من آثار التفريط فى حق الله عز وجل.

من أثار التفريط فى حق الله عز وجل:

إن تقصير المسلم فى حق ربه سبحانه يحرمه من عونه سبحانه وتوفيقه والعبد لا يظفر برضا الله تعالى وتوفيقه إلا إذا كان ذا صلة قوية بربه سبحانه وتتجلى هذه الصلة فى المواظبة على العبادات من الفرائض والمستحبات وترك المحرمات والمكروهات قال تعالى " إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون " سورة النحل وقال سبحانه " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين " سورة العنكبوت وعندما يفرط العبد فى أداء ما عليه سواء فى العبادات أو المعاملات وغيرها فقد قطع نفسه عن ربه وحينئذ يحرم العون والتوفيق الإلهي وهو ما جاء فى قوله تعالى " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون " سورة الزخرف والعبد إذا عصى ربه سبحانه تباعد عنه الملك الموكل به بقدر ما عصى وتدنى منه عدوه وأغش الخلق له وهو الشيطان " ( 1)

وقال بعض السلف " إذا أصبح العبد ابتدره الملك والشيطان فإذا ذكر الله وكبره وحمده وهلله طرد الملك الشيطان وتولاه وإن افتتح بغير ذلك ذهب الملك عنه وتولاه الشيطان وفى الحديث عنه صلى الله عليه وسلم " إذا خرج العبد من بيته فقال بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله فمن قال ذلك قال له الشيطان هديت ووقيت وتنحيت عنه ذلك اليوم "
وقال تعالى " إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التى كنتم توعدون " (2)

ومن أسباب التقصير أيضا ترك الواجبات حتى تكثر :

قد تؤدى كثرة الأعباء والواجبات التى كلف بها المسلم الى التفريط وترك العمل ذلك أن الإنسان فى زحمة العمل وفى إلحاح الأعباء والواجبات قد يهمل الإنسان ما عليه من أعمال بحجة ضيق الوقت كمن يؤخر الصلاة عن وقتها ويصليها جميعا إذا ما رجع الى بيته وهذا ولاشك من كبائر الذنوب وينسى الإنسان أو يتناسى أن الزاد الحقيقي حتى يخرج من كل ما هو مطلوب منه إنما يكمن فى المواظبة على الأعمال الصالحة إذ الوقت والطاقات والإمكانات كلها ملك لله وبيده سبحانه وحين يرى من العبد إقبالا عليه وتلذذ بطاعته وذكره يمتن ويتفضل عليه بالبركة فى الوقت والقوة فى الإرادة والمضاء فى العزيمة والسداد فى الرأي قال تعالى " والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم " سورة محمد ( 3)

وقال سبحانه " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شئ قدرا " سورة الطلاق إن من تعود تأجيل ما عليه من واجبات فإنها تتراكم عليه وحين يريد الخلاص منها تصبح ثقيلة أو شاقة عليه وحينئذ لا يكون منه إلا التفريط أو أدائها على غير ماهو مطلوب أو التضييع لها وعن ذلك يحذرنا الرسول صل الله عليه وسلم بقوله " بادروا بالأعمال الصالحة سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر "
وقد وعى السلف الصالح من هذه الأمة رضوان الله تعالى عليهم فحرصوا على اقتناص الفرص واغتنام العمر قبل أن يضيع وحسبنا مقالة عمر رضى الله تعالى عنه " القوة فى ألا تؤخر عمل اليوم الى الغد " ومن وعظه صل الله عليه وسلم لرجل من المسلمين بقوله " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك _ وصحتك قبل سقمك _ وغناك قبل فقرك _ وفراغك قبل شغلك _ وحياتك قبل موتك " رواه الحاكم من حديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما____ (4)

ومن أثار التفريط القلق النفسي :

إن للتفريط آثار سيئة وعواقب وخيمة مهلكة تضر بالمسلم والمسلمين بل والدعوة نفسها وهذا يدعوا المسلم أن يدرك أنه مرآة للإسلام فى كل ما يصدر عنه وأن تضيعه للوظائف العبا دية ومخالفته للأوامر الدينية لا تضره فقط بل تضر الإسلام والمسلمين بل والدعوة نفسها
ومن هذه الآثار منها ماهو خاص يضر الفرد ومنها ما هو عام يضر بالإسلام _ أولا _ من الناحية الفردية من ناحية التفريط – يصاب المسلم بسبب تفريطه بالاضطراب والقلق النفسي " ( 5)

_ ذلك أن غذاء القلب وراحة النفس وسمو الروح إنما يكون فى المواظبة والمداومة على فعل الصالحات الباقيات فمن فرط فى ذلك فقد قطع عن قلبه غذائه ودوائه ومصدر سعادته وطمأنينته وتكون النتيجة القلق والاضطراب النفسي وصدق الله العظيم إذ يقول " ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى " سورة الإسراء وقال سبحانه " ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا " سورة الجن
فاأيها المسلم طهر قلبك عند سماع القرآن _ وعند سماع الموعظة _ وعند ذكر الله تعالى _ وعند محاسبتك لنفسك " فإن لم تجد قلبك فتب الى الله من جديد إن أردت لنفسك عز الدنيا وسعادة الآخرة " (6)

ومن أسباب التقصير الغفلة عن الحاجة الى العمل الصالح :

يجب على المسلم أن يعلم أن من تمام عقيدته وصدق إيمانه أنه بحوله وقوته ضعيف وأنه بحول الله وقوته قوى وأنه لابد له لكي ينجح فى أداء دوره والقيام بواجبه فى هذه الأرض _ لابد له من عون الله وتوفيقه وتأييده ونصره وأن المواظبة والمداومة على المسارعة الى فعل الأعمال الصالحة هى التى تستجلب هذا العون وذلك النصر والتأييد يقول تعالى " وتزودوا فإن خير الزاد التقوى " سورة البقرة وقال سبحانه " يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو ذد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقى عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هى أشد وطئا وأقوم قيلا إن لك فى النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا " سورة المزمل ( 7)

وفى الحديث الذى أخرجه البخارى عنه صل الله عليه وسلم " من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما يزال عبدي يتقرب الى بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها وإن سألني لأعطيته ولئن إستعاذني لأعيذنه " ومن هنا تصبح الأعمال الصالحة سببا فى سكينة النفس وطمأنينة القلب " قال تعالى " لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما فى قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا " سورة الفتح
وقال تعالى " الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب " سورة الرعد وقال سبحانه " إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته ذادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون " سورة الأنفال فمن غفل قلبه عما قلنا فإنه ولاشك سيفرط فى ترك الأعمال الصالحة "            (

ومن أسباب التفريط ظن العبد بلوغ الكمال :

وظن بلوغ الكمال قد يكون من أسباب التفريط فى الأعمال فى الأعمال الصالحة لأن الإنسان قد ينسى نفسه وينسى أنه مهما عمل وأطاع بالليل والنهار فلن يستطيع شكر أدنى نعمة من نعم الله تعالى عليه وفى ذلك قوله صل الله عليه وسلم " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني " رواه الترمذي من حديث شداد ابن أوس رضى الله عنه ويقول عمر رضى الله تعالى عنه " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم وتزينوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه خفاياكم يؤمئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية " وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه فى الدنيا
وعن ميمون ابن مهران " لايكون العبد تقيا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه "  (9)

وهذا الحسن رحمه الله يسأله رجل قائلا :" يا أبا سعيد إنى أبيت معافى وأحب أن أقوم الليل وأعد طهوري فما بالى لا أقوم ؟ فقال ذنوبك قيدتك
وهذا الثوري رحمه الله يقول " حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل وماداك الذنب قال : رأيت رجلا يبكى فقلت فى نفسى هذا مراء
وهذا أبو سليمان الداراني يقول " لا تفوت أحدا صلاة الجماعة الا بذنب "
وهذا عابد عالم يقول " كم من أكلة منعت قيام ليلة وكم من نظرة منعت قرأة سورة وإن العبد ليأكل أكلة أو يفعل فعلة فيحرم بها قيام سنة " والمقصود بذلك أكل الحرام وفعل المنكر _ وكما أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فكذالك الفحشاء تنهى عن الصلاة وسائر الخيرات وإن المعاصي تمنع العبد من فعل طاعات كثيرة وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرض طويل منعته من عدة أكلات أطيب منها " (10)

ومن أسباب التفريط عدم إدراك قيمة النعم وسبيل الدوام :

وذلك ...أن من لم يدرك أن نعم الله على العباد الظاهر منها والباطن والمعلوم منها وغير المعلوم شئ لا يعد ولا يحصى قال تعالى " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار " سورة إبراهيم
وقال تعالى " وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنه " ومن غفل عن دوام هذه النعم إنما يكون بالشكر قال تعالى " لئن شكرتم لأزيدنكم " ومن الشكر المواظبة على عمل اليوم والليلة من العبادات والطاعات ومن لم يدرك هذا كله وغفل عنه فإنه يقع منه لا محالة فى التفريط فى عمل اليوم والليلة وصدق الله تعالى " فاذكروني أذكركم واشكروا لى ولا تكفرون "
والله سبحانه وتعالى يذكر من يذكره ويزيد من يشكره ويعذب من كفره
وقال سبحانه " فاذكروني أذكركم " اذكروني فيما أوجبت لكم على نفسى قاله الحسن رحمه الله وقال سعيد بن جبير:" اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي وفى رواية برحمتي " ( 11)

ومن آثار التفريط أيضا :

التوسع فى تعاطي  المباحات من الطعام والشراب فإنها أسلس كل بلية وفى نصيحة من الشيطان جاءت من غير قصد منه لنبي الله يحيى عليه السلام أنه رأي الشيطان يوما وعليه مصائد فقال ما هذا قال هذه مصائد أصطاد بها بنو آدم فقال له يحيى وهل لى فيها شئ قال له لا إلا إن شبعت ثقلناك عن الذكر وعن الصلاة فقال يحيى عليه السلام والله لا أشبع بعد هذا اليوم فقال الشيطان وأنا لا أنصح أحدا بعد هذا اليوم أبدا "
وصدق رسول الله صل الله عليه وسلم " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه " والإكثار من الطعام والشراب يؤدى الى التكاسل عن الطاعة فقد ورد أن من أكل كثيرا نام كثيرا وحرم من خير كثير  
وقال عيسى عليه السلام للحوارين " لا تأكلوا كثيرا فتقسوا قلوبكم "
وقال لقمان الحكيم رضى الله تعالى عنه " إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة  ولهذا يستحب للصائم ألا يكثر من تناول الطعام  فى الإفطار أو السحور" (12)
   وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من أسباب التقصير ومعوقات العمل :

الفتور والكسل فكثيرا ما يجد المسلم اقبالا من نفسه , على الطاعات وينشط لأدائها
ثم سرعان ما تزول هذه الهمة وتخبوا جذوته , ويصاب بفتور ويضعف اقباله على العبادة الطاعة وقد بين الرسول صل الله عليه وسلم وأرشد إلى الحذر من هذه الآفه بقوله :" لكل عمل شرة , لكل شرة فترة " الشرة القوة والنشاط , والفترة الكسل والضعف
والإسلام يعالج هذا الفتور بسلوك منهج الوسطية والحرص على العمل القليل مع المداومة عليه يقول صل الله عليه وسلم :" أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل " ويقول صل الله عليه وسلم :" عليكم من العمل بما تطيقون فو الله لا يمل الله حتى تملوا " رواه البخارى  ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  ( 13)

من أسباب التقصير العجز والكسل :

العجز والكسل من الصفات النفسية  المرذولة , التى إذا سيطرت على المسلم ضعفت همته وتلاشى عنه الإحساس والشعور بالمسئولية , وحطم طموحه وبدد آماله وأوقعه فى مهاوى الإحباط والفشل , ومما يساعد على كذلك على انتشار هذه الآفة مصاحبة قرناء السوء من العابثين والفاسدين وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم يتعوذ من هذا الداء العضال فيقول :" اللهم إن أعوذ بك من الهم والحزن , وأعوذ بك من العجز والكسل , وأعوذ بك من الجبن والبخل , وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال "
  وكما قيل : لم أر فى عيوب الناس عيبا ـ كنقص القادرين على التمام .  
                    ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 14 )

من أسباب التقصير اضاعة الوقت :

كثيرا من الناس يُضيعون أوقاتهم فى كثرة الزيارات , والمحادثات والنقاشات غير المفيدة , ومنهم من يستغرق وقته فى اللهو واللعب والسمر فى غير المفيد ولهذا كان من الآفات التى ينبغى على المسلم تجنبها , اضاعة الوقت سدى ـ الإنشغال بالتوافه
الجدل فى غير طائل وكما فى الحديث الذى أخرجه الحاكم يقول صل الله عليه وسلم :" لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيما أفناه , وعن شبابه فيما أبلاه , وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن علمه فيما عمل فيه "
ولهذا أقسم القرآن الكريم بالوقت لأهميته وعظيم قيمته فى صياغة الشخصية وصنع الحضارة , فالوقت من أنفس ما يجب على المسلم الإهتمام به , ومع ذلك سهل ضياعه . ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 15 )

ومن أسباب التقصير التسويف والأمانى :

الله سبحلنه وتعالى أمر المسلم بالحق ليقضى على الباطل , وحثه على فعل الخير ليبتعد عن الشر , التسويف والتمنى على الله تعالى من غير عمل مما يبعثان فى نفس المسلم بلادة الحس وعدم المبالاة مما يجعله يقول سوف أفعل كذا وكذا حتى يعاجله الشيب , ويعاجله الأجل , ويفجأه الموت ولم يصنع لله شيئا , سوى ركوب قطار الأمانى وهو مركب لانهاية له وكما قيل : إذا تمنيت بيت الليل مغتبطا
إن المنى رأس أموال المفاليس .
ويقول النبى صل الله عليه وسلم :" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانى " من حديث شداد بن أوس رضى الله عنه عند الترمذى . ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 16)

ومن أسباب التفريط الصحبة السيئة :

رفقاء السوء موجودون فى كل نواحى الحياة , ومصاحبتهم من أسباب عدم التوفيق والنهوض وحرمان نجاح المسلم فى أداء رسالته وما كلف به , فمجالسة ذوى الخسة والطباع السيئة من الهابطين والعاطلين مما يوثر على سلوك المسلم وأعماله , لأن الطبع لص يسرق الخير والشر , ولهذا حذرنا الإسلام من مصاحبة الأشرار وحثنا على مصاحبة الأخيار فى قوله صل الله عليه وسلم :" مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير ... إلخ الحديث رواه البخارى

 وكما قيل : لاتجلس إلى أهل الدنايا
                                                        فإن خلائق السفهاء تُعدى
فعلى المسلم أن يحرص على ارضاء ربه , وأن يبر والديه , ويعمل من أجل نفع نفسه ورفعة أمته ومجتمعه الذى من حوله . والله للساعين خير معين
                                     فعليك بذر الحب لا قطف الجنى .
                             ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم  ( 17 )

تركك لمحاسبة نفسك :

كما في حديث أبي يعلى شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صل الله عليه وسلم قال :" الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني "رواه الترمذي وقال حديث حسن قال الترمذي وغيره من أهل العلم معنى دان نفسه : أي حاسبها.
الكيس أي العاقل من دان نفسه أي حاسبها ومنعها مستلذاتها وشهواتها التي فيها هلاك دينها وعمل لما بعد الموت من القبر وما بعده صالح العمل المؤنس له في الوحدة والوحشة .
والعاجز أي التارك لما وجب عمله بالتسويف من اتبع نفسه هواها أي جعلها تابعة لما تهواه مؤثرة لشهواتها معرضة عن صالح الأعمال لكونه على خلاف ما تدعو اليه النفس. ( 18)

و تمنى على الله الأماني : أي تمني على الله الفوز في الآخرة من غير تحصل عمل , فالحاصل أن الحزم الإتيان بواجب العبودية من أداء الخدمة ومحاسبة النفس حذر مجاوزة الحدود وعدم الالتفات الى ذلك بالقلب والركون اليه بل يكون اعتماده مع ذلك على فضل الله مولاه سبحانه، وأما ترك أداء مقام العبودية فذلك من رعونات النفس الخفية، لاسيما إن أوقعها في ميدان شهوتها الذي فيه هلاكها ومحقها عياذاً بالله. فليحرص كل مسلم على إعادة ترتيب حساباته من جديدٍ؛ لتكون وفق مراد الله تعالى ومراد رسوله صل الله عليه وسلم ؛ وذلك حتى لا يضيعَ عمره سُدى، ثم يكتشف في نهاية المطاف عياذاً بالله؛ أنه كان من الذين يتمنوا على اللهِ الأمانيّ؛؛". موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 19)

أسباب التفريط :

ترك ذكر الموت :الحياة الدنيا ليست نهاية المطاف,ولا نهاية الرحلة على كوكب الأرض , بل وراءها يوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت , يوما يجعل الولدان شيبا , ولهذا وجب علينا أن ندخر لهذا اليوم من الأعمال الصالحة كما في حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صل الله عليه وسلم قال :" الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك " رواه البخاري . يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "ما اجتمع لامرئ أمله ، إلا وسعى في تفريطه أجله " كان الربيع بن خثيم يتجهز لتلك الليلة، ويروى أنه حفر في بيته حفرة فكان إذا وجد في قلبه قساوة دخل فيها، وكان يمثل نفسه أنه يقد مات وندم وسأل الرجعة فيقول :" رب ارجعون , لعلى أعمل صالحا فيما تركت " سورة المؤمنون الآية : 99ـ 100 ـ ، ثم يجيب نفسه فيقول: قد رجعت يا ربيع فيرى فيه ذلك أياماً، أي يرى فيه العبادة والاجتهاد والخوف والوجل.". . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي  ـ وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (20)

ومن آثار التفريط :

الذي لا يتعظ بما يري ويسمع لا خير فيه:

وحول هذا المعني روى أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أم سلمة رضي الله عنها-: "إذا أحبَّ الله عبداً جعل له واعظًا من نفسِه، وزاجراً من قلبِه، يأمره وينهاه"قال الحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء": أخرجه أبو منصور الديلمي في "مسند الفردوس" من حديث أم سلمة بإسناد حسن بلفظ "إذا أراد الله بعبد خيرا".الذي لا يتعظ بما يرى لن تعظ أبداً بما يسمع وصدق الله تعالى حيث :" ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم , ولو أسمعهم لتولواْ وهم معرضون " سورة الأنفال الآية23ـ والمعني :ولو علم الله في هؤلاء خيراً لأسمعهم مواعظ القرآن وعبره حتى يعقلوا عن الله عز وجل حججه وبراهينه، ولكنه علم أنه لا خير فيهم وأنهم لا يؤمنون، ولو أسمعهم -على الفرض والتقدير- لتولَّوا عن الإيمان قصداً وعناداً بعد فهمهم له، وهم معرضون عنه، لا التفات لهم إلى الحق بوجه من الوجوه.اهـ تفسير الميسر.(21)

فهؤلاء من الذين طال عليهم الأمد، فقست قلوبهم،قال تعالى:" ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا من الذين أوتوا الكتاب فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون "سورة الحديد : الآية 16ـ ألم يحن الوقت للذين صدَّقوا الله ورسوله واتَّبَعوا هديه، أن تلين قلوبهم عند ذكر الله وسماع القرآن، ولا يكونوا في قسوة القلوب كالذين أوتوا الكتاب من قبلهم- من اليهود والنصارى- الذين طال عليهم الزمان فبدَّلوا كلام الله، فقست قلوبهم، وكثير منهم خارجون عن طاعة الله؟ وفي الآية الحث على الرقة والخشوع لله سبحانه عند سماع ما أنزله من الكتاب والحكمة، والحذر من التشبه باليهود والنصارى، في قسوة قلوبهم، وخروجهم عن طاعة الله .الميسر. (22)

. فعندما نتحدث مع قوم ونكثر عليهم المواعظ ولا يستفيدوا بما نقول فهذا يعني أنهم قست قلوبهم فلم يعد تنفعهم الموعظة ,وهذا لا يجعل المسلم ترك الواعظ لأهل زمانه فقد ذكر لنا القرآن صفة قوم سلكوا هذا المسلك في قوله تعالى :" وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون" سورة الأعراف : الآية 164ـ واذكر أيها الرسول- إذ قالت جماعة منهم لجماعة أخرى كانت تعظ المعتدين في يوم السبت، وتنهاهم عن معصية الله فيه: لِمَ تعظون قوماً الله مهلكهم في الدنيا بمعصيتهم إياه أو معذبهم عذابا شديدًا في الآخرة؟ قال الذين كانوا ينهَوْنهم عن معصية الله: نَعِظهم وننهاهم لِنُعْذَر فيهم، ونؤدي فرض الله علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورجاء أن يتقوا الله، فيخافوه، ويتوبوا من معصيتهم ربهم وتعذِّيهم على ما حرَّم عليهم.الميسر.(23)

اللبيب يوعظ بالإشارة، فهو سريع الفهم، سريع المنطق، سريع الهداية، والسعيد قلبه يقظ ، والشقي مات قلبه، بعد أن مرض قلبه، قال تعالى :" في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم "سورة البقرة , إذا أراد الله بعبد خيراً، جعل له واعظًا من قلبه، لا يحتاج كل منا، إلى شخص يسير بجواره لكي يعرفه حق الله تعالى ، وحق العباد، العظات تعمل على تجديد الإيمان, .الذي لا يتعظ بما يرى، لن يتعظ بما يسمع، الذي يشاهد كل يوم من يموت صغيرا كان أو كبيرا، وهو لم يتأثر ولم يتغير ليس في حاجة إلى أن أقول له اتعظ من هذا.فإذا حملت إلى القبور جنازة ... فاعلم بأنك بعدها محمول من لم يتعظ بما يرى من تغير أحوال الناس، لن يتعظ بكل ما يستمع إليه من عظات .(24)

وعندما جلس هارون الرشيد رحمه الله تعالى على كرسي الإمارة، قال هارون الرشيد لبهلول المجنون : عظني ..قال : يا هارون ، لو دامت لغيرك ما وصلت إليك ..قال : زدني ..قال : يا هارون ، تلك قصورهم ، وهذه قبورهم ..قال : زدني ..قال : كفى بالموت واعظا يا هارون ..فبكى هارون ثم قال: أعليك دين فنقضيه عنك ؟قال: يقضيه عني من هو أقدر على قضائه منك..قال: فإنه قد أمرنا أن تجرى عليك جراية..فقال بهلول: لا تفعل يا أمير المؤمنين .. لا يعطيك وينساني؛؛ ,هذه هي العظة،أن يتعظ الإنسان بكلام بسيط ، خارج من القلب، ليصل إلى القلب، ويستقرّ في المسامع، وليستقر في الوجدان وصدق الله تعالى إذ يقول:" قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثني وثلاث ورباع ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة " سورة سبأ: الآية 46ـ" ( 25)