المجتمع سفينة للهلاك أو النجاة :

المجتمع سفينة للهلاك أو النجاة :

عن النعمان بن بشیر رضي االله عنھما عن النبي صل الله علیه وسلم قال: " مثل القائم في حدود الله والواقع فیھا كمثل قوم استھموا على سفینة فصار بعضھم أعلاھا وبعضھم أسفلھا ، وكان الذين في أسفلھا إذا استقوا من الماء مروراً على من فوقھم ، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصیبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإذا تركوھم وما أرادوا ھلكوا جمیعاً ، وإن أخذوا على أيديھم نجوا ونجوا جمیعاً " رواه البخاري وقال -صل الله عليه وسلم: " مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر، فأصاب بعضهم أسفلها وبعضهم أعلاها ، وكان الذين في أسفلها يخرجون ويستقون الماء ، ويصبون على الذين أعلاها فيؤذونهم ، فقالوا: لا ندعكم تمرون علينا فتؤذوننا ، فقال الذين في أسفلها: أما إذا منعتمونا فننقب السفينة من أسفلها فنستقي. قال: فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا ، وإن تركوهم هلكوا جميعا" رواه البخاري .

وفي لفظ " مثل المدهن في حدود الله والواقع " - المدهن يعني المداهن- " مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينة، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا: ما لك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم ، وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم " رواه البخاري أرادوا أن يفتحوا فتحة في الجزء الخاص بهم في أسفل السفينة ليحضروا الماء بدلاً من أن يصعدوا لأعلي السفينة كل مرة . والمُدهن : أي المحابي والمداھن ، والمراد به من يضیع الحقوق ولا يغیر المنكر .

وفي سنن الترمذي كتاب الفتن عن رسول الله صل الله عليه وسلم باب منه

عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم مثل القائم على حدود الله والمدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاها فقال الذين في أعلاها لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا فقال الذين في أسفلها فإنا ننقبها من أسفلها فنستقي فإن أخذوا على أيديهم فمنعوهم نجوا جميعا وإن تركوهم غرقوا جميعا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح قوله : " مثل القائم على حدود الله " أي الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر " والمدهن فيها " بضم الميم وسكون الدال المهملة وكسر الهاء وبالنون ، والمراد به من يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير " ص: 329 المنكر ، والمدهن والمداهن واحد" كمثل قوم استهموا على سفينة " أي اقتسموا محالها ومنازلها بالقرعة" فأصاب بعضهم أعلاها " أي أعلى السفينة ،

وفي رواية للبخاري : فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها " أسفلها " أي في أسفل السفينة بيان للبحر" لا ندَعكم " بفتح الدال أي لا نترككم" فإنا ننقبها" أي نثقبها " فإن أخذوا على أيديهم " أي أمسكوا أيديهم" نجوا جميعا إلخ " المعنى أنه كذلك إن منع الناس الفاسق عن الفسق نجا ونجوا من عذاب الله تعالى ، وإن تركوه على فعل المعصية ولم يقيموا عليه الحد ، حل بهم العذاب وهلكوا بشؤمه ، وهذا معنى قوله تعالى : واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة أي بل تصيبكم عامة بسبب مداهنتكم ، والفرق بين المداهنة المنهية والمداراة المأمورة أن المداهنة في الشريعة أن يرى منكرا ويقدر على دفعه ولم يدفعه حفظا لجانب مرتكبه أو جانب غيره لخوف أو طمع أو لاستحياء منه أو قلة مبالاة في الدين ، والمداراة موافقته بترك حظ نفسه وحق يتعلق بماله وعرضه فيسكت عنه دفعا للشر ووقوع الضرر . قوله : هذا حديث حسن صحيح وأخرجه البخاري في الشركة وفي الشهادات .

ومن هنا نعلم أن المعصية لها سوادا فى الوجه وظلمة في نفس العاصي , وأنها تضر الطائع إذا عاش لنفسه فقط , ولم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر , و أن سخط الله إذا نزل علي أمة إنما يكون لتفشي الفواحش فيهم والمجاهرة بالمعاصي وأن الأمة لن يتحقق لها النصر والعزة والفلاح في الدنيا والآخرة إلا إذا اتبعوا أوامر الله واجتنبوا نواهي .لو كنت عاصيا معصيتك ستضر غيرك أنت عندما تعصي المعصية لا تؤثر عليك انت فقط وإنما تؤثر علي المجتمع بالكامل مُرّ علي النبي صل الله عليه وسلم بجنازة فقال : مستريح و مستراح منه فالصحابة قالوا :"وما مستريح وما مستراح منه ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم العبد المؤمن إذا مات استراح من نصب الدنيا وأذاها ، والعبد الفاسق إذا مات استراح منه العباد والبلاد والشجر والدواب"لأن معصيته تعود علي المجتمع بأسره , لو كنت طائع ستضرك معصية غيرك قد تقول أنا طائع وليس لي دخل بانتشار المعاصي فلماذا يصيبني البلاء معهم ؟

يصيبك بشؤم المعصية لأنك لابد أن تكون صالحا مصلحا تأمر بالمعروف وتنه عن المنكر ربنا لما أمر سيدنا جبريل بإهلاك قرية في بني إسرائيل سأله:يارب أأهلكها وفيها عبدك الصالح فلان؟فقال الله تعالى : يا جبريل به فابدأ ، قال جبريل : لم يا رب ؟ قال : فإنه كان يري المعصية ولا يتمعر وجهه فيّ هو أول واحد يبدأ به العذاب لأنه لم يكن يأمر بالمعروف وينه عن المنكر ولقد لعن الله سبحانه بني إسرائيل بسبب أن رجال الدين فيهم لم يكونوا يأمرون بالمعروف أو ينهون عن المنكر وكانوا يتركونهم بحجة الحريات . " لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون " سورة المائد الآية 78 ـ 79ـ النبي صل الله عليه وسلم مع مكانته العظيمة فهو أفضل خلق الله علي الإطلاق انظر ماذا حدث له في غزوة أحد بشؤم معصية الصحابة له ، قال للرماة قفوا علي جبل الرماة ولا تنشغلوا بأي شيء ،كان يجب عليهم أن يسمعوا ويطيعوا ولكنهم تخلفوا عن أماكنهم وعصوا الرسول طمعاً في الغنائم فماذا حدث ؟وقع قائد الرماة شهيداً وجُرح النبي عليه الصلاة والسلام .

والنبي صل الله عليه وسلم دخل علي السيدة صفية وهو فزع وقال : ويل للعرب من شر قد اقترب ، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج هكذا وشبك بالإبهام والسبابة ،
فقالت : يارسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال : نعم ، إذا كثر الخبث
انظروا رحمكم الله أنها قالت :"أنهلك وفيا الصالحون " ولم تقل أنهلك وفينا المصلحون , وفارق كبير بن الصالح والمصلح عندما يخرج البنات مع الشباب في الشوارع ويفعلوا المعاصي علي مرأي ومسمع من الجميع بحجة أننا في عصر الحرية ، عندما ترتدي البنات البنطلونات واللبس الضيق الذي لا يمت للدين ولا للأخلاق بصلة ويقولون موضة والكل يوافق .

. يكون ذلك سبب في أن المجتمع ينهار ويمحق ربنا سبحانه وتعالي البركة منه ،فتجد الشباب لا يستطيع الزواج وتزداد عنوسة البنات وترتفع الأسعار الصحابة اشتكوا للنبي غلاء الأسعار وطلبوا منه أن يُسعّر لهم أي يحدد أسعار السلع ولا يتركها في أيدي البائعين فقال النبي صل الله عليه وسلم : "إن الله هو المسعّر"ربنا يذيقهم بعض الذي عملوا من المعاصي , قال تعالى :" وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " سورة النحل ـ الآية 76 ـ لما كفرت القرية بنعم الله ، أذاقهم جميعاً لباس الجوع ، لم يقل الجوع وإنما قال لباس الجوع , أي أنه جعل الجوع كإنه لباس من شدة البلاء ,

المعاصي من أسباب البلاء الجماعى :

البلاء الجماعى لا يتنزل علي الأمة الإسلامية بظلم لها وإنما بسبب المعاصي
لأن المعصية لها أثر عليك وعلي المجتمع، النبي صل الله عليه يقول : "ما ظهر الربا والزني في قرية إلا وقد أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل: " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم الذي عملوا لعلهم يرجعون " سورة الروم الآية 41 ـ ومن اسباب المعاصى :
ـ حرمان الرزق وكما ورد في الحديث "وإن العبد ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه"
ـ الحرمان من الطاعة ، كنوع من العقاب تنام عن صلاة الفجر ، تترك صلاة من الصلوات ، تترك صيام النوافل وتضيع الثواب والدرجات التي كنت ستنالها ، الطاعة تدفعك لعمل طاعة أخري والمعصية تجرك لمعصية غيرها وتحرمك من الطاعة ،
ـ الوحشة في القلب ، تشعر أنك بعيد وهناك وحشة بينك وبين الله وبينك وبين العباد الصالحين .

ـ تجعلك تشعر أنك منعزل وتشعر بحزن في قلبك ، مستحيل أن تجد عاصي وقلبه مرتاح إلا إذا كانت فطرته منكوسة والعياذ بالله . وكما قال العلماء : إذا انتكست الفطرة تلذذت بالمحرّم .
ـ الظلمة في القلب، تجد ظلمة وسواد في قلبك ، كما قال النبي صل الله عليه وسلم:
"تعرض الفتن علي القلوب كعرض الحصير عوداً عوداً فأي قلب أُشربها نُكتت فيه نُكتة سوداء وأي قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء"
ـ تعسير الأمور ، حينما تكون طائعا الله سبحانه وتعالى ييسر لك أمورك ويُسخر لك من يقضي لك حاجتك ويقف بجوارك والعكس صحيح المعاصي سبب في تأخر نصر الله , لماذا تجرأ علينا أعدائنا واغتصبوا أرضنا وأعراضنا ومقدساتنا ؟

لأننا تجرأنا علي الله بالمعاصي فأسقطنا من نظره عمر بن الخطاب تحدث إلي قائد الجيش في أحد المعارك فقال له :"احذر المعصية ، فإننا إذا تساوينا معهم في المعصية هزمونا بقوتهم" لأن العدو أكبر منا في العدد والعتاد وإذا تجرأت علي معاصي الله عز وجل وأسقطك من نظره الله .
وبذلك ينتصر علينا الأعداء وهذه سنة من سنن الله في الكون ، انتصار المسلمين
في بدر كان من أثر الطاعة عليهم فهم كانوا قلة بالنسبة لقريش أبو جهل قال له المشركون: ارجع، قال : لا ، لا نرجع حتي نذبح الجذور ونشرب الخمر وتعزف المعازف بمعصيتهم هزمهم الله عز وجل وكان النصر حليف المسلمين.

محلات بيع الخمور أليست سبب في تنزل غضب الله ؟أليست سبب في ضيق الأرزاق؟ أليس سبب تأخر سن فى الزواج عند الشباب وعنوسة البنات ؟ سبب من أسباب تأخر نصر الله عز وجل؟ أليست الحرية الشخصية التى نركن إليها وندعيها زورا وخروج النساء كاسيات عاريات سبب فى تأخر نصر الله عز وجل ؟
ولن تعود هذه الأمة إلي طريق المجد إلا إذا طهرت نفسها من هذه المحرمات التي حرمها الله عز وجل والتى تتمثل أيضا فى تطبيق شرع الله الحكيم فى جميع نواحى حياتنا " .. موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

البيان النبوي للحديث :

عن النعمان بن بشیر رضي الله عنھما عن النبي صل الله علیه وسلم قال: " مثل القائم في حدود الله والواقع فیھا كمثل قوم استھموا على سفینة فصار بعضھم أعلاھا وبعضھم أسفلھا ، وكان الذين في أسفلھا إذا استقوا من الماء مروراً على من فوقھم ، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصیبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإذا تركوھم وما أرادوا ھلكوا جمیعاً ، وإن أخذوا على أيديھم نجوا ونجوا جمیعاً " رواه البخاري

في هذا الحديث الشريف يشبه النبي صل الله علیه وسلم المجتمع وأفراده بأناس ركبوا سفینة فاقتسموا الأمكنة فیھا فصار نصیب .بعضھم أعلاھا ونصیب آخرين أسفلھا :فالسفینة ھي: " المجتمع - القرية – البلدة " والناس فیه قسمان بالنسبة لما نھى االله عنه وحرمه .الأول: قائم في حدود الله أي منكر لھا حريص على منعھا وإزالتھا وتطھیر المجتمع منھا حتي لا تسبب ضرراً لغيرهم بانتشارھا أو بالسكوت على الفاعلین فلا الثاني: واقع ومنغمس فیھا ، فإن لم يكن كذلك فھو مداھن فیھا , لايغیر ولا يطھر وإن السفینة لن تصل إلى بر الأمان إلا بمنع من يقوم بنقرھا وتخريبھا وتعطیل سیرھا ، وكذلك المجتمع لن .يحافظ على أمنه واستقراره وتقدمه إلا بتشجیع المصلحین والأخذ علي أيدي المخربین والمفسدين .

وفى هذا المثل النبوي نجد حرص النبي صل الله علیه وسلم ـ على استخدام طريقة مفیدة للتعلیم والتربیة وھي ضرب الأمثال .بالشيء المحسوس لفھم وتقريب الشيء المعقول ، وكما قیل: بالمثال يتضح المقال وهذه هي طريقة القرآن الكريم وھكذا في سنة النبي صل الله علیه وسلم : " مثل المؤمن مثل النخلة" رواه الطبراني ، وقال صل الله بباب أحدكم يغتسل منه خمس مرات رواه مسلم ويقول صل الله علیه وسلم: " أرأيتم لو أن نھرا والنبي صل الله علیه وسلم استخدم أسالیب عدة في التعلیم والتربیة وبھذا يكون الرسول صل الله علیه وسلم قد سبق علماء التربیة في تحديد أسالیب التعلیم وطرق التدريس وھم في حقیقة الأمر منه يغرفون جـواز الاقـتــراع العمل بالقرعة جائز في حل المشكلات والخلافات التي لا يصل القاضي إلي حكم فیھا إلا بھا

والدلیل حديث الرجلین الذين اختصما إلى النبي صل الله علیه وسلم في مواريث درست بینھما ولیست لھا بینه ، فقال . صل الله علیه وسلم: " إستھما - أي اقترعا - وتوخیا الحق ولیحلل أحدكم صاحبه" رواه أحمد وأبو داود أقرع بین نسائه فأيتھن خرج سھمھا أخذھا معه. والنبي صل الله علیه وسلم كان يطبق ذلك فإذا أراد سفرا الاجتھاد في الخطأ مرفوض يجب الحد منه ومنع صاحبه من السعي والاستمرار فیه ، لأن خرق السفینة اجتھاد من صاحبه للحصول على الماء بأيسر الطرق لكنه خطأ ظاھر لأنه سیؤدي إلى إغراقھا ، فالاجتھاد فیه .مرفوض لأنه سبب للھلاك فلذلك أمر النبي صل الله علیه وسلم بمنع من يعمل ذلك ولذلك لما سعى أسامة بن زيد رضي الله عنه بالشفاعة للمرأة المخزومیة التي سرقت منعه النبي صل الله علیه وسلم وحذره من ذلك لأنه اجتھاد وسعي في الخطأ وقال له: " أتشفع في حد من حدود الله؟! . رواه البخاري .

ويدخل في ھذا البدعة ومخالفة السنة فإن الاجتھاد فیھا مرفوض مطلقاَ لأنھا ضلالة ولا تزيد الإنسان إلا بعدا عن الصراط المستقیم ، وإذا كان الخطأ في أمور الدنیا يطیعھا فإن ضیاع الدين أشد ولذلك قیل: " اقتصاد في سنة خیر من اجتھاد في بدعة " رواه الحاكم عن أبن مسعود موقوف علیه بإسناد صحیح" ومن أمثلة على :ذلك الثلاثة الرھط الذين زعموا أن التشدد في العبادة يوصلھم إلى مرتبة النبي صل الله علیه وسلم ودرجته في الأعمال والقربة من الله ، فالأول عزم على وصال الصوم وعدم الأكل والثاني عزم على اعتزال النساء والثالث عزم على ترك النوم ومداومة قیام اللیل وھذا اجتھاد منھم لكنه اجتھاد خاطئ ، فلذلك حذر النبي صل الله علیه وسلم من طريقتھم وتشددھم وبین أن دين الإسلام دين وسط فقال: " فمن رغب عن سنتي فلیس مني. " رواه البخاري" .. موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من رأي منكراً وكيف يكون درجات إنكاره؟ :

كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ". أخرجه مسلم.هذا الحديث من أعظم الأحاديث بيانا الوظيفة الكبرى في هذا الباب، بل قال: بعضهم: هذا الحديث جمع الإسلام كله لأن الإسلام أمر بمعروف ونهي عن منكر، ولأن كل أحكام الإسلام تدعوا إلى مكارم الأخلاق والتحلي والتمسك بالفضائل ، وفي المقابل تنهى عن كل قبيح يوصل على ارتكاب المنكرات والرذائل.وقوله: "من رأى" فيه بيان شامل لكل من رأى بعينه ، أم بلغه الخبر علماً ، فكل من رأى أو سمع منكراً وعنده علما وقدرة ، فعليه أن يسعى في تغيير ذلك المنكر،

وفيه أن المنكر يختلف بحسب المغير له، فمن الناس من يقدر على تغيير المنكر بيده ، شريطة أن يكون في ذلك أمران: القدرة على ذلك، وعدم حصول المفسدة الكبرى في ذلك، وهذا يقع في حق كل مسئول حتى يشمل ذلك الأمر ولاية الرجل في بيته , ومن الناس من يستطيع أن يغير بلسانه بحسب المنكر، ومن الناس من يعجز فلا يستطيع التغيير بيده ولا بلسانه ، وهنا قاعدة ذكرها بعض أهل العلم، قال: عند تغيير المنكر أو أحوال تغيير المنكر على أربعة أقسام:إما أن يغير المنكر ويحل محله منكر أكبر منه، وهذا لا يجوز , لأن هذا إزالة مفسدة ترتب على إزالة تلك المفسدة الصغرى مفسدة ماذا؟ مفسدة كبرى، هذا لا يجوز، يبقى المنكر على هيئته إذا ترتب على تغييره منكر أكبر فليبقَ على هيئته , ولذا يُذكر أن شيخ الإسلام ابن تيمية لما دخل جنود التتار دمشق أو الشام كانوا يشربون الخمر فيتساقطون أو ينتشون ، ويتركون القتال ، فكأن بعض تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :ـ أو بعض المسلمين يريد أن يكسر دنان الخمر أن يريق الخمر فكان يقول لهم دعوهم ، إذا شربوا سكروا وغفلوا عنا ، فإذا أفاقوا قتلوا المسلمين.

ففي الحالة الأولى ينبغي: أن لا يترتب على تغيير المنكر منكر أكبر وهذا لا يجوز. والحالة الثانية: أن يترتب على تغيير المنكر منكر أصغر، يعني يخِفّ شيء من المنكر وهذا يجب على من قدر عليه.الحال الثالثة: أن يزول المنكر بالكلية ، ولا يترتب في ذلك شيء ، وهذا أوجب.الحال الرابعة: أن يزول المنكر ويترتب في مكانه منكر مساوٍ له ، يقولون: وهذه بحسب حال المحتسب المغيِّر، أحياناً على سبيل المثال مثل بعض المعاصرين بأن ترى قوماً يرون مجلات مثلاً ، هذه المجلات فيها شُبَه عقدية تشكك في الصحابة ، وتقدح في عدالة الصحابة الأطهار، وترمي أمهات المؤمنين وتشكك في مسلمات الإسلام عموماً وثوابته ، وهناك مجلات فيها قصص ، إما قصص خرافات وماجنة وغزل ، ولا بد من بقاء إحدى المجلتين، من أخطر على القراء الأولى ولّا الثانية؟ الأولى لا شك ولا ريب , لأنها فتن شبهات ، أما الأخرى فتن ماذا؟ شهوات ، تدرأ شر الأولى وتبقى الثانية ليس لأن فيها خير لكن لأنها أقل شراً ،

والعرب عندما فرقت بين الشرين ، ما قالت هذا أحسن من هذا ، بل تقول هذا أقل شرا من هذا.وفي الحديث أيضاً أن براءة الذمة لا تستلزم إزالة المنكر، بل ذلك مرهون بالاستطاعة ، ومن هنا يظهر خطأ بعض الناس ، يوجب على الناس أن يسعوا في تغيير المنكر، ويلزم نفسه بذلك مع علمه بأنه لا يستطيع ، مع علمه بأنه سيترتب مضرات أو ضرر أكبر ومضرات كبرى ، هذا لا يجب عليه أن يأمر الناس بما لم يستطيعوا قال تعالى :" لا يُكلف الله نفساً إلا وسعها " سورة البقرة وقوله تعالى :" لَا يُكلف الله نفساً إلا ما آتاها " سورة الطلاق ولهذا من ضعف الفقه والسياسة الشرعية أن بعض الناس يرى أنه من لازم الأمر أن يتغير المنكر ولو ترتب ما ترتب عليه ، وهذا من الجهل قال تعالى : " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم " سورة الأنعام .

وفيه أيضاً أن من كمال الشريعة وسماحتها أنه لم تكلف المسلم بما لا يستطيع ، وفي الحديث أيضاً أن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، كما قرر ذلك أهل السنة والجماعة ، فالقول من أين نأخذه ، من قوله: بلسانه ، والعمل من قوله: بيده ، والاعتقاد عمل القلب من قوله ماذا؟ فبقلبه ، وفي الحديث أيضاً أن الإيمان يزيد وينقص بحسب حال الشخص.وهنا مسائل نذكرها باختصار كما بين أهل العلم :المسألة الأولى: لا يجوز إنكار الشيء أو الأمر إلا بأمرين:الأمر الأول: أن يتحقق المغير أن ذلك الأمر منكر.والأمر الثاني: أن يكون ذلك الأمر منكراً في حق الفاعل.والثالث: ألا يترتب على ذلك مضرة أكبر، إذ لابد من الأمر بالمعروف أن يكون بمعروف مثله , وأن يكون النهي عن المنكر من غير منكر ـ

ومن الأمثلة في ذلك: رأيت رجلًا يأكل في رمضان هذا منكر، لكن قد يكون هذا المنكر ليس منكراً في حق الفاعل كيف ذلك؟ قد يكون الآكل ماذا؟ مسافراً، قد يكون مريضاً ، قد يكون ناسياً ، فالمرض والسفر له ذلك، لكن النسيان لا، هو منكر في حقه أنه لا يجوز، لكن كون أن الآكل مسافر أو مريض يحق له ذلك، لكن إذا كان يأكل أمام الناس في مجتمع جميع أهله صيام، فهنا يقال: ينبغي احتراماً لمشاعر الناس عدم الأكل، وأن لا يترتب منكر أكبر، ترى رجلًا يفعل منكراً إما بكذب أو بسب وتعلم أنك لو نهيته في هذا الحال سيترتب عليك أمر أكبر، إما أن يسب دينك، أو أن يسب نبيك، أو أن يسب الصحابة ، أو أن يسب أهل السنة، المهم سيترتب منكر أكبر، فمن السياسة الشرعية فقه هذه المسائل لأن الغرض تغيير المنكر لا إحداث منكر أكبر.

.أيضاً من مسائل تغيير المنكر لم يستطع تغيير المنكر لا بيده ولا بلسانه ولا بقلبه ، هناك مرتبة رابعة جاءت في القرآن والسنة ، والسنة يفسر بعضها بعضا ، يقول تعالى :" وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما يُنسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكري مع القوم الظالمين " سورة الأنعام الآية 68 ـ ويقول النبي صل الله عليه وسلم:" من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر ماذا نستفيد من هذه النصوص؟ أن بعد تغيير المنكر بالقلب يستلزم ماذا؟ المفارقة ، أما قول بعض الناس: أنا كاره بقلبي لكني أجلس فأسمع هذا المنكر وأرى هذا المنكر، هذا لا يسوغ له الجلوس ، بل هو مشارك له في ذلك.ثم يقال: أعظم المنكرات التي يجب تغييرها، ما تعلق بأمور الشبهات من البدع المحرمة ، وما يقع فيه المسلم من مخالفات شرعية ، وما يتبع ذلك ،

، ومن المعلوم أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي قام بها الأنبياء كلهم صلوات الله عليهم وسلامه، وكانت تلك الشعيرة أساس دعوتهم.ودعاة الخير أولى الناس بإحياء هذه الشعيرة، أعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ضعفت مجتمعات المسلمين إلا بتفريط كثير من دعاة الإصلاح في هذه الشعيرة لأن المجتمع المسلم لا يحفظ بحفظ الله تعالى، إلا إذا كان فيه من يقوم على الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولن يكون ذلك إلا بحرص الجميع على هذه الشعيرة الهامة، ومعلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - أصل عظيم من أصول الشريعة، وركن مهم من أركانها، فإنه من أعظم حقوق كلمة التوحيد، وهو من آكد قواعد الدين، وأعظم واجبات الشريعة، وأظهر شعائر الله، وأحد الثوابت في التشريع الإسلامي، ولا صلاح للعباد والبلاد في معاشهم ومعادهم، إلا بالقيام به، وإظهاره وتعظيمه وتكميله بحسب الاستطاعة، وعلى قدر التقصير فيه وإضاعته وإهماله - يكون النقص وتحدث الفتن، ويظهر الفساد في الأرض؛ ولكن على المسلم أن يسعى إلى الخير جهده كما قال:على المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليـه أن تتـم المقاصد, بشرط أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعلم والحكمة والموعظة الحسنة في طريقة الإنكار ، وبالإخلاص لله تعالى في الدعوة إلى ذلك . اللهم اجعلنا من الآمرين بالمعروف الناهون عن المنكر , القائمون على حفظ حدود الله بفضلك وكرمك يا ذا الجلال والإكرام . " . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم