من خلق المسلم ( الأمانة )

الأمانة  :

_ روى البخارى ومسلم فى صحيحيهما رضى الله تعالى عنهما عن حذيفة بن اليمان رضى الله تعالى عنه قال حدثنا رسول الله صل الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر : حدثنا أن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال ونزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة , وحدثنا عن رفع الأمانة فقال ينام الرجل النومة ( وهى كناية عن توالى الغفلات ) فتقبض الأمانةمن قلبه فيظل أثرها كأثر المجل وهو ( الأثر اليسير بعد الجرح ) ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكت كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبرا ( يعنى منتفخا كناية عن الرجل الذى يتكبر هو لايملك شيئا ويسميه العامة النفخة الكاذبة )( 1) وليس فيه شئ ثم أخذ حصاة فدحرجها على رجله فيصبح الناس يتبيعون فلا ترى منهم أحدا يؤدى الأمانة حتى يقال إن فى بنى فلان رجلا أمينا حتى يقال للرجل ما أجلده ماأعقله ما أظرفه ومافى قلبه حبة خردل من إيمان لئن كان مسلما ليردنه على إسلامه , ولئن كان يهوديا أو نصرانيا ليردنه على ساعيه أما اليوم فلم أكن لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا "( 1)هامش_ ومثل هذا الورم لايفشى إلا لينتفخ من جديد والإنسان المبتلى بهذا المرض أعنى مرض النفخة وهى من الشيطان وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يتعوذ بقوله " أعوذ باله السميع العليم من الشيطان الرجيم ( من نفثه وهى كناية عن قول الشعر , وهمزه وهى كناية عن موتة القلب بسيطرة الشيطان على الإنسان , ونفخه وهى كناية عن نفخة الكبر والمبتلى به لايعيش إلا فى جو موبوء شهيقه نفاق وزفيره أنوية واختيال وبخل , أعيذها نظرات منك صادقة _ أن تحسب الشحم فيمن كله ورم " ولا يزال من يسمون بالفنانين يديرون أدمغة حكام بكاذب المديح  ويخلعون عليهم من الصفات ماهم جديرون بنقضها حتى مالت رؤوسهم و إنتفخوا وترنحوا ووردا وأوردونا معهم المهالك فجعلوا من الأقزام عمالقة ومن الأبالسة ملائكة , وما كان الإسلام أبد ليقر المداهنة والملق والشهادة القائمة على غير علم والمائلة فى المدائح التى تتدفق كالسيل من أفواه الضالين المضلين " وصل الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الصدور والشفاه والألسنة _ قال عمر بن العاص : الصدور خزائن الأسرار والشفاه أقفالها , فليحفظ كل إمرئ مفتاح سره " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
أمانة حديث المجالس _ يقول الرسول صل الله عليه وسلم : المجالس بالأمانة , إلا ثلاث مجالس : مجلس سفك دم حرام , أو فرج حرام , أو اقتطاع مال بغير حق " وصل اله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


لا تكن _ كالصبى إذا جاع ضغا , ولا كالعبد إذا شبع طغا , ولا كالجاهل إذا ملك بغى " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الأمانة _ هى أن تؤدى ما عليك من حقوق ولا تفشى سرا من أودع إليك شأنا من شئونه , ولا تنقض عهد من عاهدته , ولا تختلس ما ليس لك فيه حق , ولا تغش أمرا فى معاملاتك , وأن تحافظ على من جعل تحت رعايتك , وإذا إئتمنت على الأمانة فارعها , إن الكريم على الأمانة راع , فالأمانة عليها مدار عموم المعاملات ونجاحها , وهى أصل من أصول الديانات ولذلك أكدت عليها جميع الشرائع وجوب رعايتها والحث على الإنصاف منها " قال صل الله عليه وسلم فى خطبة الوداع " أد الأمانة لمن أئتمنك ولا تخن من خانك " وقال صلى الله عليه وسلم " لا دين لمن لاأمانة له ولا إيمان لمن لا عهد له " وقال تعالى " والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من درر الحقائق _ قال حكيم الصدق يوجب الثقة , والأمانة توجب الطمأنينة , والمنفعة توجب المحبة والألفة , والمضرة توجب العداوة , والعدل يوجب اجتماع القلوب , والجور يوجب الفرقة والتنافر , وحسن الخلق يوجب المودة , وسوء الخلق المباعدة , والإنبساط يوجب المؤانسة والإقباض يوجب الوحشة والكبر يوجب المقت " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أسوأالناس _ أسوأ الناس حالا : من لايثق بأحد لسوء ظنه , ولا يثق به أحد لسوء فعله " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الحقيقة _ الحقيقة كشعلة اللهب مهما ضربت علي رأسها لاتنحنى هامتها من شدة الضرب بل تأبى إلا الإرتفاع فى تحد وكبرياء لكل الأدعياء " اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الأمانة فى أداء التكاليف
قال تعلى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا " سورة النساء
وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم فإن تنازعتم فى شئ فردوه إلى الله والرسول ذلك خير وأحسن تأويلا " سورة النساء
والأمانة ما تجب المحافظة عليه فالسر أمانة , والتكاليف الشرعية أمانة , وعلم العالم أمانة , وقول الحق فى الشهادة وغيرها , والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أمانة , والعدل فى الأحكام والأفعال والأقوال أمانة , كتاب الله قانون , وسنة رسوله صل الله عليه وسلم قانون وما اتفق عليه أهل الحل والعقد من المسلمين مما لايخالف نصا فى الكتاب ولا فى السنة قانون , والرد عند التنازع إلى قواعد الدين العامة وأحكامه الكلية قانون وكل هذه القوانين أمانة استودعكم الله إياها واستحفظكم عليها وأنزل إليكم فى محكم كتابه " يا أيها الذين آمنوا لاتخنوا الله والرسول وتخونوا أمانتكم وأنتم تعلمون " سورة الأنفال وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 1)

ومن الأمانة أداء الفرائض
ويقول تعالى " إنا عرضا الأمانةعلى السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " سورة الأحزاب وبذلك نعلم أن الأمانة كلمة شاملة جامعة وهى كل ما كلف الإنسان به سواء اتصل بالعبادات أو المعاملات بين الناس , وفى العبادات الوضوء أمانة وهو أن يسبغ العبد وضوئه ويتمه على أكمل وجه وكذلك الصلاة تؤدى بشروطها كاملة غير منقوصة فيتم ركوعها وسجودها والطمأنية والخشوع والتذكر واخلاص القلب لله تعالى وعدم الإنشغال بأمور الدنيا فإن خالف قالت له الصلاة ضيعك الله كم ضيعتنى
والأمانة عند أداء الزكاة عندما تبلغ النصاب ويحول عليها الحول كما هو مبين فى كتب السنة فمن لم يؤد ذلك فقد خان الله ورسوله وكذلك الصيام سر بين العبد وبين الله تعالى واجب الأداء قال صل الله عليه وسلم " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه " وكذلك من إمتلك تكاليف الحج من قدرة مالية وصحية ولم يؤده كما فى الحديث عن النبى صل الله عليه وسلم " فليمت يهوديا أو نصرانيا " فالأمانة تعنى كل شئ فى حياة الإنسان فتشمل مسئولته أمام نفسه وعقله وقلبه وضميره وهى المسئولية الأخلاقية التى تجعل من الإنسان رقيبا على نفسه وفى ذلك يقول الرسول صل الله عليه وسلم " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى " وقال صل الله عليه وسلم " ألا إن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(2)

أحبكم إلينا _ قال سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه : أحبكم إلينا ما نراكم أحسنكم اسما , فإذا رأيناكم فأحبكم إلينا أحسنكم خلقا , فإذا اختبرناكم فأحبكم إلينا أصدقكم حديثا , وأعظمكم أمانة " وقال صل الله عليه وسلم " لاعقل كالتدبير , ولا حسب كحسن الخلق " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


عمر الفاروق رضى الله عنه _ وصف صعصعة بن صوحان : أير المؤمنين عمر رضى الله عنه : فقال كان عالما برعيته , عادلا فى قضيته , عاريا عن الكبر , مصون الباب متحريا للصواب , رفيقا بالضعيف , غير محاب للقريب , ولا جاف للغريب " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من أخلاق الإسلام الأمانة

وهى من أخلاق المسلم الأصيلة , التى تنبع من عقيدته وإيمانه الصادق , والأمانة من الأخلاق التى تدل على شرف اتجاه صاحبه وشرف غايته , فهى صفة نفسية
تملى على صاحبها سلوكا لا يتبدل , إزاء كل ما يعهد إليه القيام به , وكل ما يتحمل
مسئوليته .
والأمانة بالمفهوم العام تحيط بكل تبعات الحياة الصغيرة والكبيرة , وتتناول كل الأعباء التى يتحملها الانسان .
والولاية على الناس ورعاية أمورهم سياسة أحوالهم من الأمانات الكبرى التى لايصح أبدا التهاون فى أدائها .
ومما يجب أن يعلم أن الأمانة تتمثل فى النعم والمواهب وهى عطاء مشروط بأن يتجه به الانسان إلى سبيله القويم , والأمانة كذلك تتمثل فى حسن معاملة الناس وذلك بأداء حقوقهم من غير تقصير كل حسب موقعه ووظيفته

والأمانة بالمفهوم الواسع , تجعل كل ما يؤتمن عليه الانسان أمانة , فالدين أمانة
ورعاية الأسرة أمانة , والعمل أمانة , وأموال الناس أمانة , وكذلك أسرارهم وأعراضهم أمانة , وعلم العالم أمانة , والتكاليف الشرعية أمانة إلى غير ذلك
والعبء يعظم والمسئولية تتأكد كلما اتسع نطاق الأمانة , وشمل ذلك المسئولية عن كثيرا من الناس أو بعض الأمور .
ومن هنا فإن المسلم الحق حين يرق احساسه , ويستيقظ ضميره فإنه يؤدى الأمانات على وجهها للناس أجمعين , بما يجعله يحفظ لكل فرد حقه , ويصون حرماته
وحياة المسلم تعتبر فى هذه الدنيا مجموعة من الأمانات , صغيرة كانت أم كبيرة
وهو مطالب بألا يخونها ولا يفرط فى أدائها قال تعالى " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " سورة النساء
وقال صل الله عليه وسلم لا إيمان لمن لا أمانة له , و لادين لمن لا عهد له "

وقال: فى حجة الوداع صل الله عليه وسلم " أد الأمانة لمن أئتمنك ولا تخن من خانك " وقد جعل الرسول صل الله عليه وسلم : الخيانة فى الأمانة من أولى علامات النفاق فقال " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا , ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفلق حتى يدعها : إذا أؤتمن خان , وإذا حدث كذب , وإذا عاهد غدر , وإذا خاصم فجر " رواه البخارى من حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما
وقد جعل رسول الله صل الله عليه وسلم ضياع الأمانة من علامات الساعة حيث يقول صل الله عليه وسلم " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة "
ومن هنا تشتد المسئولية على المسلم , ويحسن القيام بكل ما يعهد إليه , وهو يعلم أن ذلك أمانة ويسأل عنها يوم القيامة .

ومن هنا أولى بكل مسلم أن يعلم حقيقة الأمانة ليحظى بنصيب وافر من الاستقامة
وراحة البال , وأن الأمانة بمعناها الشامل والعام تتمثل فى التكاليف الشرعية
من التزام الطاعات وترك المعاصى والمنكرات , وهى بذلك تشمل جميع الأمانات
التى تحدث عنها القرآن والسنة الشريفة .
ومن ذلك جولرح الانسان هى أمانة , فلا يصح له إلا أن يستعملها فى طاعة الله وكل خير .
والمال أمانة , فليستغله المسلم فى طاعة الله ووجوه البر والخير المشروعة , ولا ينفقه فى معصية الله , ولا يكتسبه من غير وجوهه المشروعة كأكل أموال الناس بالباطل , والسحت وغير ذلك من الوجوه الخبيثة .

والأبناء أمانة وما أعظمها من أمانة , فيجب على الآباء تربيتهم والاحسان إليهم وتوجيههم التوجيه السليم وتعليمهم ما ينفعهم من أمر دينهم ودنياهم
والودائع أمانة فيجب ردها عند طلب أصحابها لها وكما فعل رسول الله صل الله عليه وسلم ليلة هجرته فى ودائع المشركين وأماناتهم حيث نام الامام على رضى الله عنه فى فرش النبى صل الله عليهم لأسباب يريدها منه النبى صل الله عليه وسلم ومنها رد الودائع إلى أهل مكة من المشركين .
ومما يجب على المسلم أن يعلم أن الشريعة الاسلامية أمانة يجب تطبيقها على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة , فالوقوف عندها وحراسة حدودها والزود عنها وعدم تضيعها من أعطم الأمانات الواجبة قال تعالى " يا أيها الذين أمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " سورة الأنفال الآية 27_
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم