العمل للدنيا عبادة :

العمل للدنيا عبادة :

_ كان رسول الله صل الله عليه وسلم _ جالسا مع أصحابه ذات يوم , فنظروا إلى شاب ذى جلد وقوة _ وقدبكر يسعى _ فقالوا ويح هذا , لو كان شبابه وجلده فى سبيل الله , فقال رسول _ صل الله عليه وسلم _ " لا تقولوا هذا , فإنه إن كان يسعى على نفسه ليكفها عن المسألة , ويغنيها عن الناس فهو فى سبيل الله , وإن كان يسعى على أبوين ضعيفين , أو ذرية ضعاف ليغنيهم ويكفيهم فهو فى سبيل الله " رواه الطبرانى كان الصحابة رضى الله تعالى عنهم يرون أن أفضل الأعمال وأحبها إلى الله الجهاد بالحرب , فقد رأوا شابا قويا ودوا لو استخدم قوته فى سبيل الله فوافقهم الرسول صل الله عليه وسلم _ فى ذلك ,بيد أنه رفع العمل الدنيوى إذا سمت وسيلته وغايته إلى مرتبة الجهاد فى سبيل الله فيستحق من من يؤديه أجر المجاهدين , ويبين لأصحابه أن سبيل الله متعدد الميادين , وليس مقصورا على حمل السلاح للدفاع عن الدين والوطن , بل يشمل كل عمل شريف الغاية , مشروع الطريقة , زراعة كان أو صناعة أو تجارة , ويبين لهم أن هذا الشاب إن كان يسعى ليكسب من الرزق الحلال ما يغنيه عن سؤال الناس , ويدفع عنه الذل والمهانة فهو فى سبيل الله وإن كان يسعى ليعول أبوين أقعدهما الكبر عن الكسب فسعيه فى سبيل الله , وإن كان يسعى ليعول أولادا صغارا ليوفر لهم مطالب الحياة إلى أن يستطيعوا الكسب أو يحملوا أنفسهم فسعيه فى سبيل الله وسعى الإنسان للكسب يحقق هدف الإسلام من العمل المحقق لعزة الفرد , وكرامته بغناه وعدم احتياجه إلى سواه ومحقق لرخاء الأمة بالعمل ووفرة الإنتاج . والرسول صل الله عليه وسلم بهذا البيان الواضح قد جعل العمل جهادا فى سبيل إذا أثمر خيرا للعامل نفسه أو لمجتمعه وفى حديث آخر بشره بالمغفرة إذ يقول :" من بات كالأ من طلب الحلال بات مغفورا له " أخرجه ابن عساكر _ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فضل المال _
قال تعالى " المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا " سورة الكهف الأية 46_ وقال النبى صل الله عليه وسلم " للمجاشعى :
"إن كان لك مال فلك حسب , وإن كان لك خلق فلك مروءة, وإن كان لك دين فلك كرم"
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حسب الرجل ماله , وكرمه دينه, ومروءته خلقه. وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه : الدنيا العافيه, والشباب الصحة , والمروءة الصبر, والكرم التقوى , والحسب المال.
قال رجل لبعض الحكماء : عظنى . قال : لا يراك الله بحيث نهاك , ولا يفقدك من حيث أمرك . وقيل لحكيم : عظنى . قال : جميع المواعظ كلها منتظمة في حرف واحد ،قال : وما هو ؟ قال : تجمع على طاعة الله. فإذا أنت قد حويت المواعظ كلها.
قال لقمان لإبنه :إذا أتيت مجلس قوم ،فأرمهم بسهم السلام ، ثم أجلس ، فإن أفاضوا في ذكر الله ، فأجل سهمك مع سهامهم ، وإن أفاضوا في غير ذلك فتخل عنهم ، وانهض وقال : يا بنى ، استعذ من شرار الناس ، وكن من خيارهم على حذر .
وقال حكيم لابنه: يابنى , إني موصيك بوصية ، فإن لم تحفظ وصيتي عني ، لم تحفظها عن غيري : اتق الله ما استطعت ، وإن قدرت أن تكون اليوم خيرا ًمنك أمس ، وغدا ً خيراً منك اليوم ، فأفعل ، وإياك والطمع ، فإنه فقر حاضر ،وعليك باليأس ، فإنك لن تيأس من شئ قط ، إلا أغناك الله عنه ، واياك وما يعتذر منه ، فإنك لن تعتذر من خير أبدا ً ، وإذا عثر عاثر ، فاحمد الله أن تكون هو . يا بني َّ : خذ الخير من أهله ، ودع الشر لأهله ، وإذا قمت إلي صلاة ، فصًّل َّ صلاة مودع ، وأنت ترى أن لا تصلي بعدها أبدا ً .
وصل الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الزهد :

والزهد معناه : فراغ القلب عما سوى الله " فمن أيقن أن ما عند الله تعالى هو خير وأبقى آثر الآخرة على الدنيا , وقد مدح الله تعالى الزهد فى الدنيا وذم الرغبة فيها فى أكثر من موضع من كتابه فقال تعالى :" بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى " سورة الأعلى الآية 16 ـ 17 ـ وقال تعالى :" تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة " سورة الأنفال الآية 67 ـ ومن حديث سهل بن سعد الساعدى رضى الله عنه قال :" جاء رجل إلى النبى صل الله عليه وسلم فقال يا رسول الله دلنى على عمل إذا عملته أحبنى الله وأحبنى الناس ؟ فقال :" ازهد فى الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله ـ أصل الزهد الرضا عن الله عز وجل .
وسئل الزهرى عن الزهد ؟ فقال : من لم يغلب الحرام صبره , ولم يشغل الحلال شكره . وقال سعيد بن جبير رضى الله عنه ـ متاع الغرور ما يلهيك عن طلب الآخرة
, وما لم يلهك فليس متاع الغرور ولكنه متاع بلاغ إلى ما هو خير منه .
وقال أبو ادريس الخولانى رحمه الله ـ الزهادة فى الدنيا ليست بتحريم الحلال
ولا إضاعة المال , إنما الزهادة فى الدنيا أن تكون بما فى يد الله أوثق بما فى يدك ,
وإذا أصبت بمصيبة كنت أشد رجاء لأجرها وذخرها منها لو بقيت .
وكان عمر رضى الله عنه ـ يقول على المنبر : إن الطمع فقر , وإن اليأس غنى ,
وإن الإنسان إذا أيس من شئ استغنى عنه "

وقال بعض السلف :
يقولون لى فيك انقباض وإنما
رأوا رجلا عن مواقف الذُل أحجما
أرى الناس من داناهم هان عندهم
ومن أكرمته عزة النفس أُكرما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم - ولو عظموه فى النفوس لعُظما
ولكن أهانوه فهان ودنسوا ـ محياه بالأطماع حتى تهجما .

وقال أبو أيوب السخيتانى رحمه الله ـ لا يُقبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان :
العفة عما فى أيدى الناس , والتجاوز عما يكون منهم .
وفى الحديث عن النبى صل الله عليه وسلم ـ " من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره , وجعل فقره بين عينيه , ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له , ومن كانت الآخرة نيته جمع الله عليه أمره وجعل غناه فى قلبه , وأتته الدنيا وهى راغمة "
ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

فى حق المال :

ـ يقول الله تعالى :" يا أيها الذين أمنوا لا تأكلوا أموالكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم " سورة النساء الآية 2 ـ والآية فيها تهديد ووعيد ضمنى بأنه لايحل أن يعتدى بعض المؤمنين على أموال بعض بأن يأخذوا منها ما لايستحقون , باى وسيلة غير مشروعة , كغصب , أو سرقة , او اختلاس , أو تزوير , أو أكل بالربا , أو عن طريق الخيانة , وإنما يؤخذ ما يؤخذ منها عن طريق مشروع , وعمل مشروع كتجارة وغيرها من الصناعات والحرف بحيث يتم انتقال المال عن طريق التراض " يقول صل الله عليه وسلم :" نعم المال الصالح للرجل الصالح " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

بين العمل والعبادة :

المسلم الصادق هو من يستطيع أن يوفق بين عبادته لله تعالى , والعمل من أجل عمارة الحياة والقيام بمنافعها ومتطلباتها , ومن ثم يصبح العمل للدنيا عبادة إذا صحت النية وصدق العزم ولم يترتب على ذلك تقصيرا أواهمالا , فى بعض الواجبات والفرائض الدينية ومن ذلك الصلاة وغيرها ويبين لنا القرآن أن النعم لاتثمر ولا تدوم إلا بشكرها والمحافظة عليها , حتى يحقق الإنسان الحكمة العليا من وجوده فى الحياة , واستخلافه فى الأرض يقول تعالى :" ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون " سورة يس ـ فترك العمل واهماله عكس سنة الله فى خلقه وما جاء به الإسلام من تعاليم ووصايا , وكما فى الحديث قوله صل الله عليه وسلم :" إن من الذنوب ذنوبا لايكفرها إلا السعى على المعاش "

فالدين لا ينحصر فى أداء العباات من صلاة وصيام وزكاة وحج , بل يشمل ذلك كل عمل يقوم به المسلم يريد به وجه الله والدار الآخرة , والصالح العام للمجتمع الإسلامى والحياة الإنسانية ,
فالدين يحث أتباعه على ما تقوم به حياتهم , ولا يحتاجون فيه إلى غيرهم من تجارة وصناعة وزراعة وحرفة ومهنة , من خلال المنهج الذى جاء به الإسلام لتنظيم الحياة على أساس سليم , وكل هذا من أساسيات الدين ومبادئه فالعمل فى الإسلام مقدس له وشرفه مهما كان صغيراً , يقول تعالى :" فإذا قضيت الصلاة فانتشروا فى الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون " سورة الجمعة

فعلى المسلم أن يحرص على اقامة العبادات من فرائض وواجبات الإسلام كالصلاة وغيرها والمحافظة عليها فى أوقاتها , مع الحرص على وقت العمل وعدم اهمال حاجات الناس , فلا ينبغى أن تطغى العبادة على العمل , ولا العمل على العبادة ولابد من أدء العمل والعبادة فى توازن واتقان واخلاص يقول صل الله عليه وسلم :" إن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه " فالإسلام كمنهج حياة له أسسه ومقوماته ودوره الإيجابى الفعال فى بناء المجتمع وقيام كيانه .
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الإسلام يدعوا للعمل واحترامه :

العمل حق وهو نوع من العبادة لأن الله تعالى أمر به فى قوله تعالى :" وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " سورة التوبة الآية 15 ـ والإسلام يحث أتباعه على العمل واحترامه واتقانه عند الأداء , ليزداد معدل التنمية فى مختلف الأنشطة المهنية والصناعية والزراعية وغيرها يقول صل الله عليه وسلم :" إن الله يحب إذا عمل أحكم عملا أن يتقنه " والإنسان يكد ويتعب ليصون كرامته ويحفظ شخصيته من السقوط فى أعين الآخرين , وحتى لايعرض نفسه للمذلة والجوع والحرمان , فالإسلام يحارب البطالة فى شتى صورها , وهو يزجر القاعدين والمتكاسلين عن العمل لأنهم بذلك فقدوا عزنهم وكرامتهم , ولم يقدموا خيرا لوطنهم ولم يساهموا فى بناء جسم أمتهم والعون لغيرهم قال تعالى :" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين لكن المنافقين لا يعلمون " سورة المنافقون الآية 8 ـ

والعمل فى الإسلام واجب وشرف وكفاح لأنه وسيلة من وسائل الرزق والسعى على المعاش , ولقد كان لكل نبى أرسله الله إلى قومه عمل وحرفة أو مهنة ومن الأمثلة على ذلك سيدنا داود وسيدنا سليمان , وخاتمهم سيدنا محمد عليهم الصلوات جميعا والتسليم وكما يقول صل الله عليه وسلم ما من نبى إلا ورعى الغنم ولهذا فإن العمل يعلم الإنسان الصبر وأن يجد ويكافح فى طلب الرزق , لكى يقدر على مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها ,

, ويجب على الإنسان ألا يخجل من أى عمل يقوم ,  به مادام شريفا والغاية إليه نبيلة والأمة التى يحرص فيها أبناؤها على العمل تكون أمة متقدمه , وذلك عندما تأكل مما تزرع وتلبس مما تنسج , وتتداوى من أمراضها مما تصنع وبذلك تكون لها الريادة السيادة وأما إذا تخلفت وتأخرت عن ركب الإنسانية والحياة المتقدمة ولم تأخذ بالتمدين الصحيح عاشت فى مذلة وصارت عالة على غيرها , وهذا مما ينكره الإسلام  ولايرضاه الله تعالى لخير أمة أخرجت للناس . ـ      ـ    وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم