الصحابي الجليل أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه صاحب المال الرابح :

أبو طلحة الأنصاري رضي الله عنه صاحب المال الرابح :

اسمه : أبو طلحة الأنصاري هو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي , أبو طلحة مشهور بكنيته , صاحب رسول الله صل الله عليه وسلم ، ومن بني اخواله ، وأحد أعيان البدريين وأحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة. له أحاديث روى عنه ربيبه أنس بن مالك وزيد بن خالد الجهني وابن عباس وابنه أبو إسحاق عبد الله بن أبي طلحة ,وكان إسلامه مهرا لامرأة من نساء أهل الجنة. وقد كان أبو طلحة يعبد شجرة قبل أن يسلم ، فأراد أن يتزوج أم سليم رضي الله عنها-، وكانت مسلمة ، فقالت له: ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى، قالت: أفلا تستحي أن تعبد شجرة؟ إن أسلمت فإني لا أريد منك صداقاً مهراً غيره. قال: حتى أنظر في أمري ، فذهب ، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فقالت لولدها أنس: يا أنس زَوِّج أبا طلحة , فزوجه.وحضر أبو طلحة مع الرسول صل الله عليه وسلم كل الغزوات ، وكان في غزوة أحد إذا رمى أبو طلحة سهمًا يرفع بصره ينظر إلى أين يقع السهم، وكان يدفع صدر الرسول صل الله عليه وسلم بيده لخوفه عليه ، ويقول: يا رسول الله صل الله عليه وسلم هكذا لا يصيبك سهم. رواه الإمام أحمد. وكان يقول له: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء. وفي غزوة حنين قتل أبو طلحة عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم. رواه أبوداود والدارمي والحاكم

إسلامه :

قبل إسلامه تقدم للزواج من أم سليم الغميصاء بنت ملحان وراح يعرض عليها مهرا غاليا لكنها رفضت وقالت: " انه لا ينبغي أن اتزوج مشركا. أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها آل فلان، وأنكم لو اشعلتم فيها نارا لاحترقت " ، فلما عاد يمنيها بمهر أكبر وعيشة رغيدة قالت: " والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ، ولكنك رجل كافر، وانا امرأة مسلمة ، ولا يحل لي أن اتزوجك ، فإن تسلم فذاك مهري ولا أسألك غيره" . لقد هزت هذه الكلمات أعماقه ، وملأت كيانه ، وهل يجد أبو طلحة خيرا منها تكون زوجا له، وأما لأولاده؟فقال أبو طلحة لها: فمن لي بذلك؟ قالت: النبي. فانطلق يريده. فقال النبي : " جاءكم أبو طلحة وعزة الإسلام بين عينيه " ، فأعلن أبو طلحة إسلامه، وقامت أم سليم تقول لولدها أنس: " قم يا أنس فزوج أبا طلحة ". فزوجها وكان صداقها الإسلام .

وشاء الله ان يرزق أبو طلحة بولد من أم سليم ، وشاء الله ان يمتحنهما بهذا الولد ، فمرض الولد مرضا شديدا ومات بين يدي امه وابو طلحة غائب، فلما عاد استقبلته زوجته أم سليم احسن استقبال ، وقربت اليه عشاءه فأكل وشرب ثم اصاب منها ما يصيب الزوج من زوجته. ثم قالت له: يا أبا طلحة أرأيت لو ان قوما اعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ، ألهم ان يمنعوهم؟ قال: لا. قالت: فاحتسب ابنك. فغضب وقال: تركتني حتى تلطخت ثم اخبرتني بابني ، فانطلق وشكاها لرسول الله صل الله عليه وسلم ـ فقال صل الله عليه وسلم :" بارك الله لكما في غابر ليلتكما " . فحملت ثم ولدت غلاما فأرسلته إلى النبي صل الله عليه وسلم ـ فحنكه ودعا له وسماه عبد الله. ثم رزقهما الله بتسعة من الأولاد كلهم قد حفظوا القرآن.

جهاده :

أما عن جهاد أبي طلحة فقد كان بطلا مجاهدا، ولقد قال فيه رسول الله صل الله عليه وسلم :" لصوت أبي طلحة في الجيش فئة. فإن كان هذا حال صوته ، فكيف سيفه ورمحه ونبله وكفاحه؟شهد بدراً فأبلى بلاء حسنا، ويوم أُحدٍ كان يسور نفسه حول النبي صل الله عليه وسلم ـ ويرف صدره ليقيه سهام العدو، قال أنس قال أبو طلحة لقد سقط السيف مني يوم بدر لما غشينا من النعاس " وعن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن أبا طلحة صام بعد رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أربعين سنة لا يفطر لا يوم فطر أو أضحى " . غريب على شرط مسلم وبه أن أبا طلحة قال لا أتأمرن على اثنين ولا أذمهما" ثابت عن أنس أن أبا طلحة وكان يرمي بين يدي رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يوم أحد وكان رجلا راميا وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا رمى أبو طلحة رفع بصره ينظر أين يقع سهمه كان يدفع صدر رسول الله صل الله عليه وسلم بيده ويقول يا رسول الله هكذا لا يصيبك سهم عبد العزيز بن صهيب .

عن أنس قال لما كان يوم أحد انهزم ناس عن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وأبو طلحة بين يديه مجوبا عليه بحجفة وكان راميا شديد النزع كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل فيقول صل الله عليه وسلم ـ انثرها لأبي طلحة ثم يشرف إلى القوم فيقول أبو طلحة يا نبي الله بأبي أنت لا تشرف لا يصيبك سهم نحرى دون نحرك قال فلقد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما لمشمرات أرى خدم سوقهما تنقزان القرب على متونهما وتفرغانها في أفواه القوم وترجعان فتملآنها فلقد وقع السيف من يد أبي طلحة مرتين أو ثلاثا من النعاس " ابن عيينة حدثنا علي بن زيد عن أنس كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يقول صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة وكان إذا بقي مع النبي صل الله عليه وسلم ـ جثا بين يديه وقال نفسي لنفسك الفداء ووجهي لوجهك الوقاء "

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ قال يوم حنين: "من قتل قتيلا فله سلبه " فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا، وأخذ أسلابهم. وعن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس أن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ قال يوم حنين من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم هشام عن ابن سيرين عن أنس نحر رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وحلق فناول الحلاق شقه الأيمن فحلقه ثم دعا أبا طلحة فأعطاه إياه ثم ناوله شقه الأيسر وقال احلق وأعطاه أبا طلحة فقسمه بين الناس " . ورواه ابن عون عن محمد فأرسله . عاش بعد رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أربعين سنة يسرد الصوم قلت بل عاش بعده نيفا وعشرين سنة قال أحمد بن البرقي أبو طلحة بدري نقيب صلى عليه عثمان جاء له نحو عشرين حديثا حماد بن سلمة عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة قال له بنوه قد غزوت على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر فنحن نغزو عنك فأبى فغزا في البحر فمات جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس . عن أنس كان أبو طلحة ومعاذ وأبو عبيدة يشربون بالشام الطلاء ما طبخ على الثلث وذهب ثلثاه قلت هو الدبس وذكر عروة وموسى بن عقبة وابن إسحاق أن أبا طلحة ممن شهد العقبة وبدرا .

رزق واسع :

قال أنس رضي الله عنه : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا وكان أحب أمواله إليه بئر حاء - وكانت مستقبلة المسجد ، وكان النبي صل الله عليه وسلم ـ يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، قال : فلما نزلت : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " قال أبو طلحة : يا رسول الله صل الله عليه وسلم ، إن الله يقول : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " وإن أحب أموالي إلي" بئر بيرحاء" وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله تعالى، فضعها يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ حيث أراك الله تعالى فقال النبي صل الله عليه وسلم " :بخ ، ذاك مال رابح ، ذاك مال رابح ، وقد سمعت ، وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين ". فقال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله صل الله عليه وسلم . فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه. ولقد كان أبو طلحة كريما لا يضن ولا يبخل بماله أبدا ، بل كان كثير الصدقات ، يرجو رحمة الله ورضوانه .

وكان حريصاً على الجهاد رغم كبر سنه ؛ لقوله تعالى: " انفروا خفافًا وثقالا "، فكان يقول لأبنائه: لا أرى ربنا إلا يستنفرنا شبابا وشيوخًا، يا بني جهزوني، فإني خارج معكم إلى الغزو، فيقول أبناؤه: يرحمك الله يا أبانا، قد غزوت مع الرسول صل الله عليه وسلم ـ حتى مات ، وغزوت مع أبي بكر حتى مات ، وغزوت مع عمر حتى مات ، فدعنا نغزو عنك ، ولكنه صمم على رأيه ، ولبس ثياب الحرب ، وخرج معهم ، ومات أثناء غزوة في البحر، ولم يجد الصحابة جزيرة قريبة ليدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم تتغير رائحة جسده. ابن سعد. وكان موته رضي الله عنه- سنة 20هـ . عن أنس أن أبا طلحة قرأ " انفروا خفافا وثقالا " سورة التوبة الآية 42 ـ فقال استنفرنا الله وأمرنا شيوخنا وشبابنا جهزوني فقال بنوه يرحمك الله إنك قد غزوت على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر ونحن نغزو عنك الآن قال فغزا البحر فمات فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها إلا بعد سبعة أيام فلم يتغير مات سنة أربع وثلاثين وقال خليفة وحده سنة اثنتين وثلاثين قال لنا الحافظ أبو محمد حلق النبي صل الله عليه وسلم ـ شق رأسه فوزعه على الناس ثم حلق شقه الآخر فأعطاه أبا طلحة قال وكان جلدا صيتا آدم مربوعا لا يغير شيبه وفاته :مات سنة أربع وثلاثين وقال خليفة وحده سنة اثنتين وثلاثين، وقيل مات سنة إحدى وخمسين ، والأشهر أنه مات بالمدينة وصلى عليه عثمان في سنة أربع وثلاثين رضي الله عنه وأرضاه.روى عن النبي نيفا وعشرين حديثا منه في الصحيحين حديثان وتفرد البخاري بحديث ومسلم بحديث. ." . .موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

قصة أم سليم مع أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنهما

عن أنس رضي الله عنه قال: مات ابن لأبى طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه ، قال: فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ، فقال: ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك ، فوقع بها ، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم قال لا. قالت فاحتسب ابنك. قال: فغضب وقال: تركتنى حتى تلطخت ثم أخبرتنى بابنى ، فانطلق حتى أتى رسول الله صل الله عليه وسلم فأخبره بما كان، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: " بارك الله لكما في غابر ليلتكما ".قال: فحملت ، قال: فكان رسول الله صل الله عليه وسلم في سفر وهى معه، وكان رسول الله صل الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقاً ، فدنوا من المدينة فضربها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة ، وانطلق رسول الله صل الله عليه وسلم،

قال: يقول أبو طلحة: إنك لتعلم يا رب إنه يعجبنى أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل ، وقد احتبست بما ترى، قال: تقول أم سليم: يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أجد انطلق. فانطلقنا ، قال: وضربها المخاض حين قدما ، فولدت غلاماً فقالت لى أمي: يا أنس لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صل الله عليه وسلم. فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صل الله عليه وسلم قال: فصادفته ومعه ميسم ، فلما رآني قال:" لعل أم سليم ولدت ". قلت نعم. فوضع الميسم، قال: وجئت به فوضعته في حجره ودعا رسول الله صل الله عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت ثم قذفها في في الصبي فجعل الصبي يتلمظها ، قال: فقال رسول الله صل الله عليه وسلم:" انظروا إلى حب الأنصار التمر " . قال: فمسح وجهه وسماه عبد الله .

شرح المفردات :

" غابر ليلتكما ": أي ماضيها.
" الِميسم " : هي الحديدة التي تعلم بها الدواب، والحكمة فيه تمييزها، وليعرفها صاحبها.
" لاكها " : أي مضغها، قال أهل اللغة: اللوك مختص بمضغ الشيء الصلب
" يتلمظ " : يدير لسانه في فيه ليتتبع ما فيه من آثار الطعام.

البيان :

1- إباحة الكي في الحيوان ، قال العلماء: والمستحب أن يسم الغنم في آذانها ، والإبل والبقر في أصول أفخاذها ، وقد جاء هذا في رواية لأحمد وابن ماجه.
2- قال العلماء: وسم الآدمي حرام، وغير الآدمي في الوجه منهي عنه.
3- فائدة الوسم تمييز الحيوان بعضه من بعض، وليرده من أخذه ومن التقطه ، وليعرفها صاحبها فلا يشتريها إذا تصدق بها مثلاً لئلا يعود في صدقته.
4- فيه جواز إيلام الحيوان للحاجة.
5- اعتناء الإمام بأموال الصدقة وتوليها بنفسه.
6- تواضع النبي صل الله عليه وسلم ووسمه بيده.

7- استحباب تحنيك المولود وأن يكون بالتمر، وقد كانوا يبعثون بمواليدهم للنبي صل الله عليه وسلم لتحنيكهم لأجل البركة كما في الحديث ، وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال : ولد لي غلام فأتيت به النبي صل الله عليه و سلم، فسماه إبراهيم و حنكه بتمرة، و زاد البخاري:" و دعا له بالبركة و دفعه إلي ".
8- عناية الإسلام والأطفال ، وتكريمه لهم منذ خروجهم إلى الدنيا.
9- استحباب تسمية المولود في يومه الأول ، وحسن اختيار اسمه.
10- مشروعية التبرك بالنبي صل الله عليه وسلم في حياته ؛ بريقه وما لا مس جسده وليس ذلك لأحد بعد النبي صل الله عليه وسلم ، حيث لم يفعله الناس مع كبار الصحابة رضي الله عنهم.
11- في ضرب أم سليم المثل للولد بالعارية دليل على كمال علمها وفضلها وعظم إيمانها وطمأنينتها، ورضاها بالقضاء القدر رضي الله تعالى عنها وأرضاها.
12- استجابة دعاء النبي صل الله عليه وسلم ، حيث حملت بعبد الله بن أبي طلحة في تلك الليلة ، وجاء من ولده عشرة رجال علماء أخيار." . .موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم