من أدب الحديث فى الإسلام :

الإعتدال فى الكلام وعدم التكبر

ومن أدب الحديث عند التخاطب مع الغير , عدم التعاظم والتقعر فى الكلام بحيث يكون كلامه سهلا طبيعيا ومفهوما عند غيره وإلا كان بغيضا إلى رسول الله صل الله عليه وسلم
يقول :" وإن من أبغضكم إلى وأبعدكم منى مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون
والمتفيهقون " رواه الترمذى
وإذا تحدث المسلم مع جماعة أو أفراد لم يقطع حديثهم , أو يردها عليهم أو يكمل لهم مايقولون أو لا يسمع لهم إظهارا للإستخفاف بهم , وليعلم كل إنسان أن حسن الإنصات فيه أدب له واحترام لنفسه وإذا تحدث رد بالتى هى أحسن .
ومن الناس من إذا تكلم معه من لا يحسن الكلام لعجزه أو عنده شئ من عيوب النطق
سخر منه وعرض نفسه لغضب الله تعالى من ذلك قوله :" يا أيها الذين أمنوا لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم " سورة الحجرات الآية 11 _
وقال صل الله عليه وسلم :" المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره بحسب إمرئ من الشر أن يحق أخاه المسلم " رواه مسلم
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (2)

اختر كلامك

المسلم الصادق هو الذى يزن كلامه فى نفسه , قبل أن يتحدث به وينطق به لسانه
حتى تكون للكلمة أثرها فى الخير بعيدة عن الشر ,يبتغى بها مرضاة الله ولا يصل بها إلى سخط الله
فالكلمة إما أن تسعد صاحبها ويدخل بها الجنة , وإما أن يشقى بها ويدخل النار
من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صل الله عليه وسلم :" إن العبد
ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا ( يعنى يتحدث بها من غير قصد ) يرفعه الله تعالى بها درجات , وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لايلقى لها بالا ( يعنى من غير قصد كذلك " يهوى فى جهنم " رواه البخارى
ومن حديث معاذ رضى الله تعالى عنه وذلك عندما سأل رسول الله صل الله عليه وسلم :" وإنا لمؤخذون بما نتكلم به ؟ قال صل الله عليه وسلم ثكلتك أمك يا معاذ
وهل يكب الناس فى النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم " رواه الترمذى
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 3)

القلة والكثرة من الكلام:

_ إذا أقللت من الكلام أكثرت من الصواب , وإذا أكثرت من الكلام أقللت من الصواب " ويبين لنا النبى صل الله عليه وسلم فى الحديث متى يتكلم العبد ومتى يصمت ؟ فيقول صل الله عليه وسلم :" رحم الله تعالى عبدا تكلم فغنم , أو سكت فسلم " ويقول أيضا صل الله عليه وسلم :" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خير أو ليصمت " ويقول تعالى :" ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد " سورة ق _ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أثر الكلمة فى حياتنا :

لم يشأ الله تعالى أن يترك الإنسان يتكلم , من غير ضابط من دين ولاوزع من ضميريجعله ينظر فيما يتكلم به , فإن كان خيراً أمضاه وإن كان شراً أمسك عنه
وفى الحديث عنه صل الله عليه وسلم ـ " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " وذلك كله لما للكلمة من تأثير عجيب , فى نفس الإنسان فبها تأسو الجراح , وتخفف الألام , وتداوى القلوب , وتزرع الحب , وتقتلع البغضاء , وتغرس التعاون , وتنشر السلام والأمان قال تعالى :" ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها فى السماء تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون " سورة إبراهيم الآية 24 ـ

إن للكلمة الطيبة أثر كبير فى حياة الفرد والمجتمع , والإسلام يحثنا على الكلمة الطيبة , حتى يعيش المجتمع فى حب ومودة وتألف , وقد شبه القرآن الكريم الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة النافعة المثمرة , وضرب لنا المثل بها حتى تكون منهجنا فى التعامل مع الناس قال تعالى :" وقولوا للناس حسنا " سورة البقرة الآية 83 _
وفى مقابل ذلك الكلمة الخبيثة , فكلها شر ولا نفع يرجى من ورائها , مثلها مثل الشجرة الخبيثة التى لانفع فيها , وليس لها أصل ثابت , والعبرة من ضرب الأمثال بالخير والشر ليعتبر الناس ويفعلوا الخير على بصيرة وهدى , وكذلك يبتعدون عن الشر ولا يتعاملون به قال تعالى :" ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار " سورة إبراهيم الآية 26 _
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من أدب الحديث :

_ الإسلام يدعونا إلى التمسك بالأخلاق الكريمة , والتحلى بالآداب السامية , والقيم الرفيعة , ومن هذه الصفات التى يحثنا الإسلام عليها , أدب الحديث , وحسن التخاطب , وتخير الألفاظ الطيبة , حتى تسود روح المودة والمحبة بين الناس جميعا قال تعالى :" وقولوا للناس حسنا " سورة البقرة وقال أيضا :" وقل لعبادى يقولوا التى هى أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم " سورة الإسراء فتخير الأسلوب وانتقاء الكلام من الصفات الحميدة والمكارم العالية , وغض الصوت أثناء الحديث مما أدبنا به القرآن الكريم قال تعالى :" واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير " سورة لقمان ـ

والكلام مع الناس بطريقة مهذبة , وألفاظ رقيقة مروءة وكمال قال صل الله عليه وسلم :" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " رواه البخارى وانتظار المتحدث حتى ينتهى من حديثه وعدم مقاطعته والإنصات له وترك الجدل والمراء كل ذلك مما يحبه الله ورسوله قال صل الله عليه وسلم :" أنا زعيم ببيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا " رواه أبو داود إن من اتصف بهذه الصفات الكريمة بات فى راحة , وعاش قرير العين ورضى الله عنه و أحبه الناس وألفوه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فيما يعنيك :

يقول مالك بن دينار رحمه الله ـ وهو يوصى بعض طلابه : إذا رأيت قسوة فى قلبك , ووهنا فى بدنك , وحرمانا فى رزقك , فاعلم أنك قد تكلمت فيما لايعنيك " وبعد :
إن من علم أن كلامه من عمله وأن لكلامه أثر على نفسه وحياته قل كلامه إلا فيما يعنيه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

لاتتبع عورات غيرك :

يقول حكيم : من نظر فى عيوب الناس ثم رضيها لنفسه فذلك الأحمق بعينه
وحول هذا المعنى أنشد الإمام الشافعى رحمه الله تعالى :
إذا أردت أن تحيا سليما من الأذى
وحظك موفور وعرضك صين
لسانك لاتذكر به عورة امرئ
فكلك عورات وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك معايبا
فصنها وقل ياعين : للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
وفارق ولكن بالتى هى أحسنُ

وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فن الإعتذار :

يقول الحسن رحمه الله تعالى :" والله لو شتمنى أحد فى أذنى اليمنى , ثم جاء إلىَّ فى الأذن اليسرى معتذرا ما استحققت رحمة الله إن لم أقبل عذره .
وقال أيضا : لو كان للكلمة الواحدة سبعون وجها من الشر ووجه واحد من الخير ما استحققت رحمة الله إن لم أؤولها إليه " إن من كانت هذه حاله رضى الله عنه وأحبه الناس , وعاش قرير العين هادئ النفس مسترح الضمير .
ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ثلاث :

ثلاثة أشياء تراقبها : الكلمة , والتصرف , والشخصية , وثلاثة أشياء تحبها , الأمانة , والنقاء , والصدق " وثلاثة أشياء تحكمها : اللسان , الطبع , التصرف , وثلاثة أشياء تمنعها , الكسل , البؤس , الكذب " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الخير في ثلاث خصال:

قال الإمام على رضي الله عنه _ الخير كله في ثلاث خصال _ النظر والسكوت والكلام _ فكل نظر ليس فيه اعتبار فهو سهو , وكل سكوت ليس فيه فكر فهو غفلة , وكل كلام ليس فيه ذكر فهو لغو , فطوبى لمن كان نظره عبرة , وسكوته فكرا , وكلامه ذكرا , وبكى على خطيئته وأمن الناس شره " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عدم التدخل في خصوصيات الآخرين طريق الفلاح :

إن من أسوأ العادات التي يرتكبها البعض و تضايق الآخرين وتزعجهم عادة الفضول والتطفل والتدخل في شؤون الغير فيما لايعنيه ، فالإنسان بطبيعته البشرية ومهما علا شأنه أو صغر يحرص على أن يصون خصوصياته ويحمى أسراره , ويُحافظ على سمته وشخصيته أمام الآخرين , وهذا بلا شك حق من حقوقه كفلته له جميع الأنظمة والقوانين والأديان السماوية من عبث المتطفلين والفضوليين الذين تسيطر على نفوسهم شهوات و رغبات مريضة من اجل معرفة كل شيء واكتشاف أي شيء عن أصدقائهم أو جيرانهم أو حتى عن العاملين لديهم أو معهم ، فهذا النوع من البشر مرضى بداء الفضول وعقولهم لا تعي أو تستوعب أن ذلك ليس سوى اعتداء وانتهاك لحريات الآخرين و خصوصياتهم وجرح لمشاعرهم وكرامتهم

والسبب في ذلك أن تفكيرهم محدود ومنغلق وغير قابل للاستيعاب والتطور والتمدن.كما أن القيم السلوكية والأخلاقية وكل ما يدور في فلك هذا الإطار بالنسبة لهم ما هي إلا شعارات فارغة هوجاء لا وزن ولا قيمة ولا معنى لها وربما كان ذلك نابعاً من جهلهم بأن حريتهم تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين وخصوصياتهم وأن المضايقة والإزعاج والتطفل لمحاولة معرفة أخبار وأمور الآخرين الشخصية بشتى الوسائل والطرق أو بإمطارهم بالتعليقات والأسئلة التافهة والمحرجة والسخيفة ما هي إلا من قلة الذوق والتهذيب وعدم احترام شعور وأحاسيس الآخرين.كما أن هؤلاء المرضى يشفق عليهم الإنسان ويتمنى لهم الشفاء العاجل بأن يرجعوا لصوابهم ويبتعدوا بعيداً عن جعل الآخرين همهم الأكبر وشغلهم الشاغل وأن يبدؤوا بالاهتمام بأنفسهم وحياتهم الخاصة وأن يستمتعوا بأوقاتهم وبنعم الله الكثيرة عليهم التي وهبت لهم من صحة وعافية واستقرار وراحة بال وأن يتذكروا دائماً وأبداً المثل القائل "من راقب الناس مات هماً وغماً"

عنوان الفلاح في تركك ما لا يعنيك :

من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم:" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "  أخرجه الهيثمي في  مجمع الزوائد ورجاله ثقات -  وفي الحديث دعوة  للمسلم في أن صلاحه وفلاحه أن يترك ما لا يعنيه,   والى أن يترك الفضول والتطفل إذ ينبغى ألا يجرى المسلم وراء العبث وإلا ينفق وقته فيما لا طائل منه , وإلا يبذل جهده فيما لا نفع فيه وإلا يشتغل بشئون غيره ما لم يطلبوا منه ذلك, قال تعالى :" قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون " سورة المؤمنون ومن ثم ينبغي أن يكون اشتغال المسلم بشئون نفسه  أكثر من غيره وأن ينفق الوقت والجهد فيما يعود عليه منه نفع يرتضيه الشرع وأن يهتم بكل فضيلة ومحمدة , وأن ينصرف عن كل رذيلة ومذمة وأن يتأدب بالكمالات الروحية ويباعد بينه وبين النقائص .وينبغي أن يؤدى واجباته على خير ما يكون عليه الأداء فان بقى لديه وقت فراغ أنفقه فيما يعود على نفسه وعلى المجتمع بالخير وفى العبادة والطاعة وشكر المولى جل شانه على ما انعم وفى توجيه من يملك توجيههم إلى سبل الحق والرشاد والفلاح .

التوضيح والبيان :

ومالا يعني المرء قد يكون شيئا في خاصة نفسه كالمنهي عنه الحرام والمكروه والشّبهة" وقد يكون في علاقته بالناس ، وهذا الأخير الذي نقصده في كلامنا عن كف الأذى عن الناس.ويدخل في هذا احترام خصوصيات الناس ، وعدم التجسس عليهم ، وعدم تتبع عوراتهم ، وترك الخوض فيما لا ينفعك في الدنيا ولا في الآخرة، وأَوْلَى من ذلك ترك الخوض فيما يضرك فيهما. ولهذه القاعدة تطبيقات كثيرة يستطيع المرء أن يتتبعها بنفسه، وخير وسيلة لإدراك هذه القاعدة هي أن تسأل نفسك في كل قول أو فعل: ما فائدة هذا؟ فإن لم تكن له فائدة أو كان فيه ضرر فهو مما لا يعنيك .

.والإشغال بما لا يعني والتطفل على الناس غالبا ما يقترن بالتفريط في أمر النفس، وما يعنيها ، ولذلك فهو علامة خذلان من الله تعالى للعبد، قال تعالى: نسوا الله فأنساهم أنفسهم " سورة الحشر وكما ترى من الكلام السابق ومما ذكرناه في حديث " فليقل خيرا أو ليصمت" وفي حديث "حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، أنه يجب على المسلم أن يفكر جيدا قبل أي قول أو فعل ولا ينساق من هوى نفسه أو هوى صُحْبَتِه، فإذا فكر وعلم ما يجوز له ومالا يجوز، أقدم على بصيرة. وقد وصف الله تعالى أصحاب النار بأنهم قال تعالى :" وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " سورة الملك بهذا تدرك نعمة العقل ونعمة التفكير. والنصيحة التي تقال هنا هي: فَكِّر قبل أن تتكلم ، فَكِّر قبل أن تتكلم، فَكِّر قبل أن تفعل.

يتضح لنا من هذا الحديث أن هناك من الأمور ما تعنى المسلم , ومن الأمور ما لايعنيه منها شئ فما يعنيه منها : ما يتعلق بضروريات حياته في معاشه كالشبع من جوع والري من ظمأ وستر العورة وعفة البطن ونحو ذلك مما تدفع به الضرورة دون ما فيه تلذذ وتنعم ثم ما يتعلق بسلامته في معاده من نحو الإخلاص ثم ما يرجى منه حصول الثواب والأجر ولا يخاف فيه فوتهما وسائر ما يعود عليه منه منفعة دينية أو منفعة دنيوية موصلة للآخرة.وما لا يعنيه منها : على النقيض من ذلك كله اى ما لا يتعلق بضرورات الحياة ممالا يتعلق بالسلامة في المعاد ثم ما يخاف فيه فوت الثواب والأجر فلا يرجى منه حصولهما وسائر ما لا يعود عليه منفعة دينية أو منفعة دنيوية موصلة للآخرة .

من ثم يوضح لنا الحديث أن المسلم مدعو إلى فعل ما يعنيه والى ترك ما لا يعنيه , ومن القبيح أن يترك المسلم ما يعنيه وأن يشغل نفسه بما لا يعنيه ولا يدور الأمر في هذا أو ذاك على رغبة ذاتية أو نظرة شخصية وإنما يدور مع أحكام الشريعة وتكاليفها وإرشاداتها, فالمسلم يعنيه ما يعنى أمر الله تعالى أن يفعله قولا وعملا وما لا يعنيه ما لا يعنى ما نهي الله تعالى عنه أن لا يقترب منه ولا يفعله قولا وعملا , وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أسند الفعل إلى المرء المسلم فإنه راعى التحدث عن المسلم الكامل الذي سلم له إسلامه فجاءت صورة إسلامه متفقة مع حقيقة هذا الإسلام عنده .إن المسلم الذي يشغل نفسه بما يعنيه ويترك ما لا يعنيه يرى في نفسه الطمأنينة والرضا لأنه يعنى بالطاعة والعبادة ومراقبة الله تعالى ويهتم بأن يأتمر بأمر الشرع وينتهي عما نهى عنه .

وهذا المسلم يرى الناس فيه الكمال ويثقون فيه ويطيب لهم كما طاب لنفسه فانه يصدقهم ولا يكذبهم ويفي لهم ولا يخونهم ويحبهم ولا يكرههم ويحب لهم ما يحب لنفسه ويبغى الخير لهم وينفى الشر عنهم .والمسلم الذي يترك ما لا يعنيه تجتمع له محاسن الأخلاق من الصلاح والشجاعة والوفاء والحلم والعفة والإنصاف وتبرا نفسه من سوءات الطباع مثل العجلة والفضول والحقد والنفاق .وجعل الحديث ترك ما لا يعنى من الإسلام دون غيره كالإيمان والإحسان لأن الإسلام يظهر الناس دون غيره فهو يتأتى بظاهر الأعمال والتكاليف ولهذا يصح أن يرى فيه فعل وترك .وجعل الحديث ترك ما لايعنى من حسن إسلام المرء فإذا اعتبرنا " من " للتبعيض كان ترك ما لا يعنى بعضا من حسن الإسلام أما بعضه الآخر فهو فعل ما يعنى .وإن اعتبرنا " من " للبيان كان حسن الإسلام هو ترك ما لا يعنى وفى تسليط الترك على النفي ما يستلزم تسليط نقيض الترك على ما يعنى فالذي ترك ما لا يعنى يفعل ما يعنى لزوما . وان ترك ما لا يعنى صورة من صور مجاهدة النفس ومجاهدة النفس أول خطوة على الطريق إلى الله ,

ففي ترك ما لا يعنى إبعاد للنفس عن مسالك الانحراف وتخليص لها من الهوى واستنقاذ لها من الباطل حتى تسلك الصراط المستقيم وتستجيب إلى داعي العقل وتنصرف بالحق فإذا نجح المسلم في قمع نفسه عن شهواتها وفى فطامها عن هواها والزمها حدود الحق وحملها على الاستقامة كان قويا .وان ترك ما لا يعنى يتضمن طرح كل ما لا يهم المرء المسلم من قول وفعل وأمر وعدم الإتيان به وترك الاعتناء به .وحد الكلام فيما لا يعنيك أن تتكلم بكلام لو سكت عنه لا تأثم ولا تستضر به في حال ولا مال ومثاله أن تجلس مع قوم فتذكر لهم أسفارك ومشاهداتك . ومنذ القدم جاءت العظة بترك ما لا يعنى :ففي صحف إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام : على العاقل ما لم يكن مغلوبا على عقله أن يكون بصيرا بزمانه مقبلا على شأنه حافظا للسانه ومن حسب الكلام من عمله يوشك إن يقل الكلام الا فيما يعنيه .سئل لقمان الحكيم : أي عملك أوثق في نفسك ؟ فقال : ترك ما لا يعنينى .

وفى حديث الرسول صل الله عليه وسلم " طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه وانفق الفضل من ماله "وقال بعض السلف : من اشتغل بما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه وقال الحسن : من علامة إعراض الله عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه .وقال مالك بن دينار : إذا رأيت قساوة في قلبك وحرمانا في رزقك فاعلم انك تكلمت بما لا يعنيك .وقال الإمام الشافعي :ثلاثة تزيد في العقل : مجالسة العلماء ،ومجالسة الصالحين ،وترك الكلام فيما لا يعنى .وقال أيضا : من أراد أن ينور الله قلبه فليترك الكلام فيما لا يعنيه .وقال أوس بن حجر :إذا كنت لم تعرض عن الجهل والخنا ـ أصبت حليما أو أصابك جاهل .

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى:"  هذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب ، وقد حكي الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال: جِمَاع آداب الخير وأَزِمَّته تتفرع من أربعة أحاديث: قول النبي صل الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"  وقوله صل الله عليه وسلم : " من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"  وقوله صل الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية " لا تغضب" وقوله صل الله عليه وسلم «المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه"  ومعنى هذت الحديث ـ " من حسن إسلام المرء ..." ـ أن من حَسُنَ إسلامُه تَرَكَ مالا يعنيه من قول وفعل واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ، ومعنى يعنيه أنه تتعلق عنايته به ويكون من مقصده ومطلوبة ـ إلى أن قال ـ وإذا حسن الإسلام اقتضى ترك مالا يعني كله من المحرمات أو المشتبهات والمكروهات وفضول المباحات التي لا يحتاج إليها ،

، فإن هذا كله لا يعني المسلم ـ إلى أن قال ـ وأكثر ما يُراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام ـ إلى أن قال ـ قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: " من عَدَّ كلامَه من عمله قَلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه"  وهو كما قال فإن كثيرا من الناس لا يعد كلامه من عمله فيجازف فيه ولا يتحرى ـ إلى أن قال ـ وقد نفى الله الخير عن كثير ممن يتناجى به الناس بينهم فقال تعالى : "  لا خير في كثير من نجواهم  إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس " سورة النساء ، ـ إلى أن قال ـ وروى أبو عبيدة عن الحسن قال: من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه خذلانا من الله. أهـ
ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من آداب الإسلام :

من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " رواه الترمذي وابن ماجة .
الحديث يرشدنا فيه الرسول صل الله عليه وسلم ـ إلى جملة من الآداب الاجتماعية والفضائل الأخلاقية , وتتمثل أولا : على المسلم أن يُعنى بشئون نفسه , وأن لا يتدخل في شئون غيره إلا فيما لابد منه , كالنصح وغيره , ثانيا : أن يربأ المسلم بنفسه عن المشاكل وبذلك يحبه الناس ويحترموه , وتسود الألفة والمودة بين أبناء المجتمع ويعيش أفراده بعيدا عن المشاحنات والعداوات " . ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم