سابق اليهود إلى الإسلام : الصحابى الجليل عبد الله بن سلام رضى الله عنه :

سابق اليهود إلى الإسلام :

الصحابى الجليل عبد الله بن سلام رضى الله عنه :

عندما يتغلغل الإيمان فى القلوب فإنه يضيئ البصر والبصيرة , وتتطهر النفوس من كدر الضغائن والحقد والكراهية , وتنعم النفوس من أدران الزيف والخداع والتعمية , وتتجرد من الأهواء والأنانية , ولهذا لم يعُرف فى تاريخ البشرية دعوة جمع الله لها من ذوى الثقفات المتعددة والعقائد المختلفة المتباينة مثل دعوة الإسلام , فالكل قد أجمع على أنها دعوة الحق المجرد , الخالى من المطامع والمفاسد والأهواء ماديها ومعنويها , إنه دعوة الحق التى نادى بها ودعى إليها خاتم الأنبياء والمرسلين إلى خلق الله أجمعين سيدنا محمد صل الله عليه وسلم ـ وقد شاءت إرادة الله العلى الأعلى أن تكون دعوة الإسلام هى الدعوة القائمة على الإيمان بكل رسل الله أجمعين , وبحقيقة الأديان التى جاؤا بها إذ هى بمثابة الحلقات المترابطة كل تسلم الأخرى , وهى نور الله العظيم جاءت إلى الخلق لتخرجهم من الظلمات إلى النور , لتحى بها موات القلوب وظلام العقول من خلال مراحل التطور البشرى , والقرآن الكريم يدعم هذا الترابط العقدى ويبين وحدة الأخوة فى الدعوة بين أنبياءه جميعا بقوله تعالى :" شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبى إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب " سورة الشورى الأية 13 ـ

ومن هؤلاء الذين اتبعوا الرسالات السابقة , واستقبل نداء الحق فأشاعه ولم يخمده وأذاعه ولم يكتمه , وأعلنه ولم يخفيه فكان بذلك نموذجل للتغلب على الهوى والتجرد من العنصرية إنه الصحابى الجليل عبد الله بن سلام ونسبه هو ابن الحارث الإسرائيلى ثم الأنصارى حبر اليهود يُكنى أبا يوسف وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام كان حليفا للأنصار , ويقال كان حليفا للقوافله من بنى عوف بن الخزرج كان اسمه فى الجاهلية الحصين فلما أسلم سماه رسول الله صل الله عليه وسلم ـ عبد الله  وجزم بذلك الطبرى وابن سعد , وأخرجه يعقوب بن سفيان فى تاريخه , عن أبى اليمان
عن شعيب ، عن عبد العزيز قال: كان اسم عبد الله بن سلام الحصين، فسماه النبي صل الله عليه وسلم ـ عبد الله . أسلم عبد الله بن سلام أول ما قدم النبي صل الله عليه وسلم المدينة.

حال عبد الله بن سلام في الجاهلية :

كان عبد الله بن سلام حبرًا من أحبار اليهود الكبار في المدينة المنورة، وكان أهل المدينة على اختلاف مللهم ونحلهم يُجلُّونه ويعظِّمونه ، وقد اقتنع بالإسلام وأسلم ، ونزل فيه قول الله تعالى " وشهد شاهد من بنى إسرائيل " سورة الأحقاب الأية 10ـ وقوله تعالى :" قل كفى بالله بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب " سورة الرعد الأية 43ـ

قصة اسلام عبد الله بن سلام :

يروي عبد اللـه بن سلام قصة إسلامه فيقول: لمّا سمعت رسـول اللـه صل الله عليه وسلم ـ عرفت صفتَهُ واسمَهُ وزمانه وهيئته، والذي كنّا نتوكّف - نتوقع- له، فكنت مُسِرًّا لذلك صامتًا عليه حتى قدم رسـول اللـه المدينة، فلمّا قَدِمَ نزل بقباء في بني عمرو بن عوف، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه ، وأنا في رأس نخلة لي أعمل فيها ، وعمّتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة، فلمّا سمعتُ الخبر بقدوم رسـول اللـهصل الله عليه وسلم ـ كبّرت فقالت لي عمّتي حين سمعت تكبيري: " لو كنتَ سمعت بموسى بن عمران قادمًا ما زدت!؟ ", قُلتُ لها: " أيْ عمّة، هو واللـه أخـو موسـى بن عمران وعلى دينـه، بُعِـثَ بما بُعِثَ به" , فقالت لي: " أيْ ابن أخ، أهو النبي الذي كُنّا نُخبَرُ به أنه بُعث مع نَفَسِ السّاعة" , فقلت: " نعم" , قالت : فذاك إذًا .

فأتى النبي صل الله عليه وسلم فقال: " إنّي سائلك عن ثلاثٍ لا يعلمهُنَّ إلا نبي، فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما يَنْزعُ الولدُ إلى أبيه أو إلى أمه؟), قال صل الله عليه وسلم : "أخبرني بهن جبريل آنفًا ", قال: " جبريل؟ " , قال: "نعم"، قال: " وذاك عدو اليهود من الملائكة" , فقرأ هذه الآية, قوله تعالى: " قل من كان عدواً لجبريلَ فإنه نزله على قلبِكَ " البقرة: الآية ـ 97 "أمّا أول أشراط الساعة، فنار تحشُرُ النّاس من المشرق إلى المغرب، وأمّا أوّل طعام أهل الجنّة فزيادة كَبِد الحوتِ، وإذا سبقَ ماءُ الرجلِ ماءَ المرأةِ نزع الولد، وإذا سبق ماءُ المرأةِ نزعتْ", قال: " أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله "

فحين تبين له أحقية الحق وصدق الدعوة .. وأنه رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أعلن إسلامه بين يديه ناطقا بالشهادتين , ثم رجع إلى أهل بيته فأمرهم فأسلموا , وكتم إسلامه , ثم خرج إلى رسول الله صل الله عليه وسلم ـ فقال :" يا رسول الله " إن اليهود قد علمت أن سيدهم وابن سيدهم , أعلمهم وابن أعلمهم , وأنهم قوم بهت أى " كذب وافتراء " , وأنهم إن يعلموا بإسلامى قبل أن تسألهم عنى بهتونى , وقالوا فىَّ ماليس فىَّ , فأحب أن تدخلنى بعض بيوتك , فأدخله رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بعض بيوته , وأرسل إلى اليهود , فدخلوا عليه فقال :" يا معشر يهود يا ويلكم اتقوا الله , فو الله الذى لاإله إلا هو إنكم لتعلمون أنى رسول الله ؛ قد جئتكم بالحق فأسلموا , ..

.. فقالوا ما نعلمه فقال :" أى رجل فيكم الحصين بن سلام ؟ " قالوا : خيرنا وابن خيرنا , وسيدنا وابن سيدنا , وأعلمنا وابن أعلمنا " فقال :" أرأيتم إن أسلم " فقالوا أعاذه الله من ذلك , فقال :" ياابن سلام اخرج إليهم " فخرج فقالوا :" أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله , يا معشر يهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به , فو الله إنكم لتعلمون أنه لرسول الله حقا , تجدونه مكتوبا عندكم فى التوارة اسمه وصفته , فإنى أشهد أنه رسول الله ؛ وأومن به وأصدقه وأعرفه , قالوا كذبت أنت شرنا وابن شرنا وانتقصوه قال : هذا الذى كنت أخاف يا رسول الله .. وفى هذا تأكيد واقعى لقول الله تعالى :" الذين أتنياهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتون الحق وهم يعلمون " سورة البقرة الأية 146 ـ

عن أهم ملامح عبد الله بن سلام :

كان الحصين بن سلام معروفًا بين الناس بالتُّقَى والصلاح، موصوفًا بالاستقامة والصدق، وكان يحيا حياةً هادئةً وديعة، ولكنها كانت في الوقت نفسه جادةً نافعة، فقد قسم وقته أقسامًا ثلاثة؛ شطرًا للوعظ والعبادة، وشطرًا في بستان له يتعهد نخله بالتشذيب والتأبير، وشطرًا مع التوراة للتفقه في الدين ، هكذا وصفوه، وكان كلما قرأ التوراة وقف طويلاً عند الأخبار التي تبشر بظهور نبي في مكة، يتمم رسالات الأنبياء السابقين ، ويختمها.

أثر الرسول صل الله عليه وسلم ـ فى تربية عبد الله بن سلام :

كان الصحابي الجليل عبد الله بن سلام  رضى الله عنه ممن أسلم مبكرًا، فقد بدأت قصّته مع قدوم النّبي صل الله عليه وسلم ـ إلى المدينة، فلما سمِع بقدوم النّبي  صل الله عليه وسلم ـ إلى المدينة، وعَرَفَ أنّ الناس قد تجمّعوا لاستقباله انطلق معهم، وهو يحمل الثمر الذي كان يقطفه في أرضه، فلما نظر إليه عرف أنّ وجهه ليس بوجه كذّاب، ولنَدَع سيدنا عبد الله بن سلام رضى الله عنه يروي قصّة لقائه بالنّبي  صل الله عليه وسلم ـ كما في الحديث الذي رواه الترمذي

أنه لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صل الله عليه وسلم ـ المدينة انْجَفَلَ النَّاسُ قِبَلَهُ، وَقِيلَ:قد قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم ـ ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم ، قَدْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم ـ ، ثَلاثًا، فجِئْتُ في النَّاسِ لأَنْظرَ، فلمَّا تَبيَّنْتُ وجْههُ عرَفتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، فكان أوَّلُ شيْءٍ سمعْتُهُ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ"، فدنوت منه وشهدتُ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسول الله، فالتفتَ النبي صل الله عليه وسلم وقال: "ما اسمك؟" فقلتُ: الحصين بن سلام ، فقال صلالله عليه وسلم ـ : "بل عبد الله بن سلام"، قلت: نعم، عبد الله بن سلام، والذي بعثك بالحق ما أُحبُّ أنّ لي اسمًا آخر بعد اليوم.. الحديث.

مواقف من حياة عبد الله بن سلام مع الرسول صل الله عليه وسلم :

- يروي ابن سيرين ، عن قيس بن عباد ، قال: كنت في مسجد المدينة، فجاء رجل بوجهه أثر من خشوع، فقال القوم: هذا من أهل الجنة، فصلى ركعتين، فأوجز فيهم. فلما خرج، اتبعته حتى دخل منزله ، فدخلت معه، فحدثته; فلما استأنس، قلت: إنهم قالوا لما دخلت المسجد: كذا وكذا. قال: سبحان الله! ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم. وسأحدثك: إني رأيت رؤيا،

فقصصتها على النبى صل الله عليه وسلم :" رأيت كأني في روضة خضراء، وسطها عمود حديد، أسفله في الأرض، وأعلاه في السماء، في أعلاه عروة، فقيل لي: اصعد عليه. فصعدت حتى أخذت بالعروة، فقيل: استمسك بالعروة. فاستيقظت وإنها لفي يدي، فلما أصبحت، أتيت رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ، فقصصتها عليه، فقال: "أما الروضة، فروضة الإسلام، وأما العمود، فعمود الإسلام، وأما العروة; فهي العروة الوثقى; أنت على الإسلام حتى تموت ". قال: وهو عبد الله بن سلام , وعن سعد بن أبي وقّاص: أنّ النّبي صل الله عليه ـ أتِيَ بقصعةٍ فأكل منه، فَفَضَلتْ فضلة، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم : "يجيء رجل مِنْ هذا الفجِّ من أهل الجنّة يأكل معي هذه الفضلة"، فجاء عبد الله بن سلام فأكله.

مواقف من حياة عبد الله بن سلام :

نهى عبد الله بن سلام عليّ بن أبي طالب صل الله عليه وسلم ـ عن خروجه إلى العراق، وقال: " الْزَمْ مِنْبرَ رسول الله صل الله عليه وسلم ـ فإن تركته لا تراه أبدًا " ، فقال عليّ رضى الله عنه : " إنّه رجلٌ صالحٌ منّا ".

موقفه مع سلمان رضى الله عنهما :

يقول المغيرة بن عبد الرحمن رضى الله عنه : لقى سلمان الفارسي عبد الله بن سلام رضى الله عنهما : ، قال: إن مت قبلي فأخبرني ما تلقى، وإن مت قبلك أخبرك، قال: فمات سلمان الفارسي فرأه عبد الله بن سلام ، فقال: كيف أنت يا أبا عبد الله؟ قال: بخير، قال: أي الأعمال وجدت أفضل؟ قال: وجدت التوكل شيئًا عجيبًا.

بعض الأحاديث التى نقلها عن الرسول صل الله عليه وسلم :

روى محمد بن يحيى بن حبان عن عبد الله بن سلام أنه سمع رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يقول على المنبر في يوم الجمعة : "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوب مهنته" .
وعن محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سلام عن أبيه عن جده عبد الله بن سلام قال جاء رجل إلى النبي صل الله عليه وسلم ـ فقال: إن بني فلان أسلموا لقوم من اليهود وإنهم قد جاعوا فأخاف أن يرتدوا، فقال النبي صل الله عليه وسلم ـ : "من عنده", فقال رجل من اليهود: عندي كذا وكذا لشيء قد سماه أراه قال: ثلاث مائة دينار بسعر كذا وكذا من حائط بني فلان, فقال رسول الله صل الله عليه وسلم ـ : "بسعر كذا وكذا إلى أجل كذا وكذا وليس من حائط بني فلان".

من كلمات عبد الله بن سلام :

قال عبد الله بن سلام ينهى عن قتل عثمان : يا قوم لا تسلوا سيف الله فيكم ، فوالله إن سللتموه لا تغمدوه! ويلكم ! إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة ، فإن قتلتموه لا يقوم إلا بالسيف. ويلكم ! إن مدينتكم محفوفة بالملائكة فإن قتلتموه ليتركنها.

من مناقب عبد الله بن سلام :

عن معاذ بن جبل قال: سمعت النبي صل الله عليه وسلم يقول: "إن عبد الله بن سلام عاشر عشرة في الجنة".
وعن يزيد بن عَميرة السّكسَكي - وكان تلميذًا لمعاذ رضى الله عنه - أنّ مُعاذًا أمره أن يطلب العلم من أربعة: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن سلام ، وسلمان الفارسي, وعُويمر أبو الدرداء

- وأنه ممن يؤتون أجورهم مرتين فعبد الله بن سلام من الذين يؤتون أجرهم مرتين. لقوله صل الله عليه وسلم ": ثلاثة لهم أجران : رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صل الله عليه وسلم ، والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ، ورجل كانت عنده أمةٌ يطؤها فأدبـها فأحسن تأديبها وعلّمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها فتزوجها فله أجران" . أخرجه البخاري ومسلم.
وفيه - أي في عبد الله بن سلام- نـزل قوله تعالى ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بينى وبينكم ومن عنده علم الكتاب :" " سورة الرعد: الأية 43 ـ". فعلى رأي بعض المفسرين أن الذي عنده علم من الكتاب هو عبد الله بن سلام.

وفاة عبد الله بن سلام :

لقد عاش عبد الله بن سلام رضى الله عنه ـ بالإسلام ومع الإسلام , وقد جمع العلم كتابا وسنة من رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وعمل على نشره وأخذ عنه كثير من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ـ وقد امتدت الحياة بعبد الله بن سلام رضى الله عنه ـ حتى لقى ربه فى العام الثالث والأربعين من هجرة النبى صل الله عليه وسلم ـ وقد دفن بالبقيع رضى الله عنه وعن سائر أصحاب النبى صل الله عليه وسلم ـ أولئك الذين هدى الله فبهداهم إقتده " ـ موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم