المس الشيطانى للإنسان بين ( الوهم والحقيقة ) _ للشيخ سامى محمود ـ

المس الشيطانى بين الوهم والحقيقة :

بين شياطين الإنس والجن :

بينت لنا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية حدود العلاقة بين الإنسان والشيطان
وأنها لاتخرج عن كونها وسوسة مجردة , أو تزين للمعاصى والمنكرات وهذا لايضر بالإنسان ما لم يعمل به وقد وصف الله تعالى كيد الشيطان بأنه ضعيف
قال تعالى :" الذين أمنوا يقاتلون فى سبيل الله والذين كفروا يقاتلون فى سبيل
الطاغوت فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا " سورة النساء
الآية 76_ وفى مسند الإمام أحمد عن أبى ذر رضى الله عنه قال : قال رسول الله صل الله عليه وسلم _ يا أبا ذر تعوذ بالله تعالى من شياطين الإنس والجن قلت : يارسول الله , أو للإنس شيطان ؟ قال نعم " فهذا الحديث يدلنا أن الشر والإفساد متبادل بين شيطانى الجن والإنس , وربما كان الشر الوارد من شيطان الإنس , إلى عالم الجن أعظم من الشر والإفساد أالواردين من شيطان الجن ابليس إلى عالم الإنس كما يقول الشاعر :
وكان فتى من جند إبليس
فارتقى به الحال
حتى أصبح إبليس من جنده ( 1)

خطورة شيطان الإنس :

وقال تعالى :" وأتل عليهم نبأ الذى أتيناه أياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين " سورة الأعراف أى فأصبح هو رأسا للشيطان وإماما له فيما يفعل أو يترك
وهذا يفسر لنا أن إبليس وحده هو وجميع جنوده , من شياطين الجن لايمكنهم أن يشنوا حربا بجيش على فئة قليلة من المؤمنين , فيقتلون منهم إلا من خلال صوت الشيطان البشرى فى عالم الإنس , وكذلك تأثير الشيطان الإنسى وافساده خطير فى عالم الجن وذلك من خلال تأثيره عليه فى العقيدة والفكر والسلوك , كما دل على ذلك الآيات القرآنية , وليس العكس لأن الله تعالى كما أرسل رسلا من البشر للإنسان عامة وللجن خاصة ولا يجوز العكس , فالجن تابع للإنسان فى الهدى والضلال
وبين القرآن على لسان الجن أن منهم اليهود الذين أمنوا بالتوراة التى نزلت على موسى عليه السلام _ ومنهم الذين أسلموا بإتباع الرسول صل الله عليه وسلم _ لما سمعوا القرآن الكريم كما جاء فى وقد كانوا على دين التثليث ( النصرانية ) (2)

كرم الله تعالى الإنسان ولكنه أبى :

يقول تعالى :" قل أوحى إلى أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا
يهدى إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحد وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا " سورة الجن الآية 1ـ 5ـ وانظر إلى قولهم لما سمعوا القرآن الكريم
وهم يسلموا لله بالوحدانية وأنه سبحانه لم يتخذ صاحبة ولا ولدا , لتعلم أنهم كانوا نصارى أو فيهم نصارى وقولهم أيضا كما حكى القرآن عنهم :" وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا " انظر كيف قدموا الإنس على الجن فى القول
على الله الكذب ليتأكد لنا من ذلك أن الجن تبع للإنس فيأخذون عنهم العقائد والهدى أو الضلال ومن الجن من يعتقد اليهودية وأسلم منهم من أسلم كما فى قوله تعالى :"
وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما
بين يديه يهدى للحق وإلى طريق مستقيم " سورة الأحقاف الآية 29ـ 30ـ ( 3)

الإنسان هو مصدر الخير والشر :

فالإنس هم موردو عقائد الهدى إلى الجن , وهم أيضا موردو عقائد الضلال
وهذا مما يدل لنا على تكريم الله تعالى للإنسان واختياره للخلافة ومن هنا نعلم
ان عقائد الضلال وما ينسب إلى الله تعالى من الشرك إنما هو نتاج الفكر الإنسانى
يتناقله عنه الفكر الجنى , وأما تأثير الجن على الإنسان فهو يدور فى اطار محور اختفاء الجن عن أعين الإنس قال تعالى :" إنه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم
إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لايؤمنون " سوة الأعراف الآية 27ـ
فالشيطان هو وذريته وجنسه يرى من الإنس مالايراه الإنس منه , ولذلك فهو يضلهم
بالتأثير على مخيلتهم , إذ يتمكن الجن من التغلل فى الأجهزة السمعية والبصرية والعصبية للإنسان فى المنام بأضغاث الأحلام , وفى اليقظة بالسحر حتى استطاعوا أن يجعلوا آلاف الناس يخيل إليهم من سحرهم , أن الحبال والعصى تسعى كأنها حيات وثعابين , فالشيطان هو الوجه الباطنى الخبيث فى عالم الإنس وعن طريقه يتعلم الإنسان السحر والكهانة , (4)

معنى الطاغوت وحقيقته :

وتعلم الكثير من كفرة الإنس وسائل وأساليب
وأدوات الإتصال بالجن والشيطان واستخدامهم والإستعانة بهم والإستفادة منهم قال تعالى :" وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادهم رهقا " سورة الجن
هذا هو عمل الشيطان الجنى الطاغوتى , وما يصدره إلى عالم الإنس من خلال أيضا الإنسان الطاغوتى أيضا قال تعالى :" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت " سورة النساء الآية 51ـ
وقد جاء فى التفسير ما رواه السيوطى فى الدر المنثور " عن ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه _ قال : الجبت الساحر والطاغوت الشيطان " فالطاغوت اسم يجمع بين شيطان الجن والإنس وأما الجبت فهو الإنسان الذى يتوصل إلى الجن وشياطين الإنس , وتسخيرهما لبعضهم البعض بالسحر وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم " عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما : قال : الجبت الأصنام , والطاغوت هو ما يكون بين يدى الأصنام "
ومن المؤكد ان لكل صنم شيطان جنى يتعامل بالسحر مع شيطان إنسى وهو السادن
وكلاهما معا طاغوت " ( 5)

معنى الطاغوت :

وأخرج بن حميد عن عكرمة رضى الله عنه قال : الجبت الشيطان بلسان الحبشة والطاغوت الكاهن " والكاهن هو من يتعامل مع شيطان جنى
يمده بالغيبيات " واخرج عبد الرازق وغيره عن قبيصة بن مخارق أنه سمع النبى صل الله عليه وسلم _ يقول : أن العيافة والطرق , والطيرة من الجبت " وهذا يدل على أن للجبت أعمال مضلة فى عالم البشر كلها تقوم على محور واحد ألا وهو استخدام الجن بالسحر وغير ذلك من وسائل من أجل الإفساد فى حياة الناس .
ومن ذلك نعلم أن أعمال الكهان والسحرة والعرافيين والمنجمين والسدنة ما هو
إلا وجه للطاغوت والجبت , إن الطاغوت هو الذى حذر منه كل رسول أمته أن يعبدوها من دون الله تبارك وتعالى , قال تعالى :" والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد " سورة الزمر الآية 18ـ
وقال تعالى :" فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى
لا انفصام لها والله سميع عليم " سورة البقرة 256ـ فالطاغوت هو كل ما عبد من دون الله تعالى سواء فى العقائد أو فى الفكر والسلوك " والكفر بالطاغوت من أهم مقتضيات التوحيد بمعنى أنه لايتحقق العبد بشهادة : أن لا إله إلا الله , إلا إذا كفر بكل ما يعبد من دون الله تعالى وما نهت عنه الشرائع السماوية على لسان النبى الأعظم صل الله عليه وسلم _ وهذا من أمور العقيدة وهو ما صرح به القرآن ودل الدليل عليه من غير إحتمال وأصبح معلوما من الدين بالضرورة ( 6)

المس بين الحقيقة والعلاج :

بينا أن عدواة إبليس وذريته لآدم وأبنائه لاتخرج عن الوساوس والخداع كما قال الله تعالى :" واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم
فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا " سورة الإسراء الآية 64ـ ولا يملك الشيطان على الإنسان إلا الإستغفال كما حكى القرآن قال تعالى :" وما كان لى عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لى فلا تلومونى ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخى إنى كفرت بما أشركتمون من قبل " سورة إبراهيم
الآية 22ـ وقال تعالى :" ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان عليهم من سلطان " 20ـ 21ـ فالشيطان لايملك أن يمنع طائعا من طاعته
ولايقهر أحد على المعصية , ولا يملك إلا الإحتيال والمخادعة , والقرآن الكريم
يخبرنا عن الشيطان الأكبر إبليس عدو آدم وبنيه , وبين عن الجن أنهم يأكلون ويشربون وينسلون ويكلفون , وأن فيهم المؤمن والكافر والتقى والفاجر , وأنهم أشد منا قوة لأنهم يروننا ولا نراهم , ومع ذلك فإن رجالا من البشر استطاعوا تسخير الجن كسيدنا سليمان عليه السلام _ كما وصفه القرآن " ومن الجن من يعمل بين يديه
بإذن ربه ومن يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات " سورة سبأ الآية 12ـ 13ـ
(7)

الصرع معناه وأسبابه :

ورد فى كتاب فتاوى معاصرة لفضيلة الإمام الأكبر ـ جاد الحق على جاد الحق رحمه الله سؤال عن هذا الموضوع يحمل فى طياته , خمس أحاديث نبوية من أجل الإستفسار عن صحتها وموقعها فى العمل بها , ونصها كما يلى :
1_ من حديث أبى هريرة رضى الله عنه ـ عن النبى صل الله عليه وسلم قال : " ما من مولود يولد إلا نخسه الشيطان فيستهل صارخا من نَخسةِ الشيطان إلا ابن مريم وأمه " قال أبو هريرة : اقرءوا ـ إن شئتم " وإنى أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " من الآية 36_ والحديث رواه البخارى ومسلم وأبو داود
2_ عن جابر رضى الله عنه _ قال : قال ـ صل الله عليه وسلم : " إذا جنح الليل فكفوا صبيانكم , فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهب من الليل ساعة فخلوهم , وأغلقوا الأبواب وإذكروا اسم الله , فإن الشيطان لايفتح بابا مغلقا " والحديث رواه أحمد والنسائى وأبو داود والبيهقى (

وفى رواية فى صحيح مسلم _ بشرح النووى , حدثنى اسحاق ابن منصور , اخبرنا روح بن عبادة , حدثنا ابن جريج أخبرنى عطاء أنه سمع جابر بن عبد الله رضى الله عنه يقول : قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" إذا كان جنح الليل , أو أمسيتم , فكفوا صبيانكم , فإن الشيطان ينتشر حينئذ , فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم , وأغلقوا الأبواب , واذكروا اسم الله , فإن الشيطان لايفتح بابا مغلقا , وأوْكوا قربكم
واذكروا اسم الله , وخمَّروا أنيتكم واذكروا اسم ولو ان تعرضوا عليها شيئا وأطفئوا مصابيحكم "
3_ قال صل الله عليه وسلم :" فناء أمتى بالطعن , والطعون , وخز أعدائكم من الجن , وفى كل شهادة " رواه الإمام أحمد فى مسنده والحديث صحيح
4_ وأخرج ابن أبى الدنيا وأبو يعلى والبيهقى من حديث أنس رضى الله عنه أنه صل الله عليه وسلم قال :" إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم , فإذا ذكر الله خنس , وإذا نسى التقم قلبه " أى نشب فيه بالوسوسة وحدثه بالأفكار الرديئة
وقال الحافظ العراقى فى تخريجه أحاديث الإحياء , إن الحديث أخرجه ابن أبى الدنيا " فى كتاب مكائد الشيطان " وأبو يعلى الموصلى وابن عدى فى الكامل وضعفه
ونقول قد يحتج بالحديث فى فضل الذكر وثوابه . (9)

5_ عن أم أبان بنت الوازع و عن أبيها , عن جدها قالت : انطلق جدى إلى النبى صل الله عليه وسلم ـ بابن له , أو ابن أخت له , فقال : يارسول الله , إن هذا مجنون
أتيتك به لتدعوا الله له ؛ قال : قَرِبهُ منى , واجعل ظهره لى , قال : ففعل , فأخذ النبى صل الله عليه وسلم _ بمجامع ثوبه من أعلاه إلى أسفله فجعل يضرب ظهره ويقول :
اخرج عدو الله , فصار المريض ينظر نظرة الصحيح لا نظره الأول , ثم حول وجهه نحوه , ودعا بماء فمسح به وجهه , ودعا له , قال جدى : فلم يكن فى الوفد بعد هذا أفضل ولا أحسن منه " رواه الإمام أحمد
وبعد سرد هذه الأحاديث الخمسة قال السائل إن جماعة عندنا يعتبرون أن من ينكر دخول الجن الإنس ليصرعه هو فاسق , يؤدى ذلك إلى تكفيره نظرا للأحاديث التى يستدلون بها , ويقول السائل وقد عمت البلوى بهذه الظاهرة , ونريد حكم الشرع
وكلمة الحق " انتهى بختصار وتصريف يسير كتاب فتاوى اسلاميه هديه مجلة الأزهر عدد رجب 1412ـ من السنة الهجرية (10)

يقول فضيلته بعد ما ذكر لنا بحثاً مفيداً فى فن الحديث وأقسامه يجب الرجوع إليه , قال ومن ثم فإن تلك الأحاديث الخمسه التى وردت بالسؤال ظنية الثبوت بإعتبارها من أخبار الأحاد فضلا عما قيل فى رواة بعضها , على ما سبق ـ وأن دلالتها فى ذات الوقت دلالة ظنية , بمعنى أن ظنى الدلالة ما احتمل أكثر من معنى , إما لتنوع أساليب اللغة , أو اشترك بعض ألفاظها فى إفادة أكثر من معنى .
وما كان ظنى الدلالة بإحتماله عدة معان لم يكن مفيداً القطع بأحدهما , ويكون ترجيح أحدهما بقرينة من القرائن المفيدة باجتهاد ممن هو أهل للنظر والإستنباط دون تعصب أو جحود . ومع هذا : فإن الأحاديث الأربعة الأُوَلَ من تلك الخمسة الواردة بالسؤال لا تفيد قطعا دخول الجن جسد الإنس , لأن الألفاظ الواردة فيها مثل النخس والوخز , وكف الصبيان ووضع خطم الشيطان وخنسه , لا تدل بذاتها قطعا على دخول الجن الإنس إذ كل لفظ من هذه يحتمل أكثر من معنى " ( 11)

ثم ينتقل بعد ذلك لبيان معنى هذه المفردات فيقول رحمه الله : وفى لغة العرب :
نخسه : إذا طعنه فهاج , ووخزه : طعنه , طعنة , غير نافذة برمح أو إبرة , وكف الصبيان ومنعهم من الخروج إذا جنح الليل لايفيد دخول الجن فيهم , والخَطْم : مقدم الأنف والفم , ووضعه على القلب يفيد معنى الوسوسة , ومعنى خنس الشيطان انزواؤه وانقباضه عن الوسوسة , وأما لحديث الخامس : ( حديث أم أبان ) وهو الذى رواه الإمام أحمد منفردا بروايته ـ فهو مقبول كما قال السيوطى فى التنبيه على درجات الحديث وكتبه :" كل مافى مسند أحمد فهو مقبول , فإن الضعيف فيه يقرب من الحسن " فيحتمل ظاهر قول النبى صل الله عليه وسلم ـ للشيطان " اخرج عدو الله , أن الشيطان كان داخلا , كما يحتمل ما يلزم من مسه , وهو الوسوسة وقد بينا ذلك فى أول بحثنا هذا حدود علاقة الشيطان بالإنسان , ويقول فضيلته : وأما ضرب النبى صل الله عليه وسلم ـ للمجنون فقد يكون خاصا به ـ صلى الله عليه وسلم ـ
لأنه علم أن بالمريض مساً من الشيطان بما أطلعه الله تعالى وهو , وهو صل الله عليه وسلم ـ لايضرب الضرب المفضى إلى الضرر الشديد , أو الهلاك , وأيضا فإن الضرب للمصروع غير متعين كعلاج وحيد , ( 12)

وقال : ولم يقتصر رسول الله صل الله عليه وسلم ـ على الضرب , وإنما مسح بيده الشريفة وجه المريض بالماء ودعا له " بدليل أن الرسول صل الله عليه وسلم لم يضرب كل مصروع وفى ذلك روى الإمام أحمد حادثة أخرى عن يعلى بن مرة قال : خرجت مع النبى صل الله عليه وسلم ـ فى سفر فلما كنا الطريق مررنا بامرأة , ومعها صبى لها , فقالت : يارسول الله , هذا صبى أصابه بلاء , وأصابنا منه بلاء
فإنه يصرع فى اليوم أكثر من مرة , قال ناولينيه : فأعطته له , ففتح فمع فنفث فيه
ثلاثا , وقال : بسم الله , أنا عبد الله , أخساء عدو الله , وفى بعض الروايات : أخرج عدو الله , أنا رسول الله , ثم أعطاه للمرأة وقال لها : تنتظرينا هنا , ونحن راجعون
فتخبرينا بما فعل , قال يعلى : فذهبنا ثم عدنا إلى المكان , فوجدناها ومعها ثلاث شياه
فقال : رسول الله صل الله عليه وسلم ـ ما فعل صبيك , قالت : والذى بعثك بالحق ما رأينا منه شيئا إلى هذه الساعة , وخذ من هذه الشياه , فقال : رسول الله صل الله عليه وسلم ـ انزل فخذ واحدة ورد لها البقية . ( 13) مرجع سابق

والمطلوب أن نعتقد ونؤمن بأن الله تعالى خلق الجان من مارج من نار إلى أن قال :
ونعتقد ونؤمن كذلك بأن القرآن الكريم صرح بمس الشيطان للإنسان قال تعالى فى سورة البقرة الآية 275ـ " الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس " قال فى لسان العرب تخبطه الشيطان مَسَّهُ بخبل أو جنون , وتسمى إصابة الشيطان خبطة , والمس الجنون , ويقال مس الرجل فهو ممسوس وبه مس وأصله من المس باليد , كأن الشيطان يمس الإنسان ليحصل له الجنون
قال : الراغب : وكنى بالمس عن الجنون فى قوله " يتخبطه الشيطان من المس "
والمس يقال فى كل ما ينال الإنسان من أذى .
وأما عن دخول الجن الإنس ـ بمعنى الولوج داخل جسد الإنسان وأمتزاجهما جسدا واحداً فلم يدل عليه ـ فيما نعلم دليل قطعى الثبوت قطعى الدلالة , ومن ثم فلا يكون هذا من العقائد والغيبيات التى يُكَفَّر أو يُفَسَّق جاحدها , بإعتبار أن الأدلة السابقة " تلك الأحاديث الخمسة " لا تفيد ـ قطعا دخول الجن الإنس ـ كما لم تثبت قطعا بإعتبارها من أخبار الأحاد وثبوت العقائد والغيبيات بها محل خلاف كما سبق بيانه
  مرجع سابق بتصريف يسير واختصار ( 14)

وفى رواية ابن عباس رضى اللله عنهما " أن امرأة جاءت بولدها إلى رسول الله صل الله عليه وسلم _ فقالت : يارسول الله , إن به لمساً ( جنونا ) وأنه يأخذه عند طعامنا , قال : فمسح رسول الله صل الله عليه وسلم ـ صدره ودعا له فتع تعة وفى رواية أخرى " فثع ثعة " أى سعل , فخرج من فِيه مثل الجرو الأسود فشفى "
قال فى الفتح الربانى والظاهر أنه خرج من فيه دم متجمد أسود والله أعلم
رواه الإمام أحمد وفى اسناده فرقد بن يعقوب السبخى , اختلف فيه وتكلم فيه غير واحد من رجال الحديث منهم البخارى وقال أحمد رجل صالح ووثقه ابن معين
ومما سلف يتضح أن دخول الجن الإنس أمر محتمل ولا يمكن الجزم به وعدم دخول الجنى بمعنى الولوج داخل جسد الإنس ـ أمر وارد بعد انتفاء القطع بالمعنى الأول ذلك لأننا نرى الشيطان ولا يرانا قال تعالى :" إنه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم " سورة الأعراف الآية ( 48) وقد ذكر عن ابن حزم رحمه الله تعالى :
فى كتابه الفصل فى الملل والأهواء والنحل " وهم يروننا ولا نراهم قال الله تعالى :
إنه يراكم هو وقبيله من حيث لاترونهم " فصح أن الجن قبيل إبليس قال الله عز وجل :" إلا إبليس كان من الجن " سورة الكهف الآية 50_ ( 15) مرجع سابق

وإذ أخبرنا الله عز وجل أننا لانراهم , فمن ادعى أنه يراهم , أو رأهم فهو كاذب إلا أن يكون من الأنبياء عليهم السلام ـ فذلك معجزة لهم كما نص رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أنه تفلت عليه الشيطان يقطع عليه صلاته , قال : فأخذته فذكرت دعوة أخى سليمان , ولولا ذلك لأصبح موثقا يراه أهل المدينة " اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان أو كما قال عليه الصلاة والسلام وكذلك رواية هذا الخبر عن أبى هريرة رضى الله عنه تفيد أن رؤية الرسول صل الله عليه وسلم ـ للجنى وإمساكه به معجزة لرسول الله صل الله عليه وسلم ـ ولا سبيل إلى وجود خبر يصح برؤية جنى بعد موت الرسول صل الله عليه وسلم ـ وإنما هى منقطعات , أو عمن لا خير فيه "
انتهى من كلام ابن حزم رحمه الله تعالى .
وأما الآية الكريمة قال تعالى :" لايقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس " سورة البقرة فجمهور المفسرين على أن ذلك يوم الجزاء , وسبب هذا التفسير أن أحداً لم ير أكلة الربا مصروعين , فى الشوارع توشك أن تدسهم الأقدام
ومن ثم جعلوا ذلك عندما يلقون الله تعالى , فيحاسبهم على جشعهم وظلمهم وقد نقل فضيلة العلامة رشيد رضا عن الإمام البيضاوى فى هذا التشبيه , أنه وارد على ما يزعمون من أن الشيطان يخبط الإنسان , فيصرع والخبط ضربٌ على غير اتساق
كخبط عشواء " ( 16)

ويقول صاحب تفسير المنار فالآية على هذا لا تثبت , أن الصرع المعروف يحصل بفعل الشيطان حقيقة ولا تنفى ذلك وفى , المسألة خلاف بين المعتزلة وبعض أهل السنة أن يكون
للشيطان فى الإنسان , غير ما يعبر عنه بالوسوسة , وقال بعضهم
إن الصرع سبب من مس الشيطان كما هو ظاهر , التشبيه وإن لم يكن نصا فيه يقول الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى وأما الصرع فإن الله تعالى قال فيه وذكر الآية السابقة ثم قال : فذكر عز وجل تأثير الشيطان فى المصروع , إنما هو بالمماسة , فلا يجوز لأحد أن يزيد على ذلك شيئا , ومن زاد على ذلك شيئا , فقد قال ما لا علم له به
وهذا حرام لايحل قال تعالى :" ولا تقف ما ليس لك به علم " سورة الإسراء آية 36ـ
وهذه الأمور لايمكن أن تعرف البتة إلا بخبر صحيح , عنه صل عليه وسلم _ ولا خبر عن عليه الصلاة والسلام بغير ما ذكرنا , فصح أن الشيطان يمس الإنسان
الذى يسلطه الله عليه مسا , كما جاء فى القرآن يثير به من طبائعه السوداء , والأبخرة المتصاعدة إلى الدماغ , كما يخبر به عن نفسه كل مصروع , بلا خلاف منهم فيحدث له الصرع والتخبط حينئذ كما نشاهد , وهذا هو نص القرآن وما توجبه المشاهدة , وما زاد على هذا فخرفات من توليد العزامين والكذابين وبالله تعالى نتأيد
انتهى من كلام ابن حزم رحمه الله " ( 17)

يقول : فضيلة العلامة الشيخ محمد الغزالى رحمه الله _ وأما حديث أن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم فإن القصة التى ورد فيها , تشرح المراد منه ؛ قالت صفية رضى الله عنها زوجة النبى صل الله عليه وسلم _ كان رسول الله صل الله عليه وسلم _ معتكفا , فاتيته أزوره ليلا , فحدثته ثم قمت إلى بيتى فقام النبى صل الله عليه وسلم _ يمشى معى مودعا _ وكان مسكنها فى دار أسامة ابن زيد رضى الله عنه , فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبى صل الله عليه وسلم _ أسرعا ؛ فقال :
لهما : على رسلكما _ أى تمهلا إنها صفية بنت حيى قالا : سبحان الله يارسول الله
: قال : " إن الشيطان يجرى من الإنسان مجرى الدم , فخشيت أن يقذف فى قلوبكما شيئا أو قال شراً " (18)

وظاهر الحديث أن الرسول صل الله عليه وسلم _ يريد منع الوسوسة التى قد يلقيها الشيطان عندما يرى , مثل هذا المنظر , ومع أن الصحابيين أنكرا واستعظما أن يجرى فى نفسهما شئ من ظنون السوء , بالنسبة للمعصوم عليه الصلاة والسلام , وهذا من أجل منع الوسوسه " انتهى ولا صلة للحديث بولوج الشيطان داخل جسم الإنسان " ويقول الشيخ جاد الحق من مصدر سابق : ونميل إلى أن المس بمثابة تسلطه من الجن على الإنس , كما يحدث فى التنويم المغناطيسى
الشائع ؛ إذ المشاهد على المُنَّوم مغناطيسيا أنه يتبع المتسلط عليه فى أقواله ولغته وربما فى صوته , ومن ثم فما يحدث للمصروع ليس أثراً , لتداخل جسمين جنى وانسى وامتزاجهما جسداً واحداً , أو نحوه وإنما نتيجة التسلط كما يحدث فى التنويم المغناطيسى . انتهى ( 19)

وللصرع كما هو مشاهد أسباب متعددة , منها النفسى , ومنها العضوى , ومنها اللمس , وتغير صوت المصروع ولونه , يرجع إلى ما تقدم , أو إلى انفصام فى شخصيته كما يقول الأطباء وننقل عن صاحب المنار عند تفسير قوله تعالى لايقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان " من سورة البقرة ص 80_ وقد ثبت عند أطباء هذا العصر أن الصرع من الأمراض العصبية التى , تعالج كأمثالها بالعقاقير وغيرها من طرق العلاج الحديثة , وقد يعاج بعضها بالأوهام ..الخ
ولا يجوز ضرب المصروع خشية أن يؤدى ذلك الضرب , إلى الهلاك أو الضرر الشديد , وحينئذ لاينجوا الضارب من المسائلة , , لأن أحد لم يؤمر بضرب المصروع , وما فعله رسول الله صل الله عليه وسلم _ من نحو الضرب والنفث
ظاهر الخصوصية لذاته الشريفة , ولا سيما أنه لم يؤثر عنه الأمر باتباعه مبدأ
أو قاعدة للعلاج ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى : كما فى زاد المعاد ص56ـ
الصرع نوعان : نوع من الأرواح الخبيثة الأرضية , ونوع من الأخلاط الرديئة والمرض والحزن , الذى أثر فى القوة المفكرة , وهذا ما يتكلم به الأطباء , وأما النوع الأول فسببه غالبا خراب باطن الإنسان من نور الإيمان والأذكار " (20)

وعلى المريض أن يلجأ إلى ربه ويكثر من التعوذ بمثل قوله تعالى :" رب أعوذ بك من همزات الشياطين , وأعوذ بك رب أن يحضرون " سورة المؤمنون الآية 97ـ 98ـ وكان أيضا عليه الصلاة والسلام يقول : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من نفخه , ونفثه , وهمزه , والنفخة هى الكبر , والهمز هى الدفع غلى المعاصى , والنفث هى القلق وكان صل الله عليه وسلم _ من أدعيته :" اللهم إنى أعوذ بك من الهرم , وأعوذ بك من الهدم ومن الغرق , وأعوذ بك من أن يتخبطنى الشيطان عند الموت " يقول الشيخ محمد الغزالى وهذا أفضل من اشاعة سكنى الشيطان لبدن الإنسان والإحتيال على طرده بشتى الأوهام .
ويقول الشيخ جاد الحق من مصدر سابق وأما المعالج فإنه يجب أن يكون قوى الإيمان حسن التوكل على الله , ثم يقول صاحب التاج رحمه الله : وكان خيار العلماء
رضى الله عنهم ـ يعالج بآية الكرسى والمعوذتين وقوله تعالى :" أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم الينا لاترجعون " سورة المؤمنون الآية 115ـ
وبعضهم يعالج بالبسملة والفاتحة , وسورة الإخلاص وسورة الكافرون وآخر سورة الحشر ثم قال : والمدار على قوة العزيمة من المعالج , والإلتجاء إلى الله , وحسن التوكل عليه فإنه وحده الشافى . انتهى ( 21)

وأخيراً :

إن الله تعالى أنزل القرآن الكريم ليكون دستوراً , للأمة الإسلامية وجعله سبحانه هداية وشفاء لما فى الصدور قال تعالى :" ألم ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين "
سورة البقرة وقال تعالى :" وننزل من القرآن ماهو شفاء ورحمة للمؤمنين " ومعنى هذا أن القرآن الكريم يكون شفاء للمؤمنين وهاديا إلى الطريق المستقيم , والتدوى به مشروع وهو ما يسمى بالرقية بشرط أن تكون كلمات الرقية ,  بآيات من القرآن الكريم أو الأدعية المأثورة عن رسول الله صل الله عليه وسلم _ كما سبق بيانه وأن تكون بلفظ مفهوم لكل من يسمعها , وأما إن كانت الرقية عن طريق ما يسمى بالطلاسم أو الكلمات غير الواضحة , التى لا يفهمها إلا خواص الخواص فإنها تكون مرفوضة , وبالله التوفيق ومنه العون والسداد
 وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (22)

بين الشفاء والتوكل على الله :

على المسلم إذا مرض أن يطلب التداوى , ويأخذ بأسباب الشفاء ما استطاع
إلى ذلك سبيلا بل هو مأمور بذلك , على أن يتوكل على الله تعالى ويعتقد
أن الشافى الحقيقى لما نزل به هو الله سبحانه , والرسول صل الله عليه وسلم
وهو القدوة أمرنا بالتداوى وقد سأل أحد الأعراب : يا رسول الله أنتداوى قال :
نعم عباد الله تداووا فإن الله تعالى لم ينزل داء , إلا وضع له شفاء إلا داء واحداً
قالوا يا رسول الله وما هو " قال : الهرم " يعنى كبر السن " وفى موقف سيدنا
موسى عليه السلام _ مع ربه سبحانه وتعالى : عندما شعر بألم شديد فى ضرسه
فعندما كلم الله وتعالى : واشتكى من هذا الألم وجهه الله تعالى إلى عشب فأخذ منه
واستعمله فشفى فى الحال , ومرت الأيام وعاوده نفس الألم بنفس الضرس , فذهب
إلى العشب نفسه واستعمله فلم يشعر بتحسن , بل زاد الألم فكلم الله فقال سبحانه وتعالى له : يا موسى لجأت إلينا فبالسبب شفيناك , وفى الثانية لجأت إلى السبب
فإلى السبب تركناك " وصل اله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الدعاء بالشفاء للمرضى :

من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا أتى مريضا أو أوتى به إليه قال أذهب الله البأس رب الناس أشف وأنت الشافي لا شفاء إلا شفائك شفاء لا يغادر سقما " الله سبحانه وتعالى ملجأ المؤمنين عند الكرب ويستعنون به عند الشدة وله الشكر والفضل على كل حال والرسول صلى الله عليه وسلم وهو القدوة الحسنة والمثل الطيب كان يلجأ الى الله تعالى فى كل أمر يصيبه ويستعين به فى دفع الشدة والبأس وشفاء المرضى ذلك لأن الشفاء من الله سبحانه وما الطبيب وفحصه والدواء وأثره إلا وسيلة يسرها لنا الله لحصول الشفاء ولا يفهم من الحديث أن يترك الإنسان اتخاذ الوسائل المختلفة للعلاج ولكن عليه بجانب ذلك أن يركن الى الله فى كل شئ مع اتخاذ الوسائل وعلى المسلم أن يترك الوسائل غير المشروعة فى العلاج كحمل التمائم والانخداع بأ قوال الدجالين وصل الله على سيدنامحمد وعلى آله وصحبه وسلم

القرآن دواء وشفاء :

إن المسلم إذا أراد أن يحصن نفسه , ويقى أولاده من شر الشيطان وشركه ووساوسه
عليه أن يقرأ على نفسه وأولاده سورة الإخلاص ثلاثا , وسورة الفلق ثلاثا , وسورة الناس ثلاثا , وأن يمسح بعد القراءة ما استطاع من جسده وأولاده ويقرأ كذلك آية الكرسى وخواتيم سورة البقرة , ومن ظن أن به خوف من أحد فليقل :
حسبنا الله ونعم الوكيل " سورة آل عمران الآية 173 _
وإذا أحس بضعف ومرض فليقل :
رب إنى مسنى الضر وأنت أرحم الراحمين " سورة الأنبياء الآية 83 ـ