أسباب النصر والتمكين من القرآن والسنة

أسباب النصر والتمكين من القرآن والسنة :

المستقبل لهذا الدين :

تنبأ الرسول صل الله عليه وسلم بأقوام مغرورين , يزعمون الدين مجرد أحكام فقهية أو قراءة للقران وحفظا له دون تدبر معاتيه و العمل بما فيه :عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صل الله عليه وسلم :" أنه قام ليلة بمكة من الليل فقال اللهم بلغت ثلاثا فقام عمر ابن الخطاب وكان أواها فقال اللهم نعم وحرضت وجاهدت ونصحت فقال صل الله عليه وسلم ليظهرن الإيمان حتى يَرد الكفر إلى مواطنه ولتخاضن البحار بالإسلام وليأتين على الناس زمان يتعلمون فيه القرآن يتعلمونه ويقرأونه ثم يقولون :قد قرأنا وعلمنا فمن الذي هو خير منا فهل في أولئك خير قالوا يا رسول الله من أولئك ؟قال أولئك منكم وأولئك هم وقود النار رواه الطبراني وحسنه الشيخ الالبانى في صحيح الترغيب والترهيب ( 1)

يشير هذا الحديث إلى أن المستقبل لهذا الدين الذي سوف يظهره الله تعالى على الدين كله وإذا توقف زحف الإسلام يوما  فبسبب من الغرور الذي سوف يستبد ببعض السطحين من المنتسبين إليه والذين اكتفوا بالآيات يقرأونها  زعمين أنهم وصلو القمة بمجرد تلاوة القرآن الكريم بينما ظهور الإسلام على الدين كله يطالبهم بتطبيق مضمون هذه الآيات لتصير عملا  دءوبا وإلا سوف يبتلعهم اليم وسوف تداعى عليهم الأمم كما تداعى الأكلة  على قصعتها والتبشير بأن المستقبل  لهذا الدين لم يقف عند هذا الحد ففي أكثر من حديث نبأ رسول الله صل الله عليه وسلم أمته بالنصر المبين وبالعز والتمكين  رغم أنوف الأعداء والحاسدين وفي الحديث أمتي كالمطر لا يدرى أوله خيرا  أم أخره وفي حديث عمرو بن عثمان رواه ابن عساكر وهو مرسل ورواه الطبراني في الجامع الصغير ولفظه أمتي أمه مباركة لا يدرى أولها  خيرا أو أخرها  يقول الإمام بن كثير رحمة الله تعالى في تعليقه  على هذا الحديث بعد الحكم على صحة إسناده محمول على أن  الدين  كما هو محتاج إلى أول الامه في إبلاغة إلى من بعدهم كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها "   وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه " (2)

أرض الله لن تخلوا من قائم لله بحجة :

وفي حديث أخر" لاتزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة" وفي رواية حتى يأتي أمر الله تعالى وهم كذلك" ومن المعلوم أن أول هذه الأمة خير من أخرها كما ثبت أيضا عنه صلى الله عليه وسلم خير القرون قرن ثم الذين يلونهم " والنطاق الذي كان رسول الله صل الله عليه وسلم يتشوف إليه ويقول وددت أن قد رأينا إخواننا يقولون له ألسنا إخوانك قال أنتم أصحابي لكن من هم الإخوان الذين يتطلع الرسول صل الله عليه وسلم أن يكونوا معه ويحب أن ينظر إليهم ولا شك أنهم ناس لهم صلة قوية بمعجزته العلمية والأدبيه البيانية وهي القران الكريم من حديث ثوبان وشداد ابن اوس رضي الله عنهما إن الله تعالى زوي لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وان أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها رواه مسلم وغيره وقال صل الله عليه وسلم ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله تعالى هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز به الإسلام وذلا يذل به الكفر رواه أحمد وهو على شرط مسلم ولم يخرجه (3)

قال الشيخ المحدث ناصر الالبانى رحمه الله تعالى : وانتشار الإسلام وظهوره على كل الأديان يعنى أن يعود المسلمين أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان وفى ذلك أكثر درس وأبلغ عبرة لليائسين المتواكلين عن العمل لأجل التمكين لدين الله " انتهى  ومن ثم فان العمل للإسلام يحتاج دائما إلى بداية سليمة فإنه وإن طال الطريق سينموا وذلك إنما يكون ببناء الفرد المسلم والأسرة المسلمة والمجتمع المسلم الذي سينمو  بلا شك الدولة والأمة المسلمة والبداية السليمة من سماتها أنها لا تقصر في الأخذ الكامل بالأسباب ثم هي بعد ذلك تتوكل على خالق  الأسباب في كل شئ وصدق الله إذ يقول:" أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فنهار به في نار جهنم والله لايهدى القوم الظالمين "  سورة التوبة ليس هناك فوضى في الكون من ناحية البناء العلمي ومن ناحية الانطلاق الحضاري سنن قائمة بيقين سنن ثابتة قال تعالى " سنة الله  ولن تجد لسنة الله تبديلا " ( 4)
                             
                                  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه "

النصر والهزيمة ليس دليلا على الفشل أو النجاح ما دمت تحرص على الأخذ بالأسباب :

وقد انطبقت هذه السنن على صاحب الرسالة نفسه نصرا وهزيمة وعندما قصروا في إتخاذ الأسباب المطلوبة لاستكمال النجاح في أحد وهزموا وقيل لصاحب الرسالة ذلك " ليس لك من الأمر شئ " وإذا استكملوا أسباب الانتصار انتصروا وما يتصورأن أمه من الأمم تحابى أو تستثنى من هذه القوانين وقد طبقت هذه القوانين نفسها على أمتنا منذ أربعة عشر قرنا في تاريخها وقد ذكر نماذج لهذه القوانين مثل قوله تعالى :" إن الله لايغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " سورة الرعد وهذه السنة المطردة ذكرها القرآن الكريم عند هزيمة المشركين في عزوة بدر فقد قال لهم " ذلك بما قدمت أيديهم وأن الله ليس بظلام للعبيد كدأب آل فرعون والذين من قبلكم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم أن الله قوى شديد العقاب ذلك بأن الله لم يكن مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم " سورة الأنفال (5)

إن سنن الله لا تلين لمن يدعى أنه إبنه أو حبيبه فعندما قال اليهود والنصارى :" نحن أبناء الله وأحباؤه " قيل لهم :" فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق " سورة المائدة وفى هذا الميدان زادا من أنفس ما يزودنا به الحديث النبوي الشريف فهناك الإشارات إلى سنة وقانون تعاقب العدل والجور والخير والشر في الاجتماع الانسانى وصلة هذا التعاقب فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وعن هذه السنة ينبئ حديث الرسول صل الله عليه وسلم   الذي يقول فيه  لايلبث الجور بعدى إلا قليلا حتى يطلع فكلما طلع من الجور شئ ذهب من العدل مثله حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره ثم يأتي الله تبارك بالعدل فكلما جاء من العدل شئ  ذهب من الجور مثله حتى يولد في العدل من لا يعرف غيره رواه أحمد فتعاقب الجور والعدل والجدل بينهما سنة من سنن الاجتماع الانسانى ترتبط وجودا وعد ما صعودا وهبوطا بقيام الناس أو نكوصهم عن الوفاء بأسباب ومقومات كل منهما "
                                 
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه " (6)

ـفما هي الأسباب التي ينبغي أن نأخذ بها حتى ينزل علينا نصر الله ؟

أولا: أن نطبق شرع الله في أنفسنا أولا ويتأكد ذلك بتحليل الحلال وتحريم الحرام وإقامة الدين كما أمر الله بالعدل وقوة السلطان وهو أسمى ما يتمنى المسلم بلوغه في حياته أن يكون ممتثلا لله سبحانه في جميع أموره في خاصة وفى أسرته وفى مجتمعه أن يلتزم شرع الله ويدعوا غيره إلى الالتزام بها
وتصرفات المسلم في جميع أموره لا يخرج عن الأحكام الخمسة التي قررها علماء الأصول فاما إن يكون تصرفه واجبا مأمورا به كأركان الإسلام وإما إن يكون مندوبا إليه الأفضل والأحسن والأولي أن يأتيه كالسنن والنوافل,وأما إن يكون تصرفه حراما منهيا عنه كالكبائر,وإما إن يكون مكروها ينبغي عليه إن يتركه تجنبا في الوقوع في الإثم ,وإما إن يكون تصرفه مباحا حلالا له حرية الاختيار فيه كالعادات اليومية من أكل ونوم وحركة وسكون " ( 7)

.ولقد اختلطت  المفاهيم في تطبيق الشريعة الإسلامية.
وتطبيق الشرعية الاسلاميه في حقيقته يعنى تنفيذ ما جاء به دين الإسلام من عقائد وعبادات وأخلاق ومعاملات ذلك لأن الشريعة الإسلامية تنقسم إلى ثلاثة أقسام في أحكامها:
القسم الأول:الجانب العقائدي:ويقصد به الأحكام التي تتعلق بالعقيدة كالإيمان بالله وكتبه ورسله....إلخ
القسم الثاني:الجانب الأخلاقي السلوكي:ويقصد به الأحكام التي تتعلق بالأخلاق والسلوك كالصدق والحب والوفاء بالوعد وغير ذلك من التحلي والتخلي.
القسم الثالث:الجانب الحسي العملي :ويقصد به الإحكام الحسية العملية التي يلتزم بها المسلم في خاصة نفسه كالعبادات أو مع أسرته كأحكام الزواج والطلاق والنفقة والميراث أو في مجتمعه الكبير كعلاقاته مع جيرانه ومع من يحيط به في عمله وفي جميع شئون حياته"             وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه " (

تصحيح مفهوم أيه :

مضمون " ما أنزل الله " هل ما أنزل الله هو الحدود فقط مثل قطع يد الساق ورجم الذانى والقصاص وقتل المرتد بعد استتابته الخ كذلك يدخل في ما أنزل الله إلزام النساء حدود الحشمة بفرض الحجاب وتحريم كل صور التحلل في السينما والتليفزيون والعري في شواطئ والبلاجات الخ والحدود جزءا من الشريعة الإسلامية وتعد بالتالي جزءا مما أنزل الله إلا أن القرآن لا يقرن الحدود بما أنزل الله . لأن الذي جاء به القرآن هو الحق قال تعالى " ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق "وقال" وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه" والآيات كثيرة في هذا المعنى
وإذا تحدث القرآن عن الحكم فإنه" لا يقرن الحكم بتطبيق الحدود ولكن بالعدل "قال تعالى " وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " "ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب التقوى " سورة المائدة ( 9)

ومن هذه الآيات نعرف أن جوهرهما ما أنزل الله هو الحق وأن جوهر الحكم هو العدل باعتبار أن العدل هو إحقاق الحق  لأنه إذا تحقق العدل فسيمكن تطبيق الحدود وسيكون بتطبيقها النتيجة المرجوة أما إذا لم يمكن تطبيق الحدود ولو طبقت فلن تأتى ثمارها – ولو فرضنا بدلا أن الحق قد حسم مشكله السرقة بالمعنى المعروف فلا يمكن بالحدود القضاء على صورة عديدة أخرى من السرقات حيث توجدها بيئة الظلم والاستغلال كالموظف الذي يسرق وقت الحكومة أو الشعب فلا يعمل الاساعه أو ساعتين على أسامي أن الحكومة لا تعطيه حقه وأنه بالتالي يعطيها على قدر فلوسها وكالعامل الذي يسرق المواد الأولية أو الخامات بصور من الاهداروالتبذير لأنه يحس بالإضافة إلى الاستغلال والظلم بقدر من  المهانة وقدر من الضياع نتيجة لعدم ‘إحساس الإدارة به" وهناك أنواع لا حصر لها" وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه " (10)

وفرق بين الشريعة وإقامة الحدود-

إن إقامة الشريعة مسئوليه كل إنسان مكلف والشريعة تعنى عقيدة صحيحة – عباده خالصة – أخلاق طيبه – معامله حسنه- سلوك فاضل وهذا في وسع كل مسلم مكلف أما الحدود فإن أقامتها مسئوليه في بيدهم الأمر
فيجب على المسلمين جميعا أن يعملوا بالقوانين الشرعية وبأحكام الدين عامة في العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق والسلوك والفكر على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والحكومات والدول علما وتطبيقا والكل مطالب بذلك وليس المطالب فقط هو الحكومات عن مطالبه غيره بالعمل بها فالمسئولية موزعه والعمل والتفاوت واجب فليس ما أنزل الله فقط هو إقامة الحدود لأن البعض يفهم أن الشريعة "تتمثل في فلكه تقام على قارعه الطريق وجلاد يقف فى يده مقرعة وسيف " ( 11)

ومن أسباب النصر والتمكين كذلك عباد الله الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة :

إن حب الدنيا والركون إليها والفرح بأسبابها بها هو رأس كل خطيئة وهو الداء العضال الذي إذا غلب على قلب العبد خشي عليه سوء الخاتمة وفيه الخطر وقد عم الله تعالى أصناف الخلق في أيه كريمة لقلة المعرفة بالله تعالى إذ لا يحب الله إلا من عرفه لذلك قال الله تعالى قل أن كان أبائكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون فسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى ياتى الله بأمره إن الله لايهدى القوم الفاسقين والمعنى اى إن كانت رعاية المصالح
الدنيوية عندكم أولى إليكم من طاعة الله ورسوله ومن المجاهدة لإعلاء كلمه الله فانتظروا بما تحبوا حتى لا ياتى الله بعقوبة اجله أو عاجله وهذا وعيد شديد وتهديد شنيع للمنهمكين في طلب الدنيا "( 12)

قال :  صلوات الله عليه وآله :"  يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكله على قصعتها فقال : قائل : " ومن قله نحن يومئذ قال : بل انتم يومئذ  كثير لكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ولايقذفن في قلوبكم الوهن قال: قائل :" وما الوهن قال :" حب الدنيا وكراهية الموت " رواة أبو داود والبيهقي في دلائل النبوة مرفوعا , ومعنى " تداعي أى يدعو بعضها بعضا على إذلالكم وسلب ما في أيديكم والأكله جمع آكل كالكتاب وكتب وغثاء السيل ما يحمله من الزبد والأشياء الطافية على وجهه الماء مما لا قيمة له ولا نفع فيه  مثل ضربه للمسلمين إذ أذهبت ريحهم وتفرقت كلمتهم والحديث من أعلام النبوة وقد تحقق ذلك في هذه الأيام فلقد سار المسلمون اليوم لشده تنازع الدول القوية عليهم بمثابة القصاع اجتمع عليهم الأكله الجياع " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه " (13)

        الأمة بين الأمل والعمل :

الأمة الإسلامية بحاجة إلى استلهام الدروس وأخذ العبر من القرآن الكريم ، والله سبحانه وتعالى قد بيَّن للأمة في القرآن أحوالها مع مخالفيها.وهي في حالتها الراهنة تمر بمرحلة ضعف وتشتت وظلام ، ومع ذلك فإن المؤمن كلما ازداد الباطل بطشاً وطغياناً ازداد إيمانه بأن هذا هو بداية النهاية لهذا الباطل. حاجة المسلمين إلى استلهام الدروس من القرآن وبيان أحوال الأمة مع مخالفيها في القرآن اقرءوا وتأملوا في حديث القرآن عن أحوال الأمة مع مخالفيها قال تعالى : " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تُصبكم سيئة يفرحون بها وإن تصبروا لا يضركم كيدهم شيئا " سورة آل عمران الآية 120 وقال تعالى :" قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين , هذا بيان للناس وهُدي وموعظة للمتقين , ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين " سورة آل عمران الآية 137-139 .ويقول تعالى :" ولا تَهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " " سورة النساء الآية 104 ـ
  ( 14)

إن أمتنا الإسلامية تمر في حالها الراهنة بأوضاع من الضعف والتشتت ، وظلام الطريق ، بينما يمر آخرون بموجات من الاستعلاء والقوة ، ونزعات التفرد ، إن كل ذلك على ظلامه وبأسائه يشير إلى أفقٍ مضيء ، وسبيل عامرٍ بالأمل بإذن الله.نعم. لئن كان الباطل يزداد بطشاً وطغيانا وغدراً ، وصورة ذلك جلية في عدوان اليهود في فلسطين المحتلة ، في القتل والهدم والتشريد والصلف والاستكبار، لئن كان الباطل يزداد بطشاً وطغياناً وغدراً بهذه الصورة ، فإن ذلك عند المؤمن في إيمانه ، وبمعرفته بسنن الله، هو بداية النهاية بإذن الله قال تعالى : " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذبوا جاءهم نصرنا فنجي من نشاء ولا يُرد بأسنا عن القوم المجرمين " سورة يوسف الآية الآية 110 ـ وقال تعالى :" أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الذين أمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب " سورة البقرة الآية 214ـ . وقال تعالى :" ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لك يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب " سورة الحشر الآية 2ـ . إن المسلم لا يسرف في التعلق بالأماني ، وسراب التمنيات ، ولكنه في الوقت ذاته ، لا يكون منكس الرأس في مستنقعات الهزائم ، ومواطن الذل والمهانة.  ( 15 )

أهمية الأمل في حياة المسلم :

إن أمل المسلم ليس مكابرة ولا قفزاً على الواقع والوقائع ، ولكنه عقيدة راسخة يؤمن بها ويعمل في إطاره ، سندها كتاب الله عز وجل قال تعالى :" ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الضالون " يوسف 87 ـ وقال تعالى :" ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون " سورة الحجر:56 ـ .إن اليأس حيلة العاجز الذي يؤثر الانسحاب والعزلة. إن البلاء يُحتمل بعظم الرجاء ، والفرج طريقه الثقة بالله العلي الأعلى ، والمؤمن الحق لا تزلزله المحن ، ولا تهزه المتاعب والشدائد ، بل يزيده ذلك عطاءً وبذلاً وتضحية قال تعالى :" وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثيرٌ فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يُحب الصابرين , وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين , فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يُحب المحسنين " سورة آل عمران الآية 146 ـ 148ـ

و إن من أعظم مهمات أهل العلم والرأي والدعاة والمصلحين أن يشيعوا الأمل الصادق في نفوس الأمة ؛ الأمل الذي يدعو إلى الثبات على الدين ، والعض عليه بالنواجذ ، والعمل على نصرته ، والذب عن حياضه ، واليقين ، لأن نصر الله لن ينزل على أوليائه بمعجزة خارقة ، ولكن بسنة جارية ، يمتحن فيها العباد ليبلوهم ربهم أيهم أحسن عملا.وهذا لا يتحقق بموعظة تتلى ، أو خطبة تلقى فحسب ، ولكن بقدواتٍ صالحة قوية بإذن الله ، ذاقت حلاوة الإيمان ، وصدقت بموعود الله لأوليائه المتقين.

غربة الإسلام بين الأمم  :

إن أمة الإسلام تعيش اليوم غربة حقيقية بين الأمم وتنبع غربتها في تميزها وتمنعها عن السير في ركاب الظلم والاستسلام ، وقد جر عليها هذا ضغوطاًكبيرة ، وأحمالاً ثقالاً ، مادية وأدبية ، لا تكاد تدركها ، مستها فيها البأساء والضراء وزلزلت ,  إن طغيان القوة وغرورها يجعل صاحبه لا يبالي بمواقف الآخرين ، ولا بحقوقهم ، بل إنه ليستهين بالأعراف وقواعد التعامل ، ويستكثر على غيره أن ينظر في مصالحه ، أو يتمسك بحقوقه ، أو يعتز بهويته وقيمه , فالضعفاء في ميزان الظلم لا حق لهم إلا الخضوع والاستسلام ، وحين تضعف الأمم يتفجر الحقد المكبوت ، ويظهر الخصوم يناوشون من مكان بعيد.إن الإنسانية كلها مدعوة إلى التأمل في الأخطار الرهيبة ، التي تنتظرها إذا تجاهلت النذر المتصاعدة من الصدور الحاقدة التي تبث نيران العداوات والصراعات المدمرة ، وازدراء الأمم في معتقدها وفكرها وديانتها.الظلم هو وقود الصراعات ، والعنف لا يولد إلا العنف ، ( 18 )

وعقلاء البشر وقراء التاريخ يدركون أن قوة الظلم ما هي إلا كضوء شهاب ، سرعان ما ينطفئ , إن الأمة الحية ، ولو كانت مستضعفة ، فإنها لن تقبل الظلم ، بل قد تكون هذه الضغوط والمتغيرات سبباً من أسباب يقظتها ، وحيويتها ، فلا تهون عليها عزتها وكرامتها , الأمة الكريمة الضعيفة ، وإن كانت لا تقوى على المواجهة في مرحلة من المراحل ، لكنها لا ترضى بالدنية في عزتها ومبادئها ، ولن ترضى أن تنظر للآخرين باستجداءٍِ أو استخذاء. ( 19 )

ضرورة العمل على إحياء الأمة :

إن من دلائل الرشد والفقه استيعاب الأزمة وتوظيف دروسها لإحياء الأمة ، وبنائها بنفسية عزيزة وثابة من غير ضعف أو خور.إن من الحق والحكمة الاعتراف بأن الهزائم قد تكون لازماً من لوازم بناء الأمم ، من أجل القضاء على سور الاسترخاء ، ومظاهر الترف والفسق ، ومن أجل الدربة على تحمل الظروف القاسية ، وزوال الطبقات الهشة ، من أجل الوصول إلى القواعد الصلبة. وقد تكون الهزائم أكثر ملازمة عندما تسود في الأمة الأمراض الاجتماعية، ويحكمها الظلم، وتشتد المظالم، وتهمل الحقوق، ويفسق المترفون ، ويكثر الخبث ، فتكون الهزيمة عقوبة.وتسلط الأعداء بلاء لتستيقظ الأمة وتتوجه نحو العلاج فيكون التمحيص ، وتكون التنشئة على الفكر والمسيرة مبصرة ، وحينئذٍ يستقيم المسار بإذن الله , و الأمة لا شك بحاجة إلى إعادة ترتيب أمورها ، ودراسة أوضاعها بعمق ، دراسةً تتفهم المتغيرات ، وإنها لمتغيرات كبيرة ، طغت على ساحاتها السياسية والاقتصادية والفكرية وغيرها ، مدركةً إمكاناتها ، مكتشفةً مكامن قوتها وتأثيرها.
(20 )

الطريق لتصحيح أوضاع الأمة  :

ومن أجل تلمس طريق المعالجة لا بد من التأكيد على أن أولى الأوليات أن تعلم الأمة علم اليقين أنها لن ترتفع لها راية ، أو يعلو لها شأن إلا بصدق الإيمان ، ونقاء التوحيد ، وصفاء الإخلاص ، إيمانٌ يستنير به القلب ، وتستقيم به الجوارح ، وهذا لا يكون إلا بتربية جاد ة، وإنك لتحزن حينما لا ترى إلا آثار تربية هشة ، وأن طاقات الأمة تستنزف في أمور تذهب بحلاوة الإيمان ، وتضعف جذوته ، وكيف يتصور التطلع إلى النصر بنفوسٍ لم تذق حلاوة الإيمان: " ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله رباً وبمحمدٍ صل الله عليه وسلم رسولاً، وبالإسلام ديناً" .كما يجب التأكيد: أن الطريق الصحيح ومنهج التصحيح ، في مواجهة ضغوط الخارج وتحدياته ، ليس بالاشتغال بالرد عليها؛ مما قد يجر أو جر إلى معارك خاسرة ، ولكن الإصلاح الحقيقي، والتصحيح الجاد ، يتمثل في التوجه نحو الداخل وتصفيته وتنقيته قال تعالى : "  وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً " سورة آل عمران الآية 120.ولا ريب أن التصحيح من الداخل شاقٌ على النفس ، وثقيلٌ في الممارسة ؛ لأن الإنسان في هذه الحالة سوف ينقد نفسه ، وسوف يصلحها ، أي أنه: يجعل من نفسه الحجر والنحات في آنٍ واحد. وإن أصحاب الطريق المسدود والمتأزمين ، هم الذين يسلطون سياط نقدهم دائماً نحو الخارج , قال تعالى :" وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا "  سورة آل عمران الآية   120 ـ ،( 21)

ومعلمٌ بارز وراية مرفوعة ، في رسم الطريق لهذا الإصلاح الداخلي ، ويقترن بهذه الآية آية أخرى توجه إلى مواجهة الخارج بالنقد الداخلي والإصلاح والتحسين ، واقرءوا في خبر غزوة أحد قال تعالى : " أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أني هذا قل هو من عند أنفسكم " سورة آل عمران الآية 165 ـ . إنه ليس من الحكمة تضخيم شأن العدو إلى الحد الذي يجعل تصور هزيمته شيئاً بعيدا، فالعدو بشر له حساباته ، وله موازناته ، وله مشكلاته وإمكاناته قال تعالى : " ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون " سورة النساء الآية 104ـ .إن النصر العام لا بد أن يسبقه نصر خاص , إن الأمة المنتصرة على أعدائها ؛ هي أمة قد حققت قبل ذلك نصراً داخليا , ومما يجب التأكيد عليه أخيراً: سلاح الصبر، والمراد بالصبر هنا: احتمال المشاق والديمومة في تأدية التكاليف مهما كانت قسوة الظروف.إن الصبر لا يعني الاستسلام للأحوال السيئة والظروف القاسية ، ولكنه يعني عدم اللجوء إلى الحلول السريعة ,( 22)

إن الجري وراء الحلول السريعة لمشكلات مستعصية مآله الإحباط واليأس ، أو الاندفاع والتهور، مما يزيد المشكلات تعقيداً ويجعل الحل الحقيقي بعيد المنال , إن الصبر توظيفٌ صحيح للوقت والزمن ؛ لحل أوضاعٍ لا يُستطاع حلها في الوقت القريب ويقول صل الله عليه وسلم :" إن النصر مع الصبر، وإن الفرج مع الكرب ، وإن مع العسر يسرا " وإن في رحم كل ضائقة أجنة انفراجها ، ومفتاح حلها ، وطريق ذلك بإذن الله دينٌ صحيح ، وعقلٌ مستنير، وعمل دءوب ، وأمل من غير يأس والله غالب على أمره قال تعالى : " لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قلبكم ومن الذين أشركوا أذي كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فغن ذلك من عزم الأمور " سورة آل عمران:186 ـ (23)

أهمية المراجعة والاعتراف بالأخطاء :

إن من صعاب الأمور قيادة الأمم أعقاب الهزائم ، وإحياء الأمل بعد الانكسارات ، ولكن الرجال يستسهلون الصعب ، ويسطيبون المصاعب , ويُصابرون الأيام حتى يجتازوا الأزمات نعم , إن الأمة الحية اليقظة لا تكف عن مراجعة أمرها ، وقياس أدائها في أصولها وأساليبها ، كما لا تمل البحث عن المعوقات والحلول , إن الأمة بحاجة إلى امتلاك الشجاعة الكافية للاعتراف بالأخطاء ، والتقصير في مسيرتها" فالأمة تمرض ولكنها لاتموت " ومن هنا هي بحاجة إلى التفريق الدقيق بين الأعراض والأمراض ، حتى لا تعالج المظاهر والأعراف ، وتهمل الحقائق والأدوار.لقد كشفت الأحداث المتوالية على الأمة اضطراباً في الفهم ، واهتزازاً في قراءات الأحداث ، واستسلام كثير للتضليل الإعلامي الذي يدير آلته العدو، مما أثار اللبس ، وأشاع الشبهات ، فأنتج مع الأسف - استسلاماً في بعض المواطن لأهواء الأقوياء ، ولضغوطٍ إعلامية على صوتها. ـ (24)

ومن ثم فإن الإصلاح يبدأ بالنفس ، وليس بضجيج الإعلام ، ولا هتاف الجماهير، ولا اندفاع الجمهورقال تعالى : " إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم " سورة الرعد الآية 11ـ إن الإصلاح يكمن في صلاح القلوب ، وارتباطها بعلام الغيوب. خضوعٌ تامٌ لله الواحد القهار ، عبادةً وتذللاً ، وانقياداً وتسليماً. إن من أوليات ما يجب أن نقوم به أن نتوجه نحو الإصلاح ، وأولى الأولويات البدء بإصلاح النفس بالتوبة والرجوع إلى الله ، والإنابة إليه: " وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " قال تعالى :" والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يُصروا على ما فعلوا " سورة آل عمران الآية 135 ـ موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 25)