من صفات عباد الرحمن :

من صفات عباد الرحمن :


الله سبحانه وتعالى اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس , ومن فضل الله تعالى على عباده أولئك الذين أخلصهم الله له ونالوا رضاه بما أفاء عليهم من صالح الأعمال الطيبة فاستحقوا الإضافة الإلهية والتسمية الربانية من قوله تعالى :" وعباد الرحمن ", والرحمن اسم من أسمائه الحسنى , وما سمو ا عباد الرحمن إلا لسكونهم وهدوءهم وهم يسيرون في سكينة ووقار , وفى طريق حياتهم يعرضون عن اللغو والباطل وعن كل ما يتنافي مع المروءة والحياء , وعن سفاسف الأمور وصغائر الذنوب " قال تعالى " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " سورة الفرقان ـ ومن صفات عباد الرحمن أنهم يحرصون على طاعة ربهم فأقاموا الصلاة واتوا الزكاة أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر حبا في الله وخشية وخوفا من عذاب جهنم قال تعالى " والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما " سورة الفرقان ـ ومن صفاتهم كذلك سلوك سبيل الاعتدال والتزام الوسط وعدم الإسراف أو البخل في نفقاتهم على من يعولون فما عال من اقتصد وكيف يسرفون ويبخلون وهم يعبدون الواحد الأحد الفرد الصمد فقد تأدبوا بأدبه وساروا على نهجه وينفذون أمره وبذلك لايرتكبون ما يغضب الله من كبائر الذنوب والمعاصي من قتل نفس حرم الله تعالى قتلها وغير ذلك من الجرائم كالزنا قال تعالى " والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما , والذين لايدعون مع الله إله آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما " سورة الفرقان وعباد الرحمن لايشهدون الزور ويبتعدون عن اللغو والباطل وإذا ذكروا بآيات ربهم لم يمروا عليها مرور الكرام بل تدبروا ما يتلون وعملوا بما يعلمون قال تعالى " والذين لايشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما , والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليه صما وعميانا " سورة الفرقان وبذلك نخرج من تدبر وتفهم لمعنى حقيقة عباد الرحمن , أنهم هم الصالحون المصلحون الذين تسعد به الحياة فقد تمسكوا بالقيم الإسلامية فسمت نفوسهم , وصفت قلوبهم عن الأحقاد والصراعات كما , قال صل الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب " رواه البخاري ومسلم ـ وبسبب الغضب وعدم ضبط النفس نرى المشاكل والصراعات ملأت كل مكان وضرب الشيطان على عقولنا واستحوذ بوساوسه على تفكيرنا واشتغل القلب بالدنيا أكثر من اللازم , وحتى نكون حقا من عباد الرحمن فعلينا أن نتمسك بالأخلاق الإسلامية وبذلك نكون خير أمة أخرجت للناس قال تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله " سورة آل عمرن " . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الصبر شفاء ودواء :

الصبر هو حبس النفس واخضاعها للحقائق العالية والأمور النافعة بما لايتنافى مع العقل والإستقامة على تعاليم الدين قال تعالى " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور " سورة الشورى والذين صبروا إبتغاء وجه ربهم وذلك بإمتثال الأوامر وإجتناب النواهى وتحقيق العبودية الحقة وصبروا على الإبتلاء , وإيذاء الآخرين لهم وصبروا على ترك المعصية طلبا لرحمته ومغفرته وعفوه وكرمه كما قال تعالى " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب " سورة الزمر وبالصبر يتغلب الإنسان على كل ما يواجه من صعاب وعقبات وبذلك يصل العبد إلى ربه فلا سهل إلا ماسهله الله وكل عقبة بعد ذلك تلين وكل صعب يهون وفى ذلك قوله صل الله عليه وسلم " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " فالمؤمن يرجع أمره وما ينزل به إلى ما قدر وما شاء فعل مع الإعتماد عليه والإستعانة بالصبر كما قال صل الله عليه وسلم " واعلم أن فى الصبرعلى ماتكره خير كثير " ويسن لنا رسول الله صل الله عليه وسلم من الأدعية ما تساعد المؤمن على النهوض وأخذ العافية عند وقوع البلاء عليه ليتسلاح بذلك فى مواجهة هوى النفس والشيطان فلا يسخط ولا يضجر ومن ذلك " إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شئ عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب " رواه البخارى ومسلم إن من أراد السلامة فى حياته والراحة فى جسده والعافية فى جوارحه فعليه بالصبر فإنه ضياء ونور وشفاء ودواء وفى ذلك يقول الرسول صل الله عليه وسلم " إن الله عزوجل قال : إذا ابتليت عبدى بحبيبته فصبر عوضته الجنة يعنى عينيه رواه البخارى والصبر يقوى العبادة وبه تنهض الأمة ويرتفع شأنها وبه تصحو الضمائر فيعمل العامل بجد وينتج بإخلاص ويقول الرسول صل الله عليه وسلم " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه " رواه البخارى ومسلم فالمسلم الصادق لايسخط ولايجزع لما ينزل به من بلاء لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطأه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه وكيف يجزع وعلاجه فى قلبه ودوائه عند ربه , فما أحوج المسلم إلى أن يتحصن بسلاح الصبر وأن يجعله وقاية وجُنة فى حياته ليحقق لنفسه ما يرجوه قال تعالى " واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين " سورة البقرة وقال تعلى " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " سورة آل عمران  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

بين الإيمان والرضا بالله :

عندما يسيطر الإيمان الحق على بواعث الفعل والترك فى أفعال المؤمن وسلوكه وتصرفاته وأعماله يصح كل أمله أن يرضى عنه ربه , وخلق الرضا من الآداب المطلوبة والأخلاق المرغوبة لما له من عظيم الصلة فى علاج مشاكلنا الإجتماعية حتى تستقيم الحياة ويبلغ كل مريد مبتغاه , لأن من ينظر فى أحوال الناس ومشاكلهم يجد أن نسبة السخط وعدم الرضا قد ازدادت بصورة لاتبشر بخير وهذا دليل ضعف الإيمان وحتى يقوى الإيمان فى قلوبنا لابد من إصلاح نفوسنا وطلب مرضاته سبحانه والتمسك بدين والعمل بشرائعه وأحكامه وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن النبى صل الله عليه وسلم قال " ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صل  الله عليه وسلم نبيا ورسولا " رواه مسلم وحتى يتأكد هذا الخلق فى أعمالنا لابد من الإتيان بهذه الأمور
أولا _ أن يرضى العبد بما قسمه الله تعالى له : من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صل  الله عليه وسلم :" من يأخذ عنى هؤلاء الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن ؟ فقل أبو هريرة رضى الله تعالى عنه فقلت أنا يارسول الله _ فأخذ بيدى فعدا خمسا وقال : اتق المحارم تكن أعبد الناس , وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس , وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا , وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما , ولاتكثر من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب "..رواه الترمذى بسند حسن
ثانيا _ من ثمرة الرضا  عن الله أن يرضى المسلم بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره
ومن الأمثلة على هذا موقف الصحابى الجليل سعد ابن أبى وقاص رضى اله تعالى عنه الذى كف بصره فرضى بقضاء الله تعالى _ وكان هذا الصحابى الجليل مستجاب الدعوة فقيل له هلا دعوت لنفسك ليرد عليك بصرك ؟..فقال قضاء الله عندى أحسن من بصرى ..إنه الرضا بقضاء الله وقدره
ثالثا _ الإستجابة بما أمر الله به , وبما نهى عنه لقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما يحيكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون " سورة الأنفال ـ  والإستجابة لله والرسول علامة الرضا وبذلك يحيا الإنسان بعد موت قلبه وبعده عن ربه , وعندما يحقق العبد خلق الرضا فى حياته وأعماله يكمل إيمانه ويحسن اسلامه ويستنير تفكيره بحسن الظن بربه تعالى وبذلك يرضى العبد عن ربه فيرضى عنه ربه وبذلك يكون الرضا سبب من أسباب دخول الجنة " اللهم إنى أعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك كما أنت أثنيت على نفسك وسعت كل شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم " . اللهم صل  وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

إغاثة الملهوف تقى مصارع السوء :

جاء الإسلام بالهدى والحق ونشر العدل من أجل أن يتعامل الناس فيما بينهم على أساس من الرحمة والمحبة والتعاون القائم على إغاثة الملهوف والأخذ بيده وانتشاله مما وقع فيه من فاقة وحاجة قال تعالى " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدون وإتقوا الله إن الله شديد العقاب " سورة المائدة ومن ثم وجب على المسلم أن يكون عونا لغيره فى النوائب والشدائد وأن يسارع بالخير لمن طلب منه حسب قدرته واستطاعته يقدم الخير ولو بكلمة يحرض بها الآخرين على ذلك قال تعالى " وحرض المؤمنين " بحيث يكون هناك عطاء متبادل بين من يملك ومن لايملك , والمسلمون فى هذه الأيام فى أمس الحاجة إلى من يحرك فيهم هذا الخلق الذى كاد أن يتلاشى بينهم حتى يعود للإسلام القوة والمجد والعزة والنصر على الأعداء  والمسلم الحق هو من يسعى لخير المجموع ويسعى من أجل النهوض بمجتمعه وهو بذلك يكون قد حاز محبة الله ورسوله صل الله عليه وسلم وكما فى حديث النبى صل الله عليه وسلم " أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس " فإن لله تعالى خلقا إختصهم بفضله ونعمه ومنحهم من عطاياه وأحبهم إلى الله ورسوله هم أصحاب العطاء لخلقه الذين يعطونهم مما أفاء الله عليهم من نعم ليقوم بهذه المهمة على أكمل ما يرضى الله وفى الحديث عن النبى صل الله عليه وسلم " إن لله خلقا اختصهم بالنعم لمنافع العباد يقرهم فيها ما بذلوها فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم " رواه ابن أبى الدنيا وعند الطبرانى عن عتبة بن غزوان عن رسول الله صل الله عليه وسلم قال " إذا أضل أحدكم شيئا أو أراد عونا وهو بأرض ليس بها أنيس فليقل ياعباد الله أعينونى فإن لله تعالى عبادا لانراهم " قال الإمام النووى رحمه الله تعالى جربت ذلك فوجدته " فإن لله تعالى جنودا لانراها , إنهم يروننا ونحن لانراهم , وما يعلم جنود ربك إلا هو تسعى لعون الإنسان وارشاده لما ينفعه فكيف بنا نحن البشر نهمل هذا الخلق الرفيع ولا نعين صاحب الحاجة والملهوف حتى ننال رضا الله ونحظى بخيرى الدنيا والآخرة " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

قدرة الله وقضاءه :

إن من صفات أولى الألباب وذوى العقول السليمة وأصحاب الفطر النقية والنفوس الأبية أنهم يتفكرون فى خلق السموات والأرض وما يؤكد لهم على قدرة الله تعالى وعظمته فى خلقه وما يحتويه الكون من نعم وآيات قال تعالى " إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون فى خلق السموات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار " سورة آل عمران  فالله سبحانه يبين لنا فى هذه الآية الكريمة أن العقلاء حقا هم الذين يذكرون الله تعالى فى جميع أوقاتهم وسائر أحوالهم عند القيام والقعود وإذا ما سكنوا للراحة وفى السفر والحضر وفى ذكرهم لربهم سبحانه عبرة وتفكر فى ما أوجد وخلق فأبدع فى سماواته وأرضه وهم يقولون ربنا ما أوجدت هذا الخلق عبثا وإنما لحكمة وغاية سبحانك أنت منزه بصفات الكمال ونعوت الجلال عن كل نقص تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فاصرف عنا برحمتك وعفوك عذاب جهنم , وألهمنا من الأعمال الصالحة ما يكون سببا فى دخول الجنة والبعد عن النار لأنك ياربنا من تدخله النار بذنوبه وما اقترفته يداه فقد فضحته وأهنته على رؤوس الأشهاد يوم لاينفع للظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار فليس لهم من أحد يدفع عنهم العقاب الشديد من الله تعالى يوم القيامة , فعلينا أن ننخدع بالمظاهر وأن نؤمن يقينا أن الأمور كلها بيد الله عز وجل فلا نسأل إلا الله ولا نذل لسواه يقول الشاعر _ قل للطبيب تخطفه يد الردى _ يا شافى الأمراض من أرداكا ؟ قل للمريض نجا وعوفى بعدما - عجزت فنون الطب من عافاكا ؟ قل للصحيح يموت لا من علة - من بالمنايا يا صحيح دهاكا ؟ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من صفة المؤمن التواضع :

إن من دعاء النبى صل الله عليه وسلم " اللهم اجعلني صبوراً واحعلني شكوراً اجعلنى فى عينى صغيراً وفى أعين الناس كبيراً "
و التواضع من الصفات التى يحبها الله ورسوله صل الله عليه وسلم وهو من الصفات المحمودة التى ينبغى على كل مسلم ومسلمة أن يتمسكا بها , والتواضع هو خفض الجناح فى معاملة غيرك من عباد الله وخاصة أهل الإيمان الذين قال الله تعالى فى وصفهم " أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين " سورة المائدة
وقال أيضا فى وصفهم " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " سورة الفرقان ومن التواضع ألا ترى لنفسك فضل وقيمة إلا بما وهبك الله من خير وفضل قال تعالى " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علىا فى الأرض ولا فسادا والعقبة للمتقين " فقال رجل يارسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا , ونعله حسنا هل ذلك من الكبر فقال صلى الله عليه وسلم " إن الله تعالى جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس " ومعنى بطر الحق رفضه ودفعه _ وغمط الناس وفى رواية غمص الناس هو احتقارهم والنظر إليهم بعين النقص وإلى نفسه بعين الكمال _ والتواضع أن تإخذ الحق من كل من جاء به صغيرا كان أو كبيرا تحبه أو تكرهه وبذلك نعلم أن التواضع هو أن يعرف الإنسان حقيقة نفسه فلا يبخسها حقها ولا يرفع من قيمتها أكثر مما يجب وألا يتعالى على الناس مهما كانت قيمتهم فالإنسان لايفضل غيره إلا بالتقوى والعمل الصالح ومن المعلوم أن الناس بحكم طبيعتهم الإجتماعية واتصالاتهم الشخصية وارتباطاتهم الحياتية لا يستغنى بعضهم عن البعض الآخر ولقد سئل الفضيل ابن عياض رحمه الله تعالى عن التواضع فقال : أن تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله , وقال ابراهيم ابن شيبان : التواضع هو قبول الإنسان للحق ممن كان والعز فى التواضع فمن طلبه فى الكثير فهو كطالب الماء من النار والشرف فى التواضع , والعز فى التقوى والحرية فى القناعة ولقد قال سفيان الثورى رحمه الله تعالى " أعز الحلق خمسة أنفس : عالم زاهد وفقيه صوفى وغنى متواضع وفقير شاكر وشريف سنى وقال عروة ابن الزبير بن العوام رضى الله تعالى عنهما _ رأيت عمر بن الخطاب ضى الله تعالى عنه مرة فدنا عبد الله ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بن عم رسول الله صل الله عليه وسلم فقال هكذا أمرنا أن نفعل بكبرائنا , فقال , أرنى يدك وأخرجها إليع فقبلها وقال هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله صل الله عليه وسلم  وبذلك تعلم أن التواضع من السلوكيات التى تؤئر فى التواصل مع الآخرين مسلمين وغيرهم من الناس أجمعين فالخلق فيهم الصالح والطالح المسلم وغير المسلم القوى والضعيف والغنى والفقير وفى ذلك يقول الله تعالى فى هذه الآية الكريمة التى لاتفرق بين انسان وآخر " يا أيها الناس إن خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير " سورة الحجرات  
  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من صفة المؤمن أداء الأمانة :

حثنا ديننا الحنيف على خلق الأمانة ودعت إليها السنة الشريفة المطهرة لما لها من عظيم القدر وكبير المكانة فى أعمال الناس وسلوكيات حياتهم ولهذا نجد أن الأمانة من الصفات التى اتصف بها الأنبياء والمرسلين والصديقين والصالحين قال تعالى " إن الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل " سورة النساء وبذلك يكون خلق الأمانة من الأخلاق التى ينبغى على كل إنسان أن يتصف بها قال تعالى " والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون " سورة المؤمنون وقال تعالى " فليؤد الذى أؤتمن أمانته وليتق الله ربه " سورة البقرة وفى السنة المطهرة من أنوار الوصايا وجميل الإرشادات  ما ينفر من هذه الصفة الدميمة صفة الخيانة ويحرض على خلق الأمانة لأن الخائن يخافه الجميع وليس له بين الناس حيثية ولا صفة فلا أحد يصادقه ولا رفيق يصاحبه لأن الخائن قد تجرد من الأخلاق الكريمة والصفات الحميدة فلا عهد له ويسهل عليه الكذب وربما امتدت يده للسرقة فقد انعدمت عنده المروءة ولهذا حذر الإسلام من هذا الصنف من الناس يقول النبى صل الله عليه وسلم " أد الأمانة إلى من أئتمنك ولا تخن من خانك " وقد سئل الرسول صل الله عليه وسلم عن أشد شئ فى الدين وألينه فقال صل الله عليه وسلم " ألين شئ فى الدين , شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأشد شئ فيه هو الأمانة " رواه البزار من حديث على بن أبى طالب رضى الله عنه , ومن حديث عبد الله ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صل الله عليه وسلم قال أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة واحدة كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أئتمن خان  وإذا حدث كذب , وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر رواه البخارى فى صحيحه وجاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم يسأله عن الساعة فرد عليه صل الله عليه وسلم قائلا إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " وعنه صل الله عليه وسلم أنه قال " من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شئ فليتحلله من اليوم قبل أن لايكون درهم ولا دينار إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه " والتحلل من المظالم لا يكون إلا برجوعها لأصحابها والخائن يؤتى به يوم القيامة بين يدى الله فيقول له الحق تبارك وتعالى " أد الأمانة إلى أصحابها فيقول كيف يارب وقد فنت الدنيا ؟ فيقال له إنها فى هذه البئر فينظر فيهوى بها فى البئر سبعين خريفا " وقال تعالى " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " سورة الأحز".  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

محبة الله سبحانه وتعالى :

قال تعالى " والذين آمنوا أشد حبا لله " سورة البقرة ومحبة الله تعالى إنما تكون بالعمل الصالح والإيمان الصادق واليقين الثابت والتمسك القوى بكل ما جاء به القرآن والسنة الشريفة ومجاهدة النفس ومنعها من الشهوات القبيحة والأخلاق المذمومة والأهواء الرادية وإن من صدق فى محبته لربه دعاه ذلك إلى إيثار مرضاته على ماسواه روى أن سيدنا موسى عليه السلام قال يارب أو صنى قال أوصيك بى قال يارب كيف توصينى بك ؟ قال لايعرض لك أمران أحدهما لى والآخر لك إلا أثرت محبتى عللى هواك وأسعد الناس حظا يوم القيامة أكثرهم حبا لله تعالى وأكثرهم طاعة له والله تعالى يقول " يا ابن آدم اطلبنى تجدنى فإن وجدتنى وجدت كل شئ وإن فتك فاتك كل شئ وأنا خير لك من كل شئ " ولا يمكن أبدا أن يجتمع حب الله مع فعل المعاصى فهذا ولا شك من أخلاق المنافقين وصفات المرائين فهؤلاء يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا وهم يحرصون على طلب المنزلة بما لم يقدموا من  أعما ل ليحتلوا مكانا كبيرا فى نفوس الناس وهو بذلك يكذب على الناس ويغالطهم ويفترى فى الوقت ذاته على الله ورسوله وحب الله تعالى يتنافى مع هذه الخصال السيئة والأعمال المذمومة وإنما الحب يستلزم الإيمان الصادق والحق والعدل فى الأقوال والأعمال يقول يحى بن معاذ رحمه الله تعالى : على قدر خوفك من الله يهابك الخلق وعلى قدر حبك لله يحبك الخلق وعلى قدر شغلك بالله يشتغل الخلق بأمرك وعلى قدر اخلاصك لله تكون منزلتك فى الجنة وروى البخارى ومسلم أن رجلا قال يارسول الله صل الله عليه وسلم " متى الساعة قال له : ماذا أعددت لها ؟ قال : ما أعددت لها كثير صلاة وصوم وصدقة ولكنى أحب الله ورسوله قال له إنك مع من أحببت يوم القيامة " وحب الله تعالى يعنى طاعته والإلتزام بأوامره ونواهيه وقد جمع الله تعالى بين طاعته وطاعة رسوله صل الله عليه وسلم فقال " من يطع الرسول فقد أطاع الله " سورة النساء فمن ادعى محبة لله عزوجل ولم يعمل بما جاء به الدين وغفل عن طاعة ربه فهو كاذب فى دعواه وليس بصادق من ادعى محبة الله ولم يحفظ له حدوده وفرائضه وفى ذلك قول القائل " تعصى الإله وتظهر حبه _ هذا لعمرى فى القياس شنيع _ لو كلن حبك صادقا لأطعته _ إن المحب لمن يحب مطيع " اللهم صل سلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عن أثر الإيمان فى سلوك المسلم وصلاح عمله
من صفات عباد الرحمن كما جاء فى القرآن الكريم
قال تعالى " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما " الآية 63_ والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما 64_ والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما 65_ إلخ السورة الآية 77_
لقد تحدث القرآن الكريم فى تفصيل كريم ونسق من نور عجيب عن عباد الرحمن الذين شرفهم الله تعالى فقد عبدوه وحده وأقبلوا عليه بقلوب تقية ونفوس نقية وأعمال زكية فخصهم بالرضا والحب وأنعم عليهم بجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ينعمون ولايبئسون ويحيون فيها ولايموتون وذلك بما إتصفوا من صفات كريمة وأخلاق عالية , ومن ذلك خلق التواضع والإتزان والإطمئنان والأمان والسكينة والوقار _ والأدب الجم فى القول والفعل والعمل , والحلم والصبر وقوة الإحتمال , وسعة الصدر , وعفة اللسان , والإعراض عن سفاهة السفهاء وأذى المجرمين وجهل الجاهلين , والرد عليهم بالقول الطيب و بما لايوقعهم فى الإثم والجهل والمعصية

ومن صفات عباد الرحمن المواظبة والمداومة على العبادة والطاعة وخاصة جوف الليل الذى يكون فيه العبد أقرب إلى ربه بما يقوم من أعمال صالحة من صلاة وذكرلله تعالى وتلاوة قرآن . وهم يدعون الله تعالى فى خشوع وخضوع, وخوف ورجاء وخشية وإنابة , أن يدخلهم ربهم الجنة وأن ينقذهم من النار .
ومن صفات عباد الرحمن مع حرصهم الشديد على عبادة ربهم أنهم لاينسون ماكلفهم الله به من أداء رسالتهم فى الحياة فهم يعملون على قدر مايستطيعون لينفقوا على أنفسهم وعلى أهليهم وأولادهم بما يحتاجون من مأكل ومشرب وملابس وغير ذلك فى اعتدال وتوسط ومن غير تقتير أو إسراف , وينفقون فى سبيل الله ما وسعهم ذلك من إنفاق .
ثم يصف القرآن الكريم عباد الرحمن بأهم الأوصاف التى جعلتهم فى تلك المنزلة العالية أنهم مؤمنون موحدون لايشركون بالله شيئا ويتوجهون له وحده فيا يقومون به من أعمال لإيمانهم بأن الله تعالى هو الذى يثيب ويعاقب على ما يقدمون من خير أو شر , ولذلك فهم لايلوثون أيديهم بدماء الأبرياء فلا يزال الإنسان فى فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما , ولايعتدون على أعراض الناس فقد تعلموا أن كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه , إنهم يخافون عذاب الله تعالى المضاعف فى الدنيا وعذابه فى الآخرة بالخلود فى نار جهنم لمن أصر على الكفر واستحل ما حرم الله , وفسق عن أمر ربه , وخرج عن الطاعة وركب المعاصى

ثم يبين الله سبحانه وتعالى أن رحمته سبقت غضبه , لمن تاب وأناب فى الدنيا فاحس بجريمة كفره , وبشاعة معاصيه , وشدة العذاب فى نار جهنم , فأقروا بذنوبهم فى ندم , ورجعوا إلى الله تعالى تائبين موحدين , وقدموا من الأعمال الصالحة ما يجعلهم أهلا لرحمة الله فأولئك يقبل الله تعالى توبتهم ويدخلهم فى عباده الصالحين
ثم يبين الله تعالى أن عباد الرحمن صادقون فى أقوالهم وأفعالهم , فهم لايشهدون الزور قولا وعملا فشهادة الزور تضيع بها الحفوق على أصحابها , وتقلب الحقائق فيصبح الحق باطلا والباطل حقا , وتعطى المزورين حقا ليس لهم ظلما وعدوانا ولذلك جعل الإسلام شهدة الزور من أكبر الكبائر

وعباد الرحمن بأخلاقهم الكريمة وصفاتهم النبيلة التى هى ثمرة إيمانهم العميق بربهم الكريم الرحمن الرحيم , لايقربون مجالس الخمر ولا يترددون على أماكن اللهو والفسوق والفجور , وأندية الميسر والقمار , فهذه الأماكن تحط من شأن وقدر المترددين عليها والمقيمين فيها والعاملين بها , لأنها باطل وفسوق يغضب الله تعالى ويوجب عقابه , وهم كذلك لايتدخلون فيما لايعنيهم ولا يتحدثون بما لايخصوهم لطهارة أعمالهم وسلامة أخلاقهم وحسن تعملهم مع الحياة , وإذا مروا باللغو مروا كراما أى أعرضوا عنه ولم يتدخلوا مع أهله تنزيها لأنفسهم عن المشاركة فيه
وكيف لعباد الرحمن أن يقبلوا على الباطل ويشاركوا فى المنكر وقد وصفهم ربهم بأنهم إذا وعظوا بالقرآن الكريم وتأملوا آيات الله فى خلقه , أقبلوا عليها بعقل مفتوح وقلب محب , وأذن مصغية , وعين متأملة , واستجابوا لأوامر الله وابتعدوا عما نهى الله تعالى عنه وزجر خوفا من عقابه وطمعا فى رحمته وفضله .

وعباد الرحمن مع حرصهم على طاعة ربهم وذلك بالبعد عن المعاصى وفعل المنكر
فهم قريبون من الله تعالى بالدعاء لأنهم يعلمون أن الدعاء مخ العبادة فهم دائما فى اتصال ونجوى مع الرحمن وتضرع إليه يرجون رحمته ويخافون عذابه طالبين من الله أن يمنحهم خير متاع الدنيا , المرأة الصالحة , والزوجة الوفية , والذرية التقية النقية , البارة المخلصة الموفقة التى تدخل الأمن والسرور على قلوب آبائهم وأمهاتهم , ومن ثم تصبح الأسرة المؤمنة قدوة صالحة , يقتفى آثرها فى البر والخير والصلاح والتقوى , وبذلك كان الجزاء الأوفى بما أعده الله تعالى لعباده أولا بفضله ورحمته وكرمه ورضاه , ثم بإيمانهم وأعمالهم الصالحة ثانيا , بأنهم مخلدون" إن المتقين فى جنات ونهر فى مقعد صدق عند مليك مقتدر " سورة القمر منعمون ومقيمون فى المنزلة العالية
والملائكة يدخلون عليهم من كل باب من أبواب الجنة , بترحيب وتحية" سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار " سورة الرعد
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من صفات المؤمنين وعلامة حسن الخلق

قال تعالى " قد أفلح المؤمنون الذين هم فى صلاتهم خاشعون , والذين هم عن اللغو معرضون , والذين هم للزكاة فاعلون , والذين هم لفروجهم حافظون , إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لآماناتهم وعهدهم راعون , والذين هم على صلواتهم يحافظون
أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيه خالدون " الآيات من سورة المؤمنون

الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره ووفقه لما فيه صلاحه ونجاته
واستعمل جوارحه فيما يرضيه ويبين الله سبحانه حكم الفلاح لمن كان مستجمعا
لهذه الصفات السبعة .
1_ الإيمان الصادق بما عُلم ضرورة أنه من دين نبينا محمد صل الله عليه وسلم
من التوحيد والجزاء والنبوة وما جاء به من الشرائع العامة وأحكامها الكلية
2_ ومن صفاتهم الخشوع فى صلاتهم والوقوف بين يدى الله تعالى بالتذلل
وعدم التفات القلب فيها إلى شئ سوى التعظيم له تعالى وسكون الجوارح والإطراق بالنظر إلى موضع السجود وعدم الالتفات يمينا ويسارا .
3_ أن يترك العبد كل ما لايعنيه وما لايعود عليه به فائدة فى الدين والدنيا قولا وعملا من اللغو والهزل والاسترسال فى ما لاينفع وضياع الوقت فيما لايفيد
وفى الحديث عنه صل الله عليه وسلم " من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه "
4_ أن يقوم الغنى بأداء ما عليه من حق واجب فى ماله وإيصاله إلى مستحقيه
وبذلك تطهر نفوسهم وتزكوا أموالهم , ويعظم الخير وتعم الرحمة والبركة والسعادة والهناءة فى الدنيا والآخرة .
5_ والذين هم لفروجهم حافظون مما حرم الله تعالى عليه من الزنى واللواط والإستنماء باليد , وكما حرم الله سبحانه وتعالى الزنى حرم كذلك مقدماته من نظر وغمز ومس وتقبيل وكذلك كل الفواحش والموبقات التى تجلب له الشقاء والخراب والدمار فى العاجل والآجل " إلا على أزواجهم " فيما أحل الله تعالى فمن تعدى الحلال إلى الحرام فقد عرض نفسه لعقاب الله وسخطه
6_ ومن صفاتهم رعاية الأمانات والعهود فقد قال صل الله عليه وسلم :" أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك "
7_ ومن صفاتهم المحافظة على الصلوات الخمس وذلك بالمواظبة عليها وتأديتها فى أوقاتها كاملة غير منقوصة على هيئتها المشروعة وكذلك الحرص على صلاة الجمعة والتبكير فى الحضور من أجل سماع الخطبة والإتعاظ بما يقوله أهل العلم
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من صفات عباد الرحمن :

الاستعاذة بالله من النار :لقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين وأولياءه المخلصين بصفات منها كما في قوله تعالى :"والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إِن عذبها كَانَ غراما إنها ساءت مستقرا ومقاماً " سورة الفرقان: الآية 65 ـ المؤمن الصادق يعلم أنه مهما عاش في الدنيا وأصاب فيها من النعيم أو البلاء , فإنه لا محالة ميت وأنه بعد الموت بعث وجزاء على ما قدم من خير أو شر , فإما إلى جنة أبدا , أو إلى نار أبدا ,فخوف المؤمن من الله تعالى حمله على تذكر الآخرة , والطمع والرجاء فيما عنده من الثواب , وأي مقام أسوأ ، وأي مستقر أقبح من جهنم التي وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون " سورة التحريم الآية 6ـ

ولقد أخبرنا النبي صل الله عليه وسلم ـ عن أقل أهل النار عذابا فقال : " إن أهون أهل النار عذابا رجل في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل بالقمقم "والقمقم ما يسخن به الماء من نحاس وغيره.و "إن أدنى أهل النار عذابا الذي له نعلان من نار يغلي منهما دماغه , ولهذا كان صل الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات الأربع بعد فراغه من التشهد وقبل أن ينتهي من صلاته :" اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال" رواه مسلم من صفات عباد الرحمن أنهم وضعوا جهنم نصب أعينهم وكأنها تريد أن تلفحهم فكان دعاؤهم كما حكي عنهم القرآن الكريم :" ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما " سورة الفرقان . ولأن كل الناس وارد عليها مار بها كما قال تعالى ": وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا " سورة مريم الآية 71 , 72 ـ

والمعنى: أن الجميع يردون النار، والورود على الشيء: المرور عليه ، فمن الناس من يمر ويدخل النار، ومنهم من يمر فوقها وينجو، نسأل الله العفو والعافية وكان أكثر دعاء النبي صل الله عليه وسلم :" ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" رواه البخاري عن أنس وكان الرسول صل الله عليه وسلم يدعو بهذه الدعوات الأربع بعد فراغه من التشهد وقبل أن ينتهي من صلاته ":اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال" رواه مسلم قوله تعالى :" إن عذابها كان غراما " سورة الفرقان أي: ملازماً، وهي مأخوذة من الغريم، والغريم هو: الإنسان الذي تستلف منه، وتتدين منه، فالعادة أنه يلازمك ولا يفارقك مطالباً بحقه ، فكأن النار - والعياذ بالله - عذابها يلازم أهل النار ملازمة الغريم لصاحبه، حتى ينجي الله عز وجل من يشاء بفضله وبرحمته سبحانه .

فلا بد للمسلم كلما تشوفت نفسه لفعل المعصية ، أو غفلة عن الله ، أو ظلم لعباده أن يذكر النار وشدتها وحرها ففي الحديث :" نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، قالوا يا رسول الله إن كانت لكافية "يعني لو كانت كنار الدنيا فهي عذاب موجع مؤلم فكيف وقد تضاعفت ؟" قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا " متفق عليه ويروى عن داوود عليه السلام ":إلهي لا صبر لي على حر شمسك فكيف أصبر على حر نارك ؟وتلقفها بعض الشعراء فقال :جسمي على الشمس ليس يقوى ــ
ولا على أهون الحرارة ـ فكيف يقوى على جحيم ـ وقودها الناس والحجارة

إن الله تعالى وصف أولي الألباب الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم بأنهم يقولون " ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار " سورة آل عمران الآية 192،191ـ فقد أخزيته أي " أهنته وذللته فالنار مع عذابها الحسي ؛ ففيها من العذاب المعنوي الكثير : الخزي والذل والهوان حينما يقال لهم " اخسئوا فيها ولا تكلمون" سورة المؤمنون الآية 108 ـ أي خزي وأي هوان أشد من هذا . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم