق _ اللوامة نوعان – الملومة هى النفس الجاهلة الظالمة التى يلومها الله وملائكته
واللوامة غير الملومة وهى التى لاتزال تلوم صاحبها على تقصيره فى طاعة الله وأشرف النفوس من لامت نفسها فى طاعة الله فلم تأخذها فى الله لومة لائم وهى بخلاف النفس الملومة التى لم تحتمل فى الله ملامة اللوام فهى التى يلومها الله عزوجل , والنفس الأمارة بالسوء _ وهى النفس المذمومة فإنها تأمر صاحبها بكل سوء , وهذا من طبيعتها فما تخلص أحد من شرها الا بتوفيق الله , كما قال تعالى : حاكيا عن امرأة العزيز " وما أبرىء نفسى إن النفس لأمارة بالسوء الا ما رحم ربى إن ربى
لغفور رحيم " سورة يوسف وقال تعالى " ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا " سورة النور ( 3)

إن لحظة محاسبة العبد لنفسه لتعد من لحظات الارتقاء الإنساني , حيث يجرد الإنسان من عقله حاكما على شهواته , ومن ضميره حاكما على هواه ويجعل الإنسان المؤمن من إيمانه شرطيا يراقب , ومفتشا يحاسب وقاضيا يحكم , وبهذا يرتقى الإنسان من حالة الى حالة مرتفعا بنفسه عن الد نايا والمحذ ورات , قال : الحسن رحمه الله فى قوله تعالى " ولا أقسم بالنفس اللوامة " قال لا يلقي المؤمن الا يعاتب نفسه ما أردت بكلمتي وماذا أردت بشربتي وما أردت بأكلتي ؟وأما الفاجر فيمضى قدما لا يعاتب نفسه وعلماء التربية فى الإسلام متفقون على ضرورة محاسبة المرء لنفسه تماشيا مع طبيعة الإسلام . (5)

فعن شداد ابن أوس رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " رواه المنذ رى
وقال عمر رضى الله تعالى عنه " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتهيئوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه خفاياكم " يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية " سورة الحاقة
وفى قوله تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون " سورة الحشر وتلك إشارة على المحاسبة على ما مضى من الأعمال           (6)

من أقوال السلف فى المحاسبة :

يقول ميمون بن مهران " لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه ومشربه " ويقول الحسن رحمه الله " المؤمن قوام على نفسه يحاسبها وانما خف الحساب على قوم حاسبوا أنفسهم فى الدنيا وانما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ثم فسر المحاسبة فقال إن المؤمن يفجؤها الشئ يعجبه فيقول والله إنى لأشتهيك وانك لمن حاجتي ولكن والله ما من حيلة إليك هيهات حيل بيني وبينك " وهذا حساب قبل العمل ثم يفرط منه السئ فيرجع الى نفسه فيقول ماذا أردت بهذا مالي ولهذا والله لا أعود إلي هذا أبدا إن شاء الله " وهذا حساب بعد العمل . ( 7)

إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم وإن المؤمن أسير فى الدنيا يسعى فى فكاك رقبته لا يأمن شيئا حتى يلقى الله لأنه يعلم أنه مأخوذ عليه فى سمعه وفى بصره وفى لسانه وفى جوارحه مأخوذ عليه فى ذلك كله " وقال وهب ابن منبه _ حق على العاقل أن لايشغل عن أربع ساعات _ ساعة يناجى فيها ربه _ وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة يفضى فيها الى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه – وساعة يخلى بين نفسه وبين لذاتها فيما أحل الله وليس ما حرم فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات واجمام للقوة "
وسئل ذ و النو ن _ بم ينال العبد الجنة فقال بخمس استقامة ليس فيها روغان _ واجتهاد ليس معه سهو _ ومراقبة لله تعالى فى السر والعلانية _ وانتظار الموت بالتأهب له – ومحاسبة نفسك قبل أن تحاسب . (

وعن أبى موسى رضى الله تعالى عنه " حاسب نفسك فى الرخاء قبل حساب الشدة "
وروى أبو منصور والديلمي فى مسند الفردوس من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال رسول الله صل الله عليه وسلم " ثلاث من كن فيه استكمل إيمانه لا يخاف فى الله لومة لائم ولا يرائي بشئ من عمله واذا عرض له أمران أحدهما للدنيا والآخرة آثر الآخرة على الدنيا
ومن البدع الغريبة التى ابتكرها الغربيون وقلد هم فيها للآسف بعض المسلمين أن يقيم أحدهم كلما انقضت سنة من عمره حفلا بهيجا يقدم فيه ما لذا وطاب من الطعام والشراب يسميه الناس عيد ميلاد . ( 9)

وقد درج الناس على طقوس وتقاليد ما أنزل الله بها من سلطان كإضاءة شموع بعدد سنوات عمر المحتفى به أو عقودها ثم إطفائها فى حركة مسرحية وتبادل التهانى والهدايا بهذه المناسبة والأولى والأجدر أن يأس الإنسان على نفسه بما انهدم من بنيان عمره وما طوى من كتاب حياته فكل يوم يمضى إنما هو ورقة فى شجرة عمره قد ذ بلت وسقطت ورحم الله الحسن البصري حين قال " يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة كلما ذهب يوم ذهب بعضك بهذه العقيدة فى الله وفى الجزاء فى الآخرة يصبح المؤمن ويمسى مراقبا لربه محاسبا لنفسه متيقظا لأمره متدبرا فى عاقبته لايظلم ولايخون ولا يتطاول ولا يستكبر ولا يجحد ما عليه ولايدعى ماليس له ولا يفعل اليوم ما يخاف من حسابه غدا ولا يعمل فى السر ما يستحى منه فى العلانية
( 10)

يقول الشاعر
اذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ___ خلوت ولكن قل على رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ___ ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
وسئل بعضهم عن قوله تعالى " رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه " سورة البينة قال معناه لمن راقب ربه عز وجل وحاسب نفسه وتزود لمعاده وقال محمد ابن على الترمذي : اجعل مراقبتك لمن لاتغيب عن نظره اليك واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك واجعل طاعتك لمن لا تستغنى عنه واجعل خضوعك لمن لاتخرج عن ملكه وسلطانه . (11)

ومن أساليب محاسبة النفس :

وهناك نماذج فى محاسبة النفس ومجاهدتها ومعاقبتها على التقصير والتفريط كثيرة فى سيرة السلف الصالح , ومن جاء من بعدهم وسار على نهجهم من التابعين وهذا عمر رضى الله تعالى عنه " كان يضرب قدميه بالدرة اذا جن الليل ويقول لنفسه ماذا عملت اليوم ؟
ويروى أنه خرج الى حائط له ثم رجع وقد صلى الناس العصر فقال إنما خرجت الى حائطي ورجعت وقد صلى الناس العصر جماعة حائطي صدقة على فقراء المسلمين وحكي عن تميم الداري رضى الله عنه نام ليلة لم يقم يتهجد حتى أصبح فقام سنة لم ينم فيها عقوبة الذى صنع
ومر حسان بن سنان بغرفة فقال متى بنيت هذه ؟ ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عما لا يعنيك لأعقبنك بصوم سنة فصامها وقال مالك بن دينار : رحم الله امرءا قال لنفسه ألست صاحبة كذا ألست صاحبة كذا ثم حطمها ثم ألزمها كتاب الله فكان له قائد
( 12)

ومن الأمثلة لأحكام العقوبة التى يصدرها ضمير المؤمن فيتقبلها ويسرع فى تنفيذها _ ما روى عن أبى طلحة الأنصاري رضى الله عنه أنه اشتغل قلبه فى الصلاة بطائر فى حائطه (بستان ) فتصدق بالحائط كفارة لذلك .
وفى العصر الحديث يوصى الخبراء وعلماء النفس بضرورة محاسبة المرء لنفسه ومما كتب أن بعض رجال الأعمال الأمريكيين كان يحاسب نفسه كل مساء وبعد محاكمة عسيرة لنفسه اكتشف أن هناك ثلاثة عشر خطأ
خطيرا يقترفها على الدوام
وهذه هى أهم ثلاثة منها تضيع الوقت سدى __ الانشغال بالتوافه _ والجدل فى غير طائل _ ورسخ فى فى ذهن ( فرانكلين ) أنه ما لم يتخلص من هذه الأخطاء فلن يتقدم فى الحياة شيئا يذكر ومن ثم عمل الى تخصيص أسبوع لمحاربة كل نقيصة من نقائصه على التوالي وأفرد سجلا يدون فيه يوما بيوم أنباء انتصاره على نفسه وعلى نقائصه أو هزيمته أمامها وقد لبث الرجل فى حرب ضد أخطائه أكثرمن عامين فلا عجب أن غدا واحدا من أعظم رجالات أمريكا . (13)

والحق أن ترويض النفس على الكمال والخير وفطامها عن الضلال والشر يحتاج الى طول رقابة وطول حساب
إن بناء دار جديدة على أنقاض دار خربة لايتم طفرة ولا يتم عن ارتجال وإهمال فكيف ببناء نفس وإنشاء مستقبل ؟ أترى ذلك يتم وليد غفلة وزهو ؟؟
كلا لابد من حساب دقيق يعتمد على الكتابة والمقارنة والإحصاء واليقظة فإذا شئت الإفادة من ما ضيك بل من حياتك كلها فا ضبط أحوالك وأنت تتعهد نفسك اضبطها فى سجل أمين يحصى الحسنات والسيئات ويغالب طبيعة النسيان فى ذهن الإنسان
( 14)

لابد من وقفة مع كل يوم يمضى ليحاسب الإنسان فيه نفسه ماذا عمل فيه ولماذا عمل ؟ ماذا يترك ؟ ولماذا ترك ؟ وحبذا أن يكون ذلك قبل النوم فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها فى حركاتها وسكناتها وخطراتها قال الله تعالى " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " آل عمران
إن صلاح القلب بمحاسبة النفس وفسادها بإهمالها والاسترسال معها فى شهواتها
فلينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال أمن الصالحات التى تنجيه أم من السيئات التى توبقه وترديه " ( 15)

دعوة لمحاسبة النفس :

_ إن النفس الإنسانية , لا يستقيم شأنها , ولا تثبت على الجادة والصواب , إلا إذا كانت فيها وازع من دين , ويقظة من ضمير يتمثل فيه صوت الحق , الذى يسيطر على بواعث الفعل والترك فى أعمال الإنسان المسلم , فيهتف به من أعماق قلبه بكل خير وبر , فإذا ما سولت للإنسان نفسه للوقوع فى الشر وفعل المعاصى , وهذا من هوى النفس وفعل الشيطان , فإذا بالمسلم يتذكر قدرة الله تعالى عليه , ومن ثم يثوب إلى رشده ويرجع إلى الحق والصواب , قال تعالى " إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون " سورة الأعراف الآية 201_ و قال تعالى :" يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شئ شهيد " سورة المجادلة الآية 6_ ( 16)

والإنسان السوى لا ينتصف من نفسه ولا يبلغ حقيقة التقوى حتى يقف من نفسه موقف الشريك من أين مطعمك , وملبسك , ومركبك وعن ميمون بن مهران رحمه الله قال : لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملابسه " وعلى هذا الأساس من محاسبة العبد لنفسه , فإنه يراقب ربه فى السر والعلانية , ويقوم بالعبادة الطاعة وكأنه يراه ويشاهده , كما فى الحديث الذى رواه عمررضى الله عنه عن النبى صل الله عليه وسلم فى إجابته لجبريل عليه السلام عندما سأله عن الإحسان قال : " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " أخرجه مسلم وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 17)

دعوة لإصلاح النفس قبل شهر رمضان:

يقول الله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" سورة البقرة: الآية ١٨٣ _ في هذه الآية الكريمة يحثنا المولي الكريم على تقواه والإخلاص له عند كل قول أو عمل وذلك بامتثال أوامر واجتناب نواهيه وموجز تعريف التقوى لرب العالمين هي أن يراك حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك.وما دعانا ربنا تبارك وتعالى لهذه الخصلة الكريمة إلا لما فيها من خير الدنيا والآخرة،فبها يستقيم الإنسان وبها تتماسك لبنات المجتمع المسلم وتشد بنيانه وتوثق عراه ،وتجعله مجتمعا إيجابيا حي الضمير صادق الحس متعاون مع بعضه البعض في السراء والضراء ومتئازر في الشدة والرخاء ،الفرد فيه لايتقاعس عن نجدة غيره فيما ألم به ونزل،ولا يضيق بمروءة ،ولا يطمع في حق أحد ليس له ولا يفرط في واجب عليه ،وانما يعيش لأمته مخلصاً نقيا صادقا تقيا كما ورد عن النبي صل الله عليه وسلم قوله:"ليس منا من لم يهتم بأمر المسلمين" واخيرا عليك أن تعلم أخي الكريم أن التقوى زاد يوصلك إلى الله الكريم نستلهم منه يقظة الحس وصحوة الضمير وصفاء الروح وطهارة النفس واستقامة السلوك والاتصاف بالاخلاق الربانية إنها مراجعة أمينة ومتابعة دقيقة لكل صغيرة وكبيرة تصدر عن الإنسان.واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين _ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي محمود _ وصل الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا

وقفات مع النفس:

تتجلي النفس وتشرق عندما يتابع المسلم اخوانه علي شبكات التواصل الاجتماعي فيس أو تويتر وغيره من هذه المنابر التي خيرها وشرها من صنع الإنسان وكسبه وبنيتك تلقي ما تريد .وهنا يرتفع الإنسان ويسمو أو يهوي ويخلد إلي الأرض لأغراضه الدنية ونفسه الامارة بالسوء, لذا ينبغي على كل إنسان وخاصة المسلم أن يربأ بنفسه عن مواطن الريبة والشبهة فيما يري ويشاهد وفيما يكتب وينشر وأن يسأل نفسه سؤالين ليه أني التحقت بعمل حساب علي الفيس أو غيره من منابر التواصل ؟
وبعد ذلك السؤال الثاني عما يقوم بنشره أو مشاركته وأنه من مصدر ثقه أمين لماذا؟ حتى لا يكون سبب في اضلال غيره ولو عن طريق العاطفة شدته للمنشور يحسبه الظمان ماء ثم يتبين له أنه غير صحيح نقلا وعقلا .ولنعلم أن النية الحسنة لا تكفي لابد من ثقلها بالعلم النافع الذي يجلي الحقائق من خلال الأدلة الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة النبوية الشريفة المطهرة وكلام أهل العلم يعتبر تشريع صالح لبيان الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية المعتبرة ما لم يخالف الشرع. يقول الله تعالى:" ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولي ونصله جهنم وساءت مصيرا" سورة النساء. وما توفيقى الا بالله . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي محمود - وصل الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

الخير كله في محاسبة النفس:

يقول الله عز وجل:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"سورة الحشر الآية ١٨ - والمعنى:يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه، خافوا الله، واحذروا عقابه بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه، ولتتدبر كل نفس ما قدمت من الأعمال ليوم القيامة، وخافوا الله في كل ما تأتون وما تَذَرون، إن الله سبحانه خبير بما تعملون، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وهو مجازيكم عليها. تفسير الميسر...
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "دلت الآية على وجوب محاسبة النفس، فيقول تعالى: لينظر أحدكم ما قدَّم ليوم القيامة من الأعمال، أَمِنَ الصالحات التي تنجيه؟ أم من السيئات التي توبقه؟" إغاثة اللهفان
ويقول عمر بن الخطاب رضي اللهُ عنه: " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا،فانه أهون عليكم في الحساب غدا،أن تحاسبوا أنفسكم اليوم،وتأهبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه خفاياكم، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.إغاثة اللهفان.
ويقول الحسن البصري رحمه الله تعالى: "لا تلقى المؤمن إلا يحاسب نفسه، ماذا أردتِ تعملين؟ وماذا أردتِ تأكلين؟ وماذا أردتِ تشربين؟ وإن الفاجر يمضي قدمًا ما يعاتب نفسه" إغاثة اللهفان

وقال الماوردي رحمه الله تعالى: محاسبة النفس أن يتصفح الإنسان في ليله ما صدر من أفعاله نهارَه، فإن كان محمودا أمضاه، وأتبعه بما شاكله، وضاهاه، وإن كان مذموما استدركه إن أمكن، وانتهى عن مثله في المستقبل "أدب الدنيا والدين.ومن درر الحكم البليغة في هذا المعنى ما جاء عن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:

إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليماً مِن الأذى

وَدينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِّنُ


لِسانَكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ

فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ

وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً

فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ

وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى

ودَافع ولكن بالتي هِيَ أحسَنُ

كل تلكم الشيم ومكارم الأخلاق التي أشار إليها الإمام إنما مناطها ومحلها النفس التي تنتجها، فإذا كرُمت وطهُرت استقامت لها الجوارح والحواس التي تناولتها الأبيات السابقات، وأما إذا انطلقت إلى مهاوي الهوى واتباع الشهوات، بلا عقال أو تعقّل، فسدت وأفسدت، وباتت عمياء لا تعرف معروفاً ولا تنكر منكرا "كالكوز مجخيا" كما وصف لنا رسول الله صل الله عليه وسلم في حديث صحيح.

ومحاسبة النفس نوعان: نوع قبل العمل، ونوع بعده.
فأما النوع الأول: فهو أن يقف عند أول همه وإرادته فينظر: هل العمل موافقٌ لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صل اللهُ عليه وسلم أم لا؟ فإن كان موافقا أقدم، وإن كان مخالفا ترك، ثم ينظر: هل فعله خير له من تركه؟ أو تركه خير له من فعله؟ فإن كان الثاني: تركه ولم يقدم عليه، ثم ينظر: فإن كان لله مضى، وإن كان للجاه، والثناء، والمال من المخلوق ترك.

أما النوع الثاني: فهو محاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع:
أولًا: محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، وحق الله في الطاعة ستة أمور: الإخلاص لله في العمل، النصيحة لله فيه، متابعة الرسول صل اللهُ عليه وسلم، شهود مشهد الإحسان فيه، شهود منة الله عليه، شهود تقصيره فيه، بعد ذلك كله يحاسب نفسه هل وَفَّى هذه المقامات حقها؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟

ثانيا: أن يحاسب نفسه على المناهي، فإن عرف أنه ارتكب منها شيئًا تداركه بالتوبة، والاستغفار، والحسنات الماحية.

ثالثا: أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا من فعله.

رابعا: أن يحاسب نفسه على أمر مباحٍ، أو معتادٍ، لم فعله؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحا، أو أراد به الدنيا وعاجلها؟ فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر "إغاثة اللهفان.
ويقول أنس رضي الله تعالى عنه:" سمعت عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يوما وقد خرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار وهو في جوف الحائط:عمر بن الخطاب أمير المؤمنين بخ،والله لتتقين الله ابن الخطاب أو ليعذبنك.موطأ الإمام مالك.
قال إبراهيم التيمي رحمه الله تعالى: "مَثَّلْتُ نفسي في الجنة: آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، وأعانق أبكارها، ثم مَثَّلْتُ نفسي في النار: آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها، وأغلالها، فقلت لنفسي: أي نفسي أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحًا، قلت: فأنت في الأمنية فاعملي" محاسبة النفس لابن أبي الدنيا.

وقال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: "عرف أرباب البصائر من جملة العباد أن الله تعالى لهم بالمرصاد، وأنهم سيناقشون في الحساب، ويطالبون بمثاقيل الذر من الخطرات واللحظات، وتحققوا أنه لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة، وصدق المراقبة، ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات، ومحاسبتها في الخطرات واللحظات، فمن حاسب نفسه قبل أن يحاسب خف في القيامة حسابه، وحضر عند السؤال جوابه، وحسن منقلبه ومآبه، ومن لم يحاسب نفسه دامت حسراته، وطالت في عرصات القيامة وقفاته، وقادته إلى الخزي والمقت سيئاته" إحياء علوم الدين، لإمام للغزالي.

وأضر ما على المسلم الإهمال وترك المحاسبة والاسترسال وتسهيل الأمور وتمشيتها، فإن هذا يؤول به إلى الهلاك، وهذه حال أهل الغرور يغمض عينيه عن العواقب ويمشي الحال ويتكل على العفو فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنس بها، وعسر عليه فطامها ولو حضر رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطام، وترك المألوف والمعتاد "إغاثة اللهفان، لابن القيِّم رحمه الله تعالى.

فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر، أن لا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها، وسكناتها، وخطراتها، وخطواتها، فكل نفس من أنفاس العمر جوهرة نفيسة لا حظ لها يمكن أن يُشترى بها كنز من الكنوز لا يتناهى نعيمه أبدا الآباد، فإضاعة هذه الأنفاس أو اشتراء صاحبها بها ما يجلب هلاكه، خسران عظيم لا يسمح بمثله إلا أجهل الناس، وأحمقهم، وأقلهم عقلًا، وإنما يظهر له حقيقة هذا الخسران يوم التغابن،
قال تعالى:"يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد" سورة آل عمران:30 إغاثة اللهفان، لابن القيم رحمه الله تعالى.

ومن فوائد محاسبة النفس:
أولًا: الاطِّلاع على عيوب النفس، ومن لم يطلع على عيب نفسه لم يمكنه إزالته.

ثانيا: دليل على الخوف من الله والاستعداد للقائه.

ثالثا: تبين للمؤمن حقيقة الربح والخسران.

رابعا: محاسبة النفس في الدنيا تريح المؤمن يوم القيامة.

خامسا: فيه امتثال لأمر الله تعالى.

سادسا: تبعد عن الغفلة، والاستمرار في المعاصي، والذنوب.

سابعا: تعين المؤمن، وتساعده في استدراك ما نقص من الفرائض، والنوافل.

ثامنا: تثمر محبة الله ورضوانه.
تاسعا: أنه يعرف بذلك حق الله

تعالى عليه، ومن لم يعرف حق الله تعالى عليه، فإن عبادته لا تكاد تجدي عليه، وهي قليلة المنفعة جدا.

عاشرا: أن صلاح القلب بمحاسبة النفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها إغاثة اللهفان.و صل الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي محمود.