دروس فى علوم الحديث بيان وارشاد عند ( رواية الحديث )

بيان وإرشاد عند رواية الحديث :

إنه من الواجب على كل من يريد رواية حديث أو كتابته , أن يقوم بالبحث والتنقيب فى كتب السنة والأخذ بالأصوب والأحوط , وأن يجمع بين الأحاديث إذا كان يكتب   فى موضوع واحد , إننا نسمع كثير من الخطباء وغيرهم ممن ينتسبون للعلم , بترديد أحاديث ضعيفة من غير أن يقوموا ببيان ضعفها , بل منهم من يقوم بروايتها بصيغة الجزم وذلك مثل قولهم قال : رسول الله صل الله عليه وسلم ـ كذا أو فعل كذا وحتى لانقع فى الإثم ولا نكون ممن يشملهم حديث الرسول صل الله عليه وسلم ـ من كذب على متعمداً فليتبوء مقعده من النار " ( 1)

يجب أن نرجع إلى كلام أهل العلم يقول فضيلة العلامة المحدث المصرى الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ـ إن الراوى إذا نقل حديثا ضعيفا أو حديثا لايعلم حاله صحيح أم ضعيف , فإنه يجب أن يذكره بصيغة التعريض كأن يقول : روى عنه كذا أو بلغنا كذا , وإذا تيقن ضعفه وجب عليه أن يبين أن الحديث ضعيف لئلا يغتر به القارئ أو السامع , ولا يجوز للناقل أن يذكره بصيغة الجزم لأنه يوهم غيره أن الحديث صحيح , (2)

, وهذا وقد ذهب كثير من أهل العلم منهم الإمام النووى والعلامة ابن حجر , والإمام أحمد وغيرهم إلى جواز رواية الحديث الضعيف من غير بيان ضعفه بشروط وهى : أولا : أن يكون الحديث فى القصص والمواعظ وفضائل الأعمال , وفى كافة أنواع الترغيب والترهيب , والرقاق والأدب , والتواريخ والمناقب , والمغازى ونحوها , ولايؤخذ به فيما يتعلق   بالعقائد ـ ولا بالأحكام فى الحلال والحرام , (3)

, وقد نقل الإمام النووى الإجماع على ذلك , وابن عبد البر , وغيرهما بل قال النووى باستحباب ذلك , والإستحباب من أحكام الشرع وجملة  أصول الدين " فلتأمل ؛؛  ثانيا : الا يكون الضعف غير شديد , فيخرج ما ينفرد به أحد الكذابين , أو فحش أو غلط "  وأن يندرج تحت عموم أصل كلى من الأحكام العامة  فيخرج عن ذلك ما ليس له أصل " , ثالثا : وألا يعتقد ثبوته عند العمل به بل يعتقد الإحتياط " وكذلك ألا يعارضه حديث صحيح , فيخرج ما وجد فى بابه ما يدفعه مما صح وثبت " وهو رأى العلامة ابن حجر والإمام السخاوى وغيرهما من أئمة هذا العلم   وهذا مما ينبغى التأكيد عليه والعمل به , وعدم مخالفته حتى لانقع
فى الإثم . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  ( 4)

منزلة أهل الحديث ومكانتهم :

أهل الحديث دعا لهم الرسول صل الله عليه وسلم _ بالرحمة كما فى الحديث عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال : سمعت على بن أبى طالب رضى الله عنه يقول : خرج علينا رسول الله صل الله عليه وسلم _ فقال :" اللهم ارحم خلفائى قلنا يارسول الله ومن خلفاؤك ؟ قال الذين يأتون من بعدى يروون أحاديثى ويعلمونها الناس "
فى هذا الحديث الشريف يوصى الرسول صل الله عليه وسلم _ أهل الحديث الذين يبلغون الناس ويعلمونهم أن يلتزموا الصدق فيما ينقلونه عن غيرهم , حتى لايضعوا أنفسهم يوم القيامة فى موضع المسائلة , وتكون لهم العقوبة والغضب من الله تعالى بما فرطوا فى أداء ما إئتمنهم الله عليه , من صحة المتن وهو لفظ الحديث من التحريف والتغير وكذلك سلامة الإسناد من الكذب على رسول الله صل الله عليه وسلم _ حتى لايضلوا غيرهم ممن أخذ عنهم من بعدهم . ( 5)

حفظ الأحاديث وروايتها :

ولقد حرص صل الله عليه وسلم _ على تبليغ المسلمين سنته الشريفة , وحبب ذلك لأصحابه رضوان الله عليهم , إلى حفظ الحديث وتبليغه .
ولقد أخذ المسلمون من معين السنة المطهرة , بما يكفل لهم السعادة و يصلح لهم دنياهم وأخراهم , لأن فى السنة الشريفة القول الفصل , والمثل الفاضلة , والآداب الرفيعة , فيما يتعلق بالعقيدة , والشريعة , والأخلاق , وما يتصل بجميع الآداب والأحوال , وترسم لهم الطريق السوى فى كل العلاقات وسائر المعاملات .
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون _ على حضور مجالس الرسول صل الله عليه وسلم _ إلى جانب ما كانوا يقومون به من السعى على المعاش , وإذا تعذر على بعضهم الحضور تناوب مع غيره , بالحضور كما كان يفعل عمر رضى الله عنه كما فى فتح البارى أن عمر رضى الله عنه قال : " كنت أنا وجار لى من الأنصار فى بنى أمية بن زيد , وهى من عوالى المدينة , وكنا نتناوب النزول على رسول الله صل الله عليه وسلم _ ينزل يوما : وأنزل يوما : فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم , من الوحى وغيره , وإذا نزل فعلَ مثلَ ذلك . ( 6)

ولما كان لايتسنى لكثير من المسلمين سماع الحديث من الرسول صل الله عليه وسلم _ لما يقومون به من أعمال , فإنهم كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من أقرانهم , وكانوا يشددون على ما يسمعونه منهم .
كما كانت القبائل البعيدة تبعث إلى النبى صل الله عليه وسلم _ من يتعلم أحكام الدين منه , ثم يعود إليهم , ليرشدوهم ويعلموهم .
وهكذا عاش الصحابة مع رسول الله صل الله عليه وسلم _ يشاهدون تصرفاته فى عبادته ومعاملاته , وإذا بدا لهم أمر من الأمور يحتاجون البيان فيه , رجعوا إليه يسألونه , فيُجبهم ويُفتيهم , كما كان صل الله عليه وسلم _ يعلم النساء أمور الدين , ويخصص وقتا يجلس لهن فيه .
وكانت أمهات المؤمنين زوجاته صل الله عليه وسلم _ على درجة سامية من العلم , لذا كان النساء يجدن عندهن الإجابة عن أمورهن , وأحوالهن التى يمنعهن الحياء من التصريح بها . (7 )

ولم يكن الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم يكتبون الأحاديث , إنما كانوا يؤدونها لفظا , ويأخذونها حفظا عملا بقول النبى صل الله عليه وسلم _ :" رحم الله أمرأ سمع مقالتى فوعاها ثم أداها , كما سمعها , فرب مبلغ أوعى من سامعٍ وفى رواية : " فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " .
وكان رسول الله صل الله عليه وسلم _ قد نهى عن كتابة الحديث أول الأمر , خشية أن يتلبس بالقرآن الكريم , فقد ورد من حديث أبى سعيد رضى الله عنه _ أن رسول الله صل الله عليه وسلم _ قال :" لاتكتبوا عنى , ومن كتب غير القرآن فليمحه , وحدثوا عنى ولا حرج , ومن كذب على _ قال همام : أحسبه قال : متعمداً _ فليتبوأ مقعده من النار " رواه مسلم .
وكانوا يعتمدون فى نقلهم الحديث أول الأمر على الذاكرة إعتماداً كبيراً , فقام الحفظ فيهم أول الأمر مقام التدوين , ولقد حرصوا على تلقى السنة الشريفة , وأودعوها حوافظهم القوية , وصدورهم الأمينة , مما جعلها محفوظة جنبا إلى جنب القرآن الكريم . (

الصحابة وكتابة السنة :

لما أحس رسول الله صل الله عليه وسلم _ من الصحابة , عدم اللبس والخلط بين القرآن والسنة , وبخاصة عندما تم نزول معظم الوحى , وحفظه الكثيرون , أذن لبعض الصحابة بكتابة السنة .
فقد كان عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه كاتبا مُجِيداً , لايلتبس عليه الحال وقد كتب صحيفة سميت ( الصادقة ) لأنه كتبها عن رسول الله صل الله عليه وسلم _ مباشرة , ويقول هو عنها لمجاهد رحمه الله تعالى _
وهذه الصادقة فيها ما سمعته عن رسول الله صل الله عليه وسلم _ وليس بينى وبينه أحد " ويقال : أنها تضم ألف حديث , كما جاء فى كتاب " أُسد الغابة " وقد أخرجها الإمام أحمد فى مسنده
وكان لسعد بن عبادة رضى الله عنه _ صحيفة , وكان لجابر الأنصارى صحيفة , ولأنس بن مالك صحيفة , ولهمام بن منبه صحيفة , وكان لسمرة بن جُنُدُب صحيفة
وكان عبد الله بن عباس معروفا بطلب العلم , وبعد وفاة النبى صل الله عليه وسلم _
كان يسال الصحابة ويكتب عنهم رضوان الله عنهم أجمعين .
وكانت هذه الصحف تحتوى على العدد الأكبر , من الأحاديث التى دونت فيما بعد .
( 9)

المسلمون وتدوين السنة :

تدوين السنة فى عصر بنى أمية :

حين تولى الخلافة الإمام العادل : " عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه " أراد أن يجمع السنة ويدونها مخافة أن يضيع منها شئ , فكتب إلى بعض علماء الأمصار يأمرهم أن يجمعوا الأحاديث .
كما كتب إلى أبى بكر محمد بم عمرو بن حزم سنة 117 ـ هجرية , يأمره أن يكتب الحديث وأسلوبُ التدوين فى هذا العصر , أنه كان مجموعات تَجمعُ بين بين الحديث والفقه والنحو ولذا لم تكن كتبا جامعة مُبَوَّبَة , ومُرَتَّبةً للسنة . ( 10)

وأما عن تدوين السنة فى العصر العباسى :

فقد حث الخليفة أبو جعفر المنصور العلماء على جمع الحديث والفقه , فَهبَّ العلماء إلى تهذيب ما كتب فى الصحف , وتدوين ما حفظ فى الصدور , وَرَتَّبُوه وبَوَّبُوهُ , وصنفوه كتبا , كما فعل الإمام مالك بن أنس _ رحمه الله تعالى : فى كتابه "الموطأ" الذى جمع الأحاديث والتشريع .
ولكن بعد المائتين أخذت طريقة التدوين صورة أخرى , إذ انفرد الحديث بالتدوين بعد أن كان يكتب مع غيره . ( 11)

ومن أشهر ما كتب فى السنة :

بينا أن الأحاديث النبوية قد حفظت منذ صُدُورِهَا من الرسول صل الله عليه وسلم _
إلى أن تلقتها الصدور الواعية , والصحف الأمينة , وتناقلتها جيلا بعد جيل , إلى أن تسلمها منهم من دونوها , وهذا التدوين مر بمراحل كما أوضحنا .
ومن أشهر الكتب فى هذا التدوين المجاميع :
مثل " الموطأ" للإمام مالك بن أنس رضى الله عنه _ وكان المنهج فى التدوين لهذه المجاميع , يعتمد على جمع الأحاديث خدمة للتشريع , وكانت تضم إلى جانب الأحاديث , أقوال الصحابة وفتاواهم , وأقوال التابعين وفتاواهم , مجموعة كلها حول موضوعات : فى الطهارة , والصلاة , والصيام , والحج , والزكاة ... إلى غير ذلك
                                                                    ( 12)

ثم كان بعد ذلك المسانيد :

وممن كتب فى هذا الصدد إمام أهل السنة " أحمد بن حنبل رضى الله عنه " و طريقة الجمع فى هذه المسانيد , هى تخليص الأحاديث من أقوال الصحابة والتابعين , والإعتماد فقط على الصحابى المروى عنه , من غير تقيد بِوَحْدَةِ الموضوع , فجمعوا كل ماروى عن أبى هريرة رضى الله عنه " تحت عنوان " مُسنَدُ أبى هريرة " رضى الله عنه وكل ما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما كذلك تحت عنوان " مسند عبد الله بن عمر " ( 13)

ثم كانت أخيراً كتب الصحاح :  

وهذه الكتب تعتمد فى تبويبها للأحاديث , على ترتيب الموضوعات , على حدة على أن يكون كل باب له مادته العلمية , مثل : الإيمان , والعلم , والطهارة ... إلخ
ومن أبرز ما كتب فى ذلك الكتب " الستة " :
1ـ صحيح البخارى 2ـ صحيح مسلم 3ـ سنن أبى داود 4ـ سنن الترمذى 5ـ سنن النسائى 6ـ سنن ابن ماجة .
ويعد صحيح البخارى , وصحيح مسلم , من أصح الكتب الستة , ويطلق على صاحبيهما اسم " الشيخان "
فإذا ذكر الحديث وقالوا : رواه الشيخان أ و أخرجه الشيخان , أو متفق عليه فالمقصود بذلك أن هذا الحديث مما روى فى الصحيحين البخارى ومسلم .
وإذا قيل : رواه الأربعة , أو اخرجه الأربعة , فالمقصود أنه رواه أصحاب السنن " أبو داود , والترمذى , والنسائى , وابن ماجة رحمهم الله تعالى .
وإذا قيل رواه الستة أو أخرجه الستة فهؤلاء جميعا البخارى ومسلم وأصحاب السنن الأربعة . "   وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم   ( 14)

" يتبع الحديث "

الحديث الموضوع :

_  وهو الحديث : المكذوب على رسول الله صل الله عليه وسلم " ويسمى الحديث المختلق والساقط متنا وسنداً وتحرم روايته قولا واحدا ونشره بين الناس إلا من أجل التحذير منه " ويقول النبى صل الله عليه وسلم " كذب على ليس ككذب على أحد , ومن كذب على متعمدا فليتبؤ مقعده من النار " والحديث الموضوع  فى مجمله يتنافى مع أبهة النبوة والذوق العام لصاحب الرسالة صل الله عليه وسلم ولا يتناسب أبدا مع بلاغة من أوتى جوامع الكلم " وعندنا من الأحاديث الصحيحة ما يغنينا عن مثل هذه المرويات الساقطة أسلوبا ومعنى وقد قال الله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا " سورة المائدة وفى الحديث عن النبى صل الله عليه وسلم " ما تركت من شئ يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به , وما من شئ يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به رواه الطبرانى وفى رواية تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لايزيغ عنها بعدى إلا هالك " وصل الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه وسلم  ( 15)

الفرق بين القرآن والحديث القدسي والنبوي :

1ـ القرآن الكريم لفظا ومعني من الله تعالى , والحديث القدسي معناه من عند الله تعالى ولفظه عن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ والحديث النبوي لفظا ومعنى عن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ
2ـ القرآن الكريم موحى بلفظه ومعناه وترتيبه , ومنقول إلينا بالتواتر , ومتحد بلفظه ومعناه ومتعبد بتلاوته , ويحرم على الجنب , ونحو ذلك قراءته , والجملة منه تسمي سورة , ولا تجوز روايته بالمعني , وهو بجميع آياته وسوره نزل به الروح الأمين , على قلب خاتم النبيين , صل الله عليه وسلم ـ والحديث القدسي والنبوي ليس كذلك
3 ـ والقرآن الكريم يُصلى به المسلم أما الحديث القدسي والنبوي ليس كذلك
4ـ والقرآن الكريم قد تكفل الله تعالى بحفظه من التحريف والتبديل والتغير , وأما الحديث القدسي غير ذلك وعندما سئل الإمام عبد الله بن المبارك رضي الله عنه ـ عن الأحاديث الموضوعة التي دُست واختلطت بالصحيح والضعيف قال :" تعيش لها الجهابذة من أهل العلم وقرأ قول الله تعالى :" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " سورة الحجر الآية 9ـ . ـ موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم