من فقه العبادات أحكام ( التيمم )

من الفقه الإسلامى

" التيمم "
1_معناه :

التيمم طهارة ليست بالماء ولكن ينوب عنها التراب الطاهر , وكل من كان من جنس الأرض كالحجر والرمل , وهذه العبادة ( التيمم ) يقوم مقام الوضوء وعن الغسل وذلك عند فقد الماء أو عند عدم القدرة على إستعماله وعلى هذا أجمع العلماء
فكان من معناه : فى اللغة : القصد يقال يممك فلان بالخير يعنى قصدك " وفى الشرع قصد الصعيد الطيب الطاهر بشرائط مخصوصة , وقال أكثر أهل العلم بأنه فُرض فى السنة السادسة من الهجرة وأجمعوا على أنه مختص باليدين سواء كان الحدث أكبر أو أصغر .

يسر الإسلام :

والإسلام دين اليسر , ولقد جاء الشرع الحكيم بالمبادئ الكريمة , والأحكام الصالحة للفرد والمجتمع فى كل زمان ومكان , ومع سمو حكمتها لم يكلف الإنسان فوق طاقته
فالدين الإسلامى الحنيف قد يسر على المسلم , وأباح له أن يتطهر بالتيمم إذا لم يجد الماء والدليل عليه الكتاب والسنة والإجماع , وأما الكتاب قال تعالى :" وإن كنتم مرض أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه " سورة المائدة الاية 6-
والسنة قوله _ صل الله عليه وسلم _ جعلت لى الأرض مسجدا وتربتها طهورا "
رواه مسلم وحديث أبى أمامة رضى الله عنه : أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال :" جعلت الأرض كلها لى مسجدا وطهورا , فأينما أدركت رجلا من أمتى الصلاة فعنده طهوره " رواه أحمد

2_حكمة مشروعيته :

هو تيسير من الله على المسلمين فى حالة , عدم وجود الماء أو عند عدم القدرة على إستعماله كما أن فى التيمم امتثالا لأمر الله تعالى فيما لانعرف الحكمة فيه , وهذا الإمتثال هو الإذعان مظهر من مظاهر طاعة الله , وبهذا يتحقق التهيؤ للعبادة بهذه الطهارة الرمزية والنفسية ,

3_ من أسباب مشروعيته :

من حديث عائشة رضى الله عنها قالت : " خرجنا مع النبى صل الله عليه وسلم فى بعض أسفاره حتى إذا كان بالبيداء , انقطع عقد لى فأقام النبى صل الله عليه وسلم على إلتماسه , وأقام الناس معه , وليسوا على ماء , وليس معهم ماء , فأتى الناس إلى أبى بكر رضى الله عنه فقالوا : ألا ترى إلى ما صنعت عائشة ؟ فجاء أبو بكر والنبى صل الله عليه وسلم على فخذى قد نام , فعاتبنى وقال ما شاء الله أن يقول : وجعل يطعن خاصرتى فما يمنعنى من التحرك إلا مكان النبى صل الله عليه وسلم على فخذى , فنام حتى أصبح على غير ماء , فأنزل الله تعالى آية التيمم ( فتيمموا ) قال أسيد بن حضير : ما هى أول بركتكم يا آل أبى بكر , فقالت : فبعثنا البعير الذى كنت عليه , فوجدنا العقد تحته " رواه الجماعة إلا الترمذى

4_التيمم من خصائص هذه الأمة :

والتيمم من الخصائص التى اختص الله تعالى بها هذه الأمة , والتى يعتز بها كل مسلم من حديث جابر رضى الله عنه عن النبى صل الله عليه وسلم أنه قال : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلى , ونصرت بالرعب مسيرة شهر , وجعلت لى الأرض مسجدا وطهورا , فأيما رجل أرركته الصلاة فليصل " وأحلت لى الغنائم ولم تحل لنبى قبلى , وأعطيت الشفاعة " وكان النبى يبعث فى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة " رواه البخارى

شروط وجوبه :

يباح التيمم للمحدث حدثا أصغر أو أكبر , فى الحضر والسفر , والقدرة على إستعمال التراب الطهور ومن أسبابه :

أ_ إذا لم يتيسر له الحصول على الماء , سواء كان مسافرا أو مقيما لحديث عمران بن حصين رضى الله تعالى عنه قال : كنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم فى سفر , فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل قال : " ما منعك أن تصلى " ؟ قال : أصابتنى جنابة ولا ماء قال : عليك بالصعيد فإنه يكفيك " رواه البخارى ومسلم
ومن حديث أبى ذر رضى الله عنه عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " إن الصعيد طهور لمن لم يجد الماء عشر سنين " رواه أصحاب السنن وقال الترمذى حديث حسن صحيح

ب_ إذا كان مريض لا يقوى على الوضوء , لجرح أو خاف من إستعماله زيادة المرض أو تأخر الشفاء ويعرف ذلك بالتجربة أو إخبار الطبيب الثقة لحديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال : خرجنا فى سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه فى رأسه ثم إحتلم فسأل أصحابه , هل تجدون لى رخصة فى التيمم ؟ فقالوا : مانجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء , فاغتسل فمات , فلما قدمنا على رسول الله صل الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال قتلوه قتلهم الله , ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العى السؤال إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليه
ويغسل سائر جسده رواه أبو داود وابن ماجة والدارقطنى وصححه ابن السكن

ج _ إذا كان يتضرر بإستعمال الماء لجرح , أو حساسية أو يكون الماء شديد البرودة
ويعجز عن تسخينه لحديث عمرو ابن العاص رضى الله عنه , أنه لما بعث فى غزوة
ذات السلاسل قال : احتلمت فى ليلة شديدة البرودة , فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك , فتيممت ثم صليت بأصحابى صلاة الصبح فلما قدمنا , على رسول الله صل الله عليه وسلم :" ذكروا ذلك له فقال : " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب " ؟ فقلت : ذكرت قول الله عز وجل : " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " سورة النساء الآية 29 _ فتيممت ثم صليت فضحك رسول الله صل الله عليه وسلم ولم يقل شيئا رواه أحمد وأبو داود والحاكم والدارقطنى وابن حبان وعلقه البخارى

د_ ويجوز له التيمم إن خاف على نفسه أو عرضه , أو ماله أو فوات رفقة , أو خاف عدوا سواء كان آدميا أو حيوانا مفترسا , أو وجود الماء وليس معه آلة يستخرج بها الماء كدلوا أو غيره , وكذلك من خاف إن اغتسل أن يرمى بما هو برئ منه ويتضرر به , جاز التيمم .

ز _ إذا كان الماء الذى معه لايكفيه إلا لشربه , أو شرب غيره أو لحاجة طعامه أو احتاجه غيره لشرابه أو شراب غيره ولو حيوان أو لطعام غيره وليس فى استطاعته تحصيل غيره , فإنه يتيمم ويحفظ ما معه من الماء قال الإمام أحمد رضى الله عنه : عدة من الصحابة تيمموا وحبسوا الماء لشفاهم " يعنى لشربهم " وعن على رضى الله عنه أنه قال : " فى الرجل يكون فى السفر , فتصيبه الجنابة ومعه قليل من الماء , يخاف أن يعطش " : يتيمم ولا يغتسل " رواه الدارقطنى

ذ_ وإذا كان قادرا على إستعمال الماء , لكنه خشى خروج وقت الصلاة , وهو الوقت الأخير الذى يدخل به فى وقت الحرمه , وكان تأخيره هذا لعذر يسوغ له التيمم وعدم الوضوء أو الغسل فإنه يصل ولا إعادة عليه .

ع _ طلب الماء : ومن شرائط التيمم طلب الماء وذلك بعد دخول الوقت لقوله تعالى :" فلم تجدوا ماء فتيمموا " فقد أمرنا بالتيمم عند فقد الماء , فعلى من يريد التيمم طلب الماء بنفسه أو من يوكله عنه فإن تعذر عليه لعدم وجود الماء تيمم " ومن وجد قليلا من الماء لايكفيه لطهره كله , فإنه يتوضأ فى بعض اعضائه ويتيمم لما بقى لقوله تعالى :" فاتقوا الله ما إستطعتم " سورة التغابن وإن كان عنده نجاسة فى بدنه وثوبه ومعه ماء لايكفى الكل , بدأ ببدنه فإن فضل ماء غسل ثوبه , فإن فضل شئ تطهر وإلا تيمم " نص أحمد على تقديم غسل النجاسة قال صاحب الكافى ولا نعلم له خلافا .

5- شروط صحة التيمم :

هناك أمور لايصح التيمم إلا بها , وهى :
( أ) نية الطهارة عند بدأ التيمم لقوله صل الله عليه وسلم :" إنما الأعمال بالنيات " والنية إنما تكون لاستباحة الصلاة , ولا يكفى فقط نية رفع الحدث لأن المتيمم لا يرتفع حدثه لقوله صل الله عليه وسلم لعمرو بن العاص كما سبق أصليت بأصحابك وأنت جنب " ؟ فلو كان التيمم يرفع الحدث لما قال لهخ وأنت جنب إنما هو استباحة الصلاة بالتيمم . وقد قال صل الله عليه وسلم لعمار بن ياسر رضى الله عنه عندما أجنب وتمرغ كما تتمرغ الدآبة ظنا منه أن التيمم للحدث الأكبر يكون هكذا " قال له " إنما كان يكفيك هكذا وضرب صل الله عليه وسلم _ التراب بكفيه ومسح بهما وجهه وكفيه . رواه البخارى ومسلم

(ب) وجود الصعيد الطاهر من تراب أو رمل لقوله تعالى :" فتيمموا صعيدا طيبا "
( ج) الضربة الإولى وهى وضع اليدين على التراب .
(د) مسح الوجه واليدين بالتراب, لقوله تعالى :" فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " ويجوز التيمم للمرفقين أو الإقتصار على الكفين إلى الكوعين " كلاهما جائز خروجا من الخلاف كما يجوز التيمم بضربتين أو الإقتصار على ضربة واحدة .

6_ الأشياء التى يجوز بها التيمم , والتى لايجوز بها التيمم :

1_يجوز للمسلم أن يتيمم بكل ما هو على الأرض , من تراب أو رمل أو حجر ويشترط الطهارة فى هذه الأشياء وعدم نجاستها .
2- لايجوز التيمم بالرماد , أو الأسمنت , أو الجبص , أو الجير , أو لأى شئ تحول من صفته التى كان عليها بفعل النار , وإن ضرب يده على على شئ كحائط وغيره فعلق به غبار جاز نص عليه الإمام أحمد لأنه صل الله عليه وسلم " ضرب بيده الحائط ومسح وجهه ويديه "

7_ كيفية التيمم :

1 _ينوى المتيمم ويسن له أن يقول " بسم الله " عند تيممه ,إذ هى مشروعة عند كل أمر ذى بال .
2_ يضرب الأرض بكفيه , ثم ينفضهما , ويمسح بهما وجهه ( الضربة الإولى فرض ) والثانية سنة
3_ يضرب بكفيه التراب مرة ثانية , وينفضهما , ثم يمسح يديه إلى المرفقين ( بأن يمسح ظاهر اليد اليمنى بباطن الكف اليسرى ( بدأ من المرفق حتى الرسغ ) ثم يمسح ظاهر إبهام اليد اليمنى بباطن إبهام اليد اليسرى , ثم يفعل ذلك فى يده اليسرى , ويخلل بين أصابعه "ومن ما يكفى فى البيان حديث عمار رضى الله تعالى عنه قال : أجنبت فلم أصب الماء ( يعنى لم يجد ماء ) فتمعكت ( يعنى تمرغت ) فى الصعيد وصليت , فذكر ذلك للنبى صل الله عليه وسلم " فقال : إنما كان يكفيك هكذا " وضرب النبى صل الله عليه وسلم بكفيه الأرض , ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه " رواه مسلم والبخارى وفى لفظ آخر قال إنما كان يكفيك أن تضرب بكفيك فى التراب , ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك إلى الرسغين " رواه الدارقطنى ففى هذا الحديث جواز الإكتفاء بضربة واحدة فى مسح اليدين على الكفين , وأن من السنة لمن تيمم بالتراب , أن ينفض يديه وينفخهما منه , ولا يعفر به وجهه . وكل ما ذكرناه من صور كيفية التيم جائز ويجوز الإقتصار على أى واحدة منها .

8_ أركان التيمم :

للتيمم ركنان هما :

1_ أن يكون بضربتين على التراب الطاهر , أو بكل من كان من جنس الأرض لحديث التيمم ضربتان : ضربة للوجه , وضربة لليدين إلى المرفقين " ويجوز التيمم للمرفقين كما يجوز الإقتصار على الكوعين .
2_ مسح الوجه واليدين :
فيمسح بالضربة الإولى الوجه كما حدد فى الوضوء .
ويمسح بالضربة الثانية اليدين مع المرفقين مع تحريك الخاتم الضيق والسوار كما يفعل فى الوضوء .

3_ الترتيب : ويكون من الوجه واليدين فيقدم الوجه على اليدين ولا فرق فى ذلك عن تيمم من حدث أصغر أو أكبر .
4_ الموالاة بين مسح الوجه والكفين , كما تكون الموالاة بين التيمم والصلاة بمعنى أنه لايجوز له التيمم إلا عند دخول وقت الصلاة .

9_ نواقض التيمم  :

1_ ينتقض التيمم بكل ما ينتقض به الوضوء , من بول وغائط وخروج ريح ونوم وحيض ونفاس إلى غير ذلك .
2_ وجود الماء قبل الصلاة , أو أثناء الصلاة , إذ القاعدة :
" إذا وجد الماء بطل التيمم "
3_ زوال سبب العجز عن استعمال الماء , مثل الشفاء من المرض ونحوه
4_ الردة عن الإسلام وهو مثل سب الدين وغيره فإن تاب يلزمه التيمم مرة أخرى ,إن لم يجد الماء .

10 _ من يسر الإسلام :

1_ أن من صلى بالتيمم , ثم وجد الماء بعد الصلاة , فلا يعيد الصلاة لقوله _ صل الله عليه وسلم _: " لاتصلوا صلاة فى يوم مرتين " رواه أحمد وأبو داود والنسائى
والحديث محمول حكمه على من صلى مرة أخرى على أنها فريضة فإن أعادها على أنها نافلة جاز له ذلك ويكون له الأجر مرتين
2_ التيمم بدل الوضوء وبدل الغسل , عند فقد الماء , فيصلى المسلم بالتيمم ويمس المصحف , ويدخل المسجد , ويصلى بالتيمم الواحد الفريضة الحاضرة بالنافلة فقط
لأن المطلوب منه التيمم عند كل صلاة كما فى حديث ابن عمر رضى الله عنهما أنه قال : يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث " رواه البيهقى ويقول بن عباس رضى الله تعالى عنهما " من السنة أن لا يصلى بالتيمم إلا مكتوبة واحدة " وكلام الصحابى ينصرف إلى سنة رسول الله صل الله عليه وسلم .

11_ ما يجوز للمتيمم أن يصلى بتيممه :

يجوز للمتيمم أن يصلى بتيممه ما شاء من نافلة , أو فريضة ما دام تيممه لم ينتقض
بناقض من نواقض الوضوء , وقيل غير ذلك بأنه لايجوز له إلا صلاة فريضة واحدة بنافلتها "

12_ من عجز عن الوضوء أو التيمم :

إذا عجز المسلم عن الوضوء أو التيمم , كأن يكون محصورا فى مكان لا يوجد فيه ماء لايتوضأ به , ولا تراب أو رمل أو حجر فيتيمم به , فيصلى على حالته التى هو عليها لأنه غير مستطاع له إلا ذلك , ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ".

13 _ التيمم عن الغسل وفيه مسائل هامة :

إذا أصاب المسلم شيئا مما يوجب الغسل , ولم يجد ماء , أو وجد الماء ولا يستطيع إستعماله , كما مر فى بيان مسائل التيمم , فإنه يتيمم عن غُسله , كتيممه عن الوضوء , وإن وجد الماء وهو يصلى قطع صلاته ويتوضأ أو يغتسل إن كان جنبا ثم يستقبل الصلاة .

وفى حالتى تيممه عن الغسل والوضوء يظل يصلى بذلك التيمم , إلى أن يجد الماء فإذا وجد الماء إغتسل أو توضأ , ولا يعيد شيئا من الصلوات التى صلاها بتيممه "
ويستحب له تأخير التيمم فى أول وقت الصلاة إن رجى وجود الماء إلى آخر الوقت يقول الإمام على رضى الله عنه : فى الجنب يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت فإن وجد الماء وإلا تيمم "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم