من هدى القرآن فى تفسير سورة ( الفاتحة ) للشيخ سامى محمود "

وأما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه , فى قولها فإن هذه الكلمة إن صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله , فمن صدق فى قول لاإله إلا الله , ولم يحب سواه ولم يرجوا إلا إياه , ولم يخش إلا الله , ولم يتوكل إلا على الله , ولم يبق له من ايثار نفسه وهواه , ومن بقى له فى قلبه أثر لسوى الله فمن قلة الصدق فى قولها ," ونار جهنم تطفأ بنور إيمان الموحدين كما تقول : النار للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبى " رواه الطبرانى وقال الهيثمى فى سنده ضعف وفى المسند من حديث جابر رضى الله عنهما عن النبى صل الله عليه وسلم قال :" لايبقى بر ولا فاجر إلا دخلها , فتكون على المؤمنين برداً وسلاما كما كانت على إبراهيم , حتى إن للنار ضجبجا من بردهم " قال الهيثمى رجاله ثقات فهذا ميراث ورثه المحبون من حال الخليل إبراهيم عليه السلام , نار المحبة فى قلوب المحبين تخاف منها نار جهنم .
( 26 )

قوله :" إهدنا الصراط المستقيم " يقول الإمام ابن كثير رحمه الله والهداية ههنا الإرشاد والتوفيق " ويقول صاحب صفوة التفاسير فى قوله :" إهدنا الصراط المستقيم " أى دلنا وأرشدنا يارب إلى طريقك الحق ودينك المستقيم , وثبتنا على الإسلام الذى بعثت به أنبيائك ورسلك , وأرسلت به خاتم المرسلين , واجعلنا ممن سلك طريق المقربين "انتهى والهداية لها معنين الأول تمكين الإيمان فى القلب وهذا لايكون إلا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى ولهذا قال :" إنك لاتهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء " وقوله تعالى :" فأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى "  والمعنى الثانى وهى مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام وهى البلاغ والإرشاد  كما قال تعالى لنبيه صل الله عليه وسلم :" وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم " ( 27)

والهداية ليست منحة لكل أحد كالحواس والعقل وشرع الدين , ولكنها اختيار العبد بإرادته وفعله قال تعالى :" وهديناه النجدين " فمن أراد الهداية وسعى لها سعيها وهو مؤمن حبب إليه الإيمان وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان ومن أراد غير ذلك وكله الله تعالى إلى نفسه فصار مخذولا , والصراط المستقيم هو دين الإسلام الذى لايقبل من أحد سواه قال تعالى :" ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين " سورة آل عمران الأية 85 ـ فيجب على الخلق جميعا من إنس وجن أن يدخلوا فى الإسلام وأن يتركوا غيره من الأديان الباطلة وإلا كان مصيرهم النار كما فى الحديث الذى رواه الإمام مسلم قال صل الله عليه وسلم :" والذى نفسى محمد بيده لايسمع بى أحدٌ من هذه الأمة يهودىُّ ولا نصرانىُّ ثم يموت ولم يؤمن بالذى أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " ( 28 )

الصراط المستقيم :

من حديث النواس ابن سمعان رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :" ضرب الله تعالى مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتى الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة , وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع بقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا , وداع يدعوا من فوق الصراط فإذا أراد الانسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك تفتحه تلجه , فالصراط الاسلام والسوران حدود الله , والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعى عاى رأس الصراط كتاب الله والدعى من فوق رأس الصراط واعظ الله فى قلب كل مسلم " رواه الامام أحمد رحمه الله تعالى ويقول الإمام ابن كثير نقلا عن الإمام ابن جرير الطبرى فى تفسير الصراط المستقيم بعد ذكر عدة أقوال صحيحة قال والذى وهو أولى بتاويل هذه الأية عندى أعنى " اهدنا الصراط المستقيم " أن يكون معنيا به , وفقنا للثبات على ما ارتضيته ووفقت له من أنعمت عليه من عبادك , من قول وعمل وذلك هو الصراط المستقيم " لأن من وفق لما وفق له من أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين فقد وفق للإسلام وتصديق الرسل والتمسك بالكتاب والعمل بما أمره الله به والإنزجار عما زجره عنه واتباع منهاج النبى صل الله عليه وسلم : ومنهاج الخلفاء الأربعة وكل عبد صالح وكل ذلك من الصراط المستقيم " ( 29)

وقوله :" صراط الذين أنعمت عليهم " يقول صاحب صفوة التفاسير : أى طريق من تفضلت عليهم بالجود والإنعام , من النبين والصديقين والشهداء والصالحين , وحسن أولئك رفيقا " وعن ابن عباس رضى الله عنهما فى قوله :" صراط الذين أنعمت عليهم " هم المؤمنون ولذا يقول الإمام ابن كثير وهو أعم وأشمل التفاسير
قال تعالى :" ومن يطع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا " سورة النساء .
وقوله :" غير المغضوب عليهم ولا الضالين " وهم من أنعمت من الذين تقدم وصفهم ونعتهم وهم أهل الهداية والإستقامة والطاعة , لله ورسله وامتثال أوامره وترك نواهيه وزواجره . (30)

غير صراط المغضوب عليهم وهم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه , ولا صراط الضالين وهم الذين فقدوا العلم فهم هائمون فى الضلالة لايهتدون إلى الحق , فدلت الأية على مسلكين قاصدين وهما طريقة اليهود والنصارى ولهذا قال أهل العلم من فسد من علمائنا ففيه شبهة من اليهود لأنهم ضلوا على علم , ومن فسد من عبادنا ففيه شبهة من النصارى لأنهم ضلوا على جهل ومما يروى أن عمر رضى الله عنه كان يسير مع بعض أصحابه , فإذا به يقف أمام صومعة عابد من عباد النصارى وأخذ فى البكاء فقالوا مايبكيك , يا أمير المؤمنين فقال إنى نظرت إلى هذا وتذكرت قول الله تعالى :" عاملة ناصبة تصلى نار حامية " سورة الغاشية لأنه يعبد الله تعالى على جهل , وطريقة أهل الإيمان الحق تقوم على العلم والعمل قال تعالى :" فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك " سورة محمد ( 31)

واليهود علموا ولم يعملوا فاستحقوا الغضب قال تعالى :" من لعنه الله وغضب عليه " سورة المائدة والنصارى ضلوا لأنهم لم يأتوا , الأمر من بابه وهو اتباع الحق فضلوا وأضلوا وكل من اليهود والنصارى قد انغمسوا فى الضلال والخسران فغضب الله عليهم ولكن صفة , الغضب أخص باليهود كما مر من ذكر الأية
وأخص أوصاف النصارى الضلال قال تعالى :" قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل " سورة المائدة .
يستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول عقب قراءتها آمين ومعناها اللهم استجب والدليل على استحباب التأمين وهو استحباب مؤكد كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :" إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " ( 32)

وفى رواية لمسلم قال صل الله عليه وسلم :" إذا قال أحدكم فى الصلاة آمين والملائكة فى السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه " يقول الإمام ابن كثير قيل بمعنى من وافق تأمينه تأمين الملائكة فى الزمان وقيل فى الإجابة وقيل فى صفة الإخلاص .
وفى صحيح مسلم من حديث أبى موسى رضى الله عنه مرفوعا ـ إذا قال ـ يعنى الإمام " ولا الضالين " فقولوا آمين يجبكم الله " تم بحمد الله تفسير سورة الفاتحة
من مذكرتى التى كتبتها فى سنة 1988 م وكانت عبارة عن دروس وخطب فقمت بجمعها وتهذيبها حتى وصلت لما هى عليه وقد نشرت على هذا المنتدى تفسير مختصر لهذه لسورة الفاتحة لمن يريد الاختصار من قبل وبالله التوفيق . ( 33)
موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم