الوعد الصادق من أهله من (القرآن والسنة )

الوعد الصادق من أهله من القرآن والسنة :

في القرآن الكريم وعود شتى , منها ما كان للمؤمنين الصادقين بالنصر والتمكين , ومنها ما كان للضالين المنحرفين بضنك الحياة وخسران الآخرة , كما قال الله تعالى :" النار وعدها الله الذين كفروا وبئس المصير " ووعد الله عباده المؤمنين بالنصر المبين والعز والتمكين كما جاء في آيات كثيرة قال تعالى :" إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الإشهاد " وقال تعالى :" كتب الله لأغلب أنا ورسلي " وقال وان جندناهم الغالبون وقال تعالى وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لايشركون به شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " سورة النور الآية 55 ـ ( 1)

وهذا الوعد الذي ذكرته تلك الآيات الكريمات سنة مطردة يتحقق مضمونه في كل عصر ومصر , متى وجد أهله الذين قاموا بحقوقه وتوافرت فيهم شروطه , فليس هذا الوعد آمرا عارضا لأمة معينة في زمان معين , ولكنه منهج وعاقبة ومقدمة ونتيجة ووسيلة وغاية , سنة الله ولن تجد تبديلا وبشر رسول الله صل الله عليه وسلم :" بالنصر المبين والعز والتمكين رغم أنوف الأعداء والحاسدين , كما في مسند الإمام أحمد رحمه الله ـ عن أبى بن كعب قال قال رسول الله صل الله عليه وسلم :" بشر هذه الأمة بالسنا والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب " (2)

وعن أنس رضى الله عنه : عن أبي العالية أنه , قال : في هذه الآيه ظل النبي صل الله علية وسلم وأصحابه ـ نحوا من عشر سينين يدعون إلى الله وحدة وهم خائفون اى من عدوان المشركين فلما قدموا المدينة المنورة أمرهم الله تعالى بالقتال , فكانوا بها أيضا خائفين يُمسون في السلاح ويصبحون في السلاح , فصبروا على ذلك ما شاء الله ثم أن رجل من الصحابة , قال رسول الله صل الله عليه وسلم : أبد الدهر نحن خائفون هكذا ؟ أما يأتي حينا يوما نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال رسول الله صل الله عليه وسلم :" لا تصبرون إلا قليلا : اى لا تمكثون إلا قليلا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا : اى ساكنا هادئا ليس عليه حديده ثم قال أبو العالية رضي الله عنه ـ وأنزل الله هذه الآيه فأظهر سبحانه دينه على جزيرة العرب فأمن المسلمون ووضعوا السلاح . " (3)

الوعد بين الأمل واليقين :

ولقد ظل هذا الوعد منذ صدر يقينا , يملأ فؤاد النبي صل الله عليه وسلم ـ وأصحابه يعلنه عندما يرى من بني قومه من يمكن أن يؤثر فيه هذا الوعد , ويستنبت بذور الخير فيه لقد قالها النبي صل الله عليه وسلم ـ لسارقة بن مالك وهو يطارده على طريق الهجرة وقد كبا : أى وقع " به فرسه مرات ارجع يا سراقة ولك سوارى كسرى ويسمعها ويرجع , والتذكير بالوعد الحق لم يقتصر على ما ذكرت بل إن النبي صل الله عليه وسلم ـ كان إذا رأى أن هناك أمر يُلحق الوهن أو الشعور بالضعف في نفوس المسلمين سارع إلى تذكيرهم , بالوعد ليطمئن القلوب ويثبت العزائم و الأقوام . " (4)

والمراد بالاستخلاف :

هو أن تخلف هذه الأمة من سبقها من أهل السلطان والأمر في الأرض , فيصير الحكم لهم والأمر بأيديهم هم الولاة وهم الجباة وهم أصحاب السلطان يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر , ويتحاكمون إلى شرع الله ودستوره المسطر في كتابه الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه . إن هذا الوعد صدر في ظروف صعبة عاشتها الطليعة المسلمة التي سارعت للإسلام , من أول نداء ولاقت في سبيل هذا السبق الطيب ما لاقت من عنت وجهد واضطهاد وبغى , وصبرت وصابرات وتحملت أقسى ما يتحمله البشر من بلاء , وأدرك الحكيم الخبير هذه القلوب المؤمنة بهذا الوعد الحق الذي يفتح أبواب الأمل ويرد عنهم اليأس والبأس , فاستيقن بذلك الوعد المؤمنون , وسخر منه مرضى القلوب من المنافقين . " إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا " سورة الأحزاب . " (5)

وعند هذا الجانب من الوعد ذكر لهم رب العالمين ما يملأ قلوبهم يقينا به , فأشار إلى ما تحقق في التاريخ السابق من وعده لموسى عليه السلام ومن أمن به من بني إسرائيل فقال سبحانه :" كما استخلف الذين من قبلهم وذلك قوله " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا " سورة القصص
وقوله " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي بركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل فاصبروا _ عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون . " سورة الأعراف (6)

وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضي لهم , أي تكون الغلبة لأحكامه وشرائعه على كل النحل والملل فلا تكون هناك فتنة صارفة عن الدين ويكون الدين كله لله وهو أعظم ما يدخل المسرة في وجدان المؤمن الصادق , هو أن يرى بعينه نصرة الدين ورفعة كلمة الله وغلبة أهل الحق وأنه يرى فلول الباطل تولى الأدبار كما يرى العقائد الفاسدة والنحل الباطلة تتوارى خجلا من فسادها , ومن هنا كانت الحكمة البالغة أن أعاد رب العالمين أهل الكهف إلى حياة اليقظة بعد النوم الطويل ليروا بأعينهم نصرة الدين الحق الذي هاجروا من أجله فقال سبحانه : " ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا "وفى ذلك أكثر درس وأبلغ عبرة لليائسين المتكاسلين المتواكلين . " (7)

وتمكين دينهم الذي ارتضى لهم :

إن تمكين الدين والعقيدة نعمة عظيمة , ومقصد رفيع يتبعه استقرار النفوس وراحة الضمائر , والشعور بالعزة والكرامة , وليس أشهى إلى النفس ولا أمتع للقلب ولا أهنأ للروح من أن يرى المسلم أن عقيدة هي صاحبة السلطان والنفوذ في نفوس الناس أجمعين , والأمن بعد الخوف أعز مطلب للفرد والجماعة , ونعمة الأمن من أغلى النعم في حياة الإنسان , ففي ظلالها يشعر بالرضا وتغمره السكينة وتتيسر له أسباب أداء الرسالة , ويتجه نحو العمل الصالح صافى القلب ملتمسا الخير والنفع للعباد , التي كلف بها فيعبد ويقيم الحق والعدل ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويبنى ويعمر وينتج ويثمر , وللخوف آثاره السيئة تفسد العقل وتذهب بالتفكير وتجعل العيش مريرا والحياة مضطربة وليس الإيمان تصورات تتخيلها العقول وتجرى عباراتها على اللسان , إنما الإيمان عقيدة تملأ القلب و تتبعها آثارها قال تعالى إنما المؤمنون الذين أمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا أو جاهدوا وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون" سورة الحجرات . " (

ومن آثار العقيدة الدفاع عنها بالنفس , والاستهانة في سبيل نشرها بالمال , ومن آثارها العمل الصالح وليس العمل الصالح مجرد صلاة تؤدى بالحركات أو صيام يؤدى بالحرمان من اللذات أو ذكر يجرى على اللسان ألفاظا ميتة خالية من الخشية والرهبة , إنما العمل الصالح ما اشتمل على روح الجِد والإسعاد من إخلاص لله ومحبة لخير الفرد والجماعة وأداء للحقوق كاملة لله ولعباده قال تعالى :" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " سورة البينة إن أعلى العمل منزلة عند الله فضائل الأخلاق من الوفاء بالعهد والصدق في القول والشجاعة في الحق والصبر على احتمال المكارة والعدل مع االافراد بأداء حقوقهم وحب السعادة لهم وإرشادهم إلى الخير ومعاونتهم فيه . " (9)

حقيقة العمل الصالح :

ومن العمل الصالح إطاعة الفرد للجماعة , وما يفرضه الحاكم مما ليس فيه معصية للخالق , ومن العمل الصالح للحاكم توفيره الخير للرعية والدأب والسهر على مصالحها , وحيطتها من الانزلاق في الشرور والوقوع فى المعاصي والتردي في المنكرات والتهاون في الدين وارتكاب البدع والشرور , وإن قوم العمل الصالح مهما تعددت شعبه العدل , وهو مطلوب من الحكام ومطلوب من الرعية , والعدل هو إتباع الأوامر الدينية والنواميس الوضعية التي لا تتنافى مع قواعد الدين العامة وأحكامه الكلية . " (10)

وفد جاء قوله تعالى ـ:يعبدونني لا يشركون بى شيئا< هكذا يبين لنا رينا في جلاء ووضوح أن هذه الوعود بالاستخلاف وبالتمكين وبالأمن تتحقق للمؤمنين بعون الله ورعايته متى أخلصوا لله تعالى إخلاصا تاما العبادة والطاعة ومتى التزموا ما أمرهم به وابتعدوا عما نهاهم عنه وان يخلص المسلم عبادة لله لخالقه عبادة لاتشوبها شائبة من شرك أو رياء أو نقص ويأتي الوعيد الشديد لمن أشركوا في عبادتهم لله أو اتخذوا معه آلهة أخرى عبدوها من دون الله وسلكوا طريق الجحود والضلال ويبين الله تعالى سوء المصير الذي ينتظرهم فقال سبحانه :" ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ـ عن أمره خالقهم الخارجون عن وعده الناكبون عن صراطه . " (11)

ولما قصر الناس في عصرنا في امتثال الأوامر واجتناب النواهي نقص ظهورهم وساد عليهم غيرهم بحسب بعدهم عن بعض الأوامر والنواهي ولكن ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صل الله عليه وسلم انه قال لا تزل طائفة من امتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة وفى زاوية حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك وفى رواية حتى يقاتلون الدجال وفى رواية حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون وكل هذه روايات صحيحة ولا تعارض بينها . " (12)

وتختم الآيات بقوله :" وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار وبئس المصير " سورة النور ـ الله تعالى يدعوا عباده إلى إقامة الصلاة على النحو الصحيح بشروطها وواجباتها وسننها إقامة كاملة غير منقوصة وأفراده وحده بالعبادة وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة وهى الإحسان إلى المخلوقين ضعفائهم وفقرائهم , وأن يكون الرسول صل الله عليه وسلم ـ هو الأسوة والقدوة في كل ما أمر الله به ونهى عنه وتوعدت الآية الكريمة المخالفين لرسول الله صل الله عليه وسلم ـ من الذين كفروا وإنهم لا يعجزون خالقهم سبحانه بل الله قادر عليهم وسيعذبهم على ذلك أشد العذاب ولبئس المصير مآلهم جهنم يصلونها لايُقضى عليهم فيموتوا ولا يُخفف عنهم من عذابها , وقانا الله عذاب النار وسوء المصير وقادنا إلى الخير وحسن العاقبة وهدانا إلى ما يرضيه ويقربنا من عفوه ورحمته . " (13) . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من نور الكتاب :

قال تعالى " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى إرتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم آمنا يعبدوننى لايشركون بى شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " سورة النور الآية 55_ الله سبحانه وعد الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح أولا_ بالنصر المبين والعز والتمكين زغم أنوف الأعداء والحاسدين _ ثانيا _ أن يستخلفهم فى الأرض يتصرفون فيها تصرف الملوك فى ممالكهم كما استخلف بنى اسرائيل فى مصر والشام بعد إهلاك فرعون والجبارين _ ثالثا _ أن يجعل دينهم ثابت مقررا بحيث يستمرون على العمل به ويرجعون إليه فى كل ما يأتون وما يذرون _ رابعا _ أن يبدلهم من بعد الخوفهم من الأعداء أمنا بتأيدهم بالنصر والإعزاز , ولقد أنجز الله تعالى وعده هذا للمهاجرين وأظهرهم على جزيرة العرب وفتح لهم بلاد الشرق والغرب وصاروا إلى حال يخافهم كل من عداهم وبذلك رغبهم فى الطاعة العبادة " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . " (14)

انتصار المؤمنين :

_ بين معركة الحق والباطل يسير المؤمنون وهم يُدفعون , بيد الرحمن الرحيم حيث يبين لهم أن من وسائل النصر قوله تعالى : يا أيها الذين أمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون " سورة آل عمران وشعار المؤمنين كذلك وهو من أهم وسائل النصر قوله تعالى : ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " سورة آل عمران ومن وسائل النصر ترديد قوله تعالى بالدعاء : ربنا اغفر لنا ذنوبنا واسرافنا فى أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين " سورة البقرة ويسجل لنا القرآن الكريم نتيجة المعركة بكلمات من قوله تعالى : فهزموهم بإذن الله " سورة البقرة . " (15) وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم