عن دور الأسرة فى وقاية الأبناء من العقد النفسية .

ومن الأمثلة أيضا على الجراءة والشجاعة مع الأدب واحترام الكبير ما كان مع أمير المؤمنين عمر رضى الله عنه عندما مر فى طريق من طرق المدينة , وأطفال هناك يلعبون , وفيهم عبد الله بن الزبير بن العوام رضى الله عنهما : وهو طفل يلعب فهرب الأطفال هيبة من عمر قال له , لم .. لم تهرب مع الصبيان ؟ فقال على الفور لست جافيا فأفر منك " يعنى لست مذنبا " وليس فى الطريق ضيق فأوسع لك , " إنه جواب جرئ وسديد , وكذلك من الأمثلة التى تدل على تربية الأبناء على الرضى والقناعة بما قسم الله ما كان من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه ـ
وولد له فى يوم عيد , وعليه ثوب خَلقَّ " يعنى قديم " فدمعت عيناه " فرآه ولده فقال : ما يبكيك يا أمير المؤمنين : ؟ قال يا بنى أخشى أن ينكسر قلبك إذا رأك الصبيان بهذا الثوب القديم ؛ قال يا أمير المؤمنين إنما ينكسر قلب من أعدمه الله رضاه أو عق أمه وآباه , وإنى لأرجوا أن يكون الله تعالى راضيا عنى برضاك " ( 26 )

ومن الأمثلة أيضا التى تدل على الكمال النفسى والإحساس بالقوة عند الموجهة والحديث مع الآخرين ما كان على عهد عمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين رضى الله عنه فى أول خلافته , وقد أقبلت وفود المهنئين من كل جهة , فتقدم وفد الحجازيين للكلام غلام صغير يبلغ سنه احدى عشر عاما , فقال له عمربن العزيز ارجع أنت وليتقدم من هو أسن منك " فقال : الغلام أيد الله تعالى أمير المؤمنين : المرء بأصغريه قلبه ولسانه فإذا منح الله العبد لسانا لا فظا وقلبا حافظا فقد استحق الكلام , ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان فى الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا ؛؛
وتكلم الغلام فأحسن فتعجب عمر من كلامه وأنشد :
تعلم فليس المرء يولد عالما ـ وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لاعلم عنده ـ صغير إذا التفت عليه المحافل . ( 27 )

ومما يروى أيضا أن صبيا تكلم بين يدى الخليفة المأمون فأحسن , فقال له المأمون : ابن من أنت فقال الصبى : بن الأدب يا أمير المؤمنين ؛؛ فقال : المأمون : نعم النسب وأنشد يقول : كن ابن من شئت واكتسب أدبا ـ يغنيك محموده عن النسب
إن الفتى من يقول ها أنذا ـ ليس الفتى من يقول كان أبى .
ما يجب علينا فى الصغر تلقينهم مغازى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وربطهم بأحداث التاريخ والسير , وتربيتهم على مواقف البطولة فى حياة السلف , وتأديبهم على التخلق بأخلاق العظماء من القواد الفاتحين والصحابة والتابعين , لينشئوا على الشجاعة الفائقة ومواقف البطولة النادرة , وحب الجهاد من أجل اعلاء كلمة الله وفى ذلك يقول سعد ابن أبى وقاص رضى الله عنه :" كنا نعلم أولادنا مغازى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ كما نعلمهم السورة من القرآن . ( 28 )

ومن خلال هذه النماذج المشرفة من حياة السلف الصالح وأبناء الصحابة الكرام رضوان الله عليهم يستطيع الآباء والأمهات , ان يربوا أبنائهم على التحرر التام من ظاهرة الخجل والشعور بالنقص , ومن آفة الإنكماش والإنطوائية والإنهزامية التى تخلق فى نفوس الأبناء الجبن والخنوع , حتى ينشأ الأولاد على الصراحة التامة , والجراءة الكاملة ضمن حدود الأدب , والإحترام ومراعاة شعور الآخرين وانزال الناس منازلهم , وإلا فإن الجراءة ستنقلب إلى وقاحة والصراحة إلى قلة أدب مع الآخرين , وعلينا ونحن نربى أبنائنا وبناتنا أن نميز بين الحياء , وبين الخجل للفرق الواضح بينهما , فالخجل يعبر عن انكماش الولد وانطواءه وتجافيه عن ملاقاة الآخرين والحديث معهم , ( 29)

وأما الحياء فهو خلق اسلامى محض وهو يعبر عن التزام مناهج الفضيلة , والتمسك بآداب الإسلام , فليس من الخجل أن نعود أبنائنا على الإستحياء من الوقوع فى المعاصى واقتراف المنكرات والآثام , وليس من الخجل تعويدهم على احترام الكبير وغض البصر عن المحرمات , والتأدب بآداب الإستأذان عند الدخول على الآخرين , وأن لايفشوا سراً , ولا يكشفوا قبيحا , وليس من الخجل .  تعويدهم على تنزيه ألسنتهم من فحش القول , والخوض فى الباطل وشهادة الزور , وتعويدهم كذلك على فطم بطونهم عن تناول وأكل الحرام , والحرص على الوقت وصرفه فى الأعمال النافعة فى طاعة الله وابتغاء مرضاته , وفيما رواه الإمام مالك رضى الله عنه عنه صل الله عليه وسلم :" لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء "
وفيما رواه الإمام أحمد رضى الله عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم :" اللهم لا يدركنى زمان لا يتبع فيه العليم , ولا يستحى فيه من الحليم "

" إنه يوم أن يطبق الناس تعاليم دينهم فى بيوتهم , عن اقتناع وتروى بأن منهج الاسلام وحده هو الكفيل بحل المشاكل ومواجهة الأزمات , لستطاعوا أن يعيشوا على أساس من الوفاق والتفاهم ,   ( 30)

موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عن تربية الأبناء بين القسوة والتدليل :

إذا كنا قد تحدثنا من قبل عن ظاهرة الإحساس بالنقص , والشعور بالخجل عند الأولاد وقد بينا من الأسباب وكيفية العلاج , وأن التحقير الدائم والإهانة المستمرة
من أهم العوامل التى تساعد على انحراف الولد وفساده .
ولنعلم أن القسوة فى تربية الأولاد تحملهم على التمرد وتنبت فى نفوسهم بذور العقوق والفساد , والتدليل المفرط والحب الزائد فى تربيتهم يعلمهم الإنحلال والميوعة , وفى أحضان كليهما تنمو الجريمة , ومن المؤسف حقا أن تربيتنا فى بيوتنا لأولادنا ليست على نمط واحد , والسبب فى ذلك أن كثيراً من الآباء والأمهات
ليسوا على مستوى متقارب فى الثقافة والوعى والتوجيه . ( 31 )

فمن بيوتنا ما ينشأ فيها الولد ذكراً كان أو أنثى على الجبن والخوف وضعف الشخصية , واضطراب التفكير , ومن بيوتنا ما ينشأ فيها الولد على الميوعة والإنحلال والفوضى والدلال الذى يفسد فطرته , ويقتل الإستقامة فيه , ومن بيوتنا
ما ينشأ فيها الولد جاهلا ولا يعرف شيئا عن الآداب الإجتماعية الراقية , ومنها ما ينشأ فيها الولد أرستقراتيا مترفا بعيداً عن المشاركة الوجدانية , للمجتمع والوطن الذى يعيش فيه سواء فى أفراحه أو أحزانه , ومن بيوتنا ما ينشأ الولد فيها متدينا
ولكنه يفهم الإسلام فهما مليئا بالأخطاء , والخرفات ومنها ما ينشأ الولد متحرراً
من العقيدة والدين وهكذا يؤدى هذا التباين , والتفاوت فى الأسلوب التربوى الخاطئ
إلى إيجاد جيل من الناس ليس بين أفراده انسجام , فى التفكير والثقافة والخلق والسلوك الإجتماعى العام . ( 32 )

وهذا يؤدى إلى انخفاض فى المستوى الفكرى والأخلاق فى أوساط الشباب , حتى أن البعض قد وصل إلى حد التشاؤم بأنه لا أمل ولا خير فى اصلاح , والإسلام ليس مع هذا التشاؤم , فلا تيأس من اصلاح نفسك واصلاح غيرك " .
ونأخذ فى الحديث عن واحدة من هذه السلبيات ونلقى الضوء عليها .
وهى عامل التدليل المفرط , الذى يعمل على فساد فطرة الولد ويقتل الإستقامة فيه
فينشأ على الفوضى والإنحلال , والميوعة مما يؤدى ذلك إلى شعور الطفل بالنقص
ونظرته الحاقدة إلى المجتمع والحياة , ونفوره من مسئولياته واحساسه بالفشل إنه يرى الناس يتقدمون فى معترك الحياة , فى حركة وجهاد وهو فى ذيل القافلة , غيره فى شجاعة واقدام وهو فى خوف وجبن , الناس تتلاقى وتجتمع وهو فى انطواء وعزلة . ( 33 )

مجتمعه الذى يعيش فيه يبتسم للمصاعب وهو ليس كذلك , بل إن أصابته أدنى مصيبة يبكى ويجزع .
إن طفلا كانت هذه حاله فمتى يكون انسانا سوياً ؟ هل يكون عضواً نافعا لأسرته ومجتمعه ؟ ومتى تتغير نظرته للحياة فيكون له طموح فيها وأمل وتفائل , ومن ثم يصبح انسانا سويا ذا شخصية استقلالية يثق بنفسه ويعتمد عليها .
وإذا كان عامل التدليل المفرط يجر على الطفل تلك المخاطر , من الإنحراف النفسى والخلقى والتى من نتائجه فى الأحوال العادية , يؤدى إلى الخجل والخنوع وفقدان الرجولة والشجاعة , وضعف الثقة بالنفس والتدرج نحو الميوعة والتخلف عن ركب المجتمع , الذى يعيش فيه , أقول إذا كان الأمر كذلك فلماذا يغالى الأبوان فى تدليل
الولد ذكراً كان أو أنثى , ولماذا يتعلقان به هذا التعلق الزائد ؟ وهو الأمر الذى يجعلنا
أن نحدد لأخواننا مظاهر هذا التدليل الأسباب والعلاج من خلال , سيرة الرسول صل الله عليه وسلم ـ ( 34)

الإقتداء بالرسول صل الله عليه وسلم فى تربية الأولاد هى وسيلة الرشاد والهداية .
وكيفية علاج هذه الظاهرة من التدليل لدى الأطفال .

إن الإسلام قد وضع منهاجا فريدا فى علاج الظواهر السلبية , وذلك من أجل القضاء عليها أو تخفيفها ومن هذه الظواهر السلبية التدليل المفرط ويتمثل علاج ذلك فى الأتى : ـ
1ـ على الأبوين أن يعمقا فى نفسيهما قاعدة الإيمان بالقضاء والقدر , حتى يعلما أن ما يصيب الولد من صحة ومرض أو ما يعرض له من نقمة أو شقاء , أو ما يقدر الله عليهما من نسل أو عقم أو ما يبتليهما به من غنى أو فقر , كل ذلك بمشيئة الله سبحانه
وبقضائه وقدره وقد قرر القرآن ذلك فى أكثر من موضع , فمن ذلك قوله تعالى :" ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم إن الله لا يحب كل مختال فخور " ( 35 )

وأيضا قوله تعالى :" لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكورأو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير " 2 ـ التدرج فى تأديب الولد فإن كان ينفع النصح ويُجدى فلا يلجأ إلى الهجر , وإن كان الهجر يؤدى الغرض فلا يلجأ إلى الضرب , وإن كان لابد من الضرب فلا يكون مبرحا ولا يكون ضرب انتقام وغلظة , ولكن ضرب أدب وارشاد , واعلم أن طاعة ولدك لك وهو يحبك خير لك من خوفه منك وهو يكرهك , ( 36 )

3 ـ تربية الولد منذ طفولته على الإخشيشان كمافى الحديث الذى رواه الإمام أحمد وأبو نعيم عن معاذ بن جبل رضى الله عنه مرفوعا ـ إياكم والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين "
4 ـ وكذلك يتربى الولد على الثقة بالنفس وتحمل المسئولية لحديث النبى صل الله عليه وسلم :" كلكم راع وكل مسئول عن رعيته " متفق عليه
وفيما رواه البيهقى عن عمر رضى الله عنه يقول :" علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل " وبالتالى يشعر بوجوده وشخصيته ويتدرب على تحمل المشاق والمسئولية . ( 37 )

مظاهر التدليل الأسباب والعلاج :

ومن هنا نعلم أن التدليل المفرط من أهم العوامل الخطيرة , التى تسبب فى انحراف الولد أو البنت نفسيا وخلقيا , فالطفل الذى يصمم على طلبه حتى ولو كان خطأ والطفل الذى يتمادى فى المزاح مع والديه بالسب أو الضرب , وكذلك يمكن أن يفعل مع أقاربه من الكبار , ... الخ هؤلاء الأطفال أفسدهم التدليل المفرط ونتائجه وخيمة العاقبة على الطفل ومن حوله عندما يكبر , وتطغى عليه صفات الأنانية وحب الذات
وعدم احترام الكبير ... الخ
وسبب افراط الآباء والأمهات فى التدليل كثيرة وقد ترجع إلى ذلك . ( 38)

1 ـ الشفقة الزائدة على الولد وتتمثل فى عدم السماح له بالقيام بالأعمال , التى أصبح قادراً عليها اعتقاداً من الآباء والأمهات , أنه ما زال غير قادر على ذلك .
2ـ افراط الأم فى احتضان ابنها وتدليله بشكل يخرجها عن المألوف , وحدود الإعتدال . 3 ـ الأم لا تترك ولدها يغيب عن نظرها لحظة واحدة مخافة أن يصاب بسوء . 4 ـ الأم التى لاتحاسب ولدها إذا أفسد أثاث المنزل أو خرب فى البيت , وتزداد مظاهر التدليل وتكون نذير تدمير للطفل لما يأتى :
أـ أنهما رزقا بالطفل بعد سنوات طويلة من عدم الإنجاب .
ب ـ أو أن الطفل كان ذكراً جاء بعد عدة إناث أو العكس
ج ـ أو أن الطفل شفى بعد مرض شديد كاد يقضى عليه .
وبذلك نرى كيف اهتم الإسلام بتربية الأولاد باعتبارهم , هم أساس البناء فى المجتمع الإسلامى واللبنة الصالحة التى يقوى بها بنيان المجتمع , وإذا فسد النشء فسد المجتمع وضعف كيانة ( 39)
موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم