برا لوالدين عبادة دينية وضرورة اجتماعية:

برا لوالدين عبادة دينية وضرورة اجتماعية


جاء التشريع  الاسلامى بما يصون حياتنا الاجتماعية من الهدم وتدمير العلاقات العائلية وتقطيع ما أمر الله به إن يوصل جاء بالهدى والنور والحكمة وعلمنا ما لم نكن نعلم ففي باب الحقوق والواجبات الاجتماعية قرر أن للولد حق وعليه واجب وان للإباء واجبات وعليهم حقوق هذه الحقوق هي الأساس المتين في بناء الأسرة وأحكام أو أصر العلاقات بين أفرادها وقد بين لنا الإسلام من الآداب الاجتماعية ما يسمو بها إلى اعلي المراتب الروحية ويشد من أزرها برباط من الخلق القويم ويعينها على مواجهة الشدائد ويكفل لها ما يستطاع من السعادة في هذا العام الذي طغت فيه الأثرة والأنانية  والنفعية وسار إنكار  الحقوق والتنكر لذوى المنة والمعروف هو السائد فى علاقتنا العامة وخاصة عند معاملة الوالدين  فالله جل شأنه يقول في كتابه العزيز وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك البر احدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولانتهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهنا جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغير ربكم اعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فانه كان للأوابين غفورا"سورة الإسراء"
ففي حياتنا الاجتماعية نجد شباب من الجنسين ينسون آبائهم وأمهاتهم فلا يلتقون بيهم إلا في أعياد الميلاد المزعومة أو بين آماد متطاولة فإذا كبر الآباء والأمهات لم يجدوا صدورا مفتوحة ولا دورا تآوى؟ وإذا وجدوا مأوي فمع تبرم وعلي ضيق والى حين حيث إن ملاجئ العجزة أو بيوت المسنين بالتعبير الحديث أولي بهم حيث  ينتقلون إليها ريثما ينتقلون إلى القبور.ما الذي حدث لنا؟
               وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة (1)

فضل الوالدين

لقد كان الوالدان في مجتمعاتنا بركة يخرج المرء إلى عمله وهو مطمئن إن والديه قد دعوا الله له فإذا عاد إلى بيته كان السؤال عنهما أول ما يعنيه ثم يلتفت بعد ذلك إلي زوجته وأولاده .
إن حياتنا تغيرت كثيرا ولكن إلى "أسوأ"ووصايا القرآن والسنة تقرن بين عبادة الله وبر الوالدين في أكثر من موضع كما سنبين والسبب في ذلك:أن نعماء الوالدين تنهمر علي ولديهما وهو في مراحل ضعف الإدراك وقلة الوعي سواء كان طفلا أو صبيا أو مراهقا حتى إن الطفل أو الصبي يحس أن ذلك الإنعام والاهتمام يجئ إليه تلقائيا من جهة ملزمة به ليست لها بعد ذلك حقوق عنده حتى أن البعض يقول لأبيه عندما يكبر أنت لست صاحب فضل وان ما قدمته لي واجب عليك,والأخر يقول لأبيه الذي لم يستطع تلبية مطالبه الكبيرة إذا كنتم لم تستطيعون توفير مطالبنا فلماذا أنجبتمونا.......................كذلك كما يصنع الناس مع ربهم"أنهم يحسبون طعامهم وكسائهم ونمائهم وعافيتهم وكل ما يقيم حياتهم شيئا جاء من الهواء أو من مجهول لا يريد أن يعرف"ومن ثم فقلما يحسون الشكر العميق على ما يصبحون من أعطية الله وأفضاله وقد شاء الله أن يلفت نظر الأبناء إلى فضل بر الوالدين فقد تحمل كثيرا في تربيتهم .

وتنشئتهم وتعب كثيرا في سبيل راحتهم واسعادهم وهو سبحانه في الوقت نفسه يلفت الأنظار إلى حقه الأكبر وامتنانه الأعظم فهو خالق الوالد وما ولد, والكون وما حوي.قال تعالي:" وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا......................سورة الإسراء.
فهل يكون الجزاء بعد قوة الولد وضعف الوالد أن يستقل الشاب ببيت يروى فيه من اللذة ويذهب الوالدان إلى ملجأ للعجزة تخيم عليه العزلة ونذر الفناء.
وفى أدبنا القديم الوالد يشكو عقوق ولده الذي تنكر له يقول:
"غزوتك مولودا وعلتك يافعا       ـ         تعل بما أسدى إليك وتنهل
إذا ليله نباتك بالشجو لم أبت       ـ             لبلواك إلا ساهرا أتململ
فلما بلغت السن والغاية التي       ـ              إليها مداي مكنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة       ـ             كأنك أنت المنعم التفضل
فليتك إذا لم ترع حق ابوتى        ـ              فعلت كما الجار المجاور يفعل"
  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (2)

فى حقوق الآباء

ولاشك إن بيوت المسنين أو ملاجئ العجزة أفضل من هذا المصير المؤلم أو من هذا العقوق القبيح.لماذا لا تكون مظلة الوفاء والتراحم مخيمة علي على بيوتنا   مؤدين تحتها حق الله وحق الوالدين.
روي البخاري عنه "صل الله عليه وسلم":ما من مسلم له والدان يصبح إليهما محتسبا إلا فتح الله له بابين وان كان واحد فواحد,وان غضب احدهما لم يرضى الله عنه حتى يرضي قيل وان ظلماه؟قال:وان ظلماه"
وروى الحاكم أن النبي "صل الله عليه وسلم"كل الذنوب يؤخر الله ما شاء إلى  يوم القيامة إلا عقوق الوالدين فان الله بعجله لصاحبه  في الحياة قبل الممات "
وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال جاء رجل إلى رسول الله صل الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك ؟قال نعم :قال ففيهما فجاهد وفى رواية أخرى أقبل رجل إلى رسول الله صل الله عليه وسلم  فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغى الآجر من الله ؟قال فهل من والداك أحد حي ؟ قال نعم بل كلاهما حي قال أتبتغى الآجر من الله ؟ قال نعم ؟ قال فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما  
وفى رواية أخرى عن معاوية بن جاهمه أن حاهمه جاء إلى النبي صل الله عليه وسلم فقال يا رسول الله صل الله علبه وسلم أردت أن أغزو وقد جئت أستشيرك ؟ فقال  هل لك أم ؟ قال نعم ؟  قال فألزمها فان الجنة عند رجلها وقد جاء في بعض الآثار أن الجنة تحت أقدام الأمهات "
      وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(3)

فضل الوالدين وبر الأم

إن للام منزلة كبيرة في الإسلام فقد أعلى من شأنها ورفع من منزلتها وحافظ على طهرها وشرفها فاللام باع طويلة في بناء المجتمع وقيامه على أسس قوية متينة فعندما ترعى الأم أولادها وتتولاهم بالتربية الصحيحة وتنشئهم على الأخلاق والصفات الحميدة فان ذلك سيكون له أثره الكبير في تواجد مجتمع فاضل متماسك والأم تتعب من أجل راحة أبنائها وتشقى من أجل سعادتهم ويكفيها ما تعانيه في مدة الحمل والولادة والرضاع فلا أقل من طاعة الابناءوالبنات للوالدين وبخاصة الأم ولعذا كله فقد كرم القران الكريم الأم وخصها بالذكرفى أكثر من آية وأمر بالإحسان إليها والطاعة لها والحرص على رضاها فإذا كان الإحسان والتكريم والطاعة للوالدين معا أمر واجب فان طاعة الأم أمر أمر أوجب حتى يحظى الإنسان برضا ربه وفى الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صل الله عليه وسلم رضا الرب في رضا الوالد وسخط الرب في سخط الوالد "

يقول الله تعالى ـ:" ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أشكر لي ولوالديك إلى المصير وان جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا سوة لقمان وفى القرأن الكريم آيات كثيرة أمر الله تعالى فيها ببر الوالدين وخاصة الأم فقد تعبت كثيرا فى حمل الانسان ووضعه ورضاعه وفطامه والسهر عليه فى مرضه وقد جاء رجل الى رسول الله صل الله عليه وسلم فقال يا رسول الله هل بقى على من بر والدى شي بعد موتهما أبرهما به ؟ قال : نعم , خصال أربع : الصلاة عليهما , و الاستغفار لهما و ا نفاذ عهد هما بعد وفاتهما , وإكرام صد يقهما , وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما.وعن أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صل الله عليه وسلم قال : إذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاثة  : "صدقة جارية , أو علم ينتفع به , أو ولد صالح يدعو له , فالوالدين ينبغي أن نبرهما حتى بعد الموت " وفى الصحيحين أن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما قالت : " قدمت على أمي وهى مشركة فاستفتيت رسول الله صل الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله قدمت على أمي وهى راغبة . أفاصل أمي ؟ قال : نعم . صلى أمك , فأنزل الله : "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من ديركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين "  
 وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(4)

أمور ليست من البر
كما جاء في الحديث أن امرأة كانت تحت رجل فمرض أبوها فطلبت من زوجها أن تقوم بتمريضه فمنعها فشكت ذلك للنبي صل الله عليه وسلم فقال لها : اتقى الله واطيعى زوجك , فمات أبوها فطلبت من زوجها أن تقوم على جنازته فرفض فشكت ذلك للنبي فقال لها اتقى الله واطيعى زوجك .
والحديث ليس من رواة الصحاح وهو يمنع حق المرأة التي قال لها النبي صل الله عليه وسلم : إن الله تعالى قد إذن لكن أن تخرجن لقضاء حوائجكن : وهذا الحديث يرخص الوفاء بحق الوالدين ويقطع ما أمر الله به أن يوصل
فهو حديث موضوع لم يصح سند ولا معنى ويخالف الاحديث التي تحض على صلة الأرحام وخاصة الأبوين
أن بيوتنا لا تقوم ولا تصلح إلا بتقوى الله وحسن الخلق ولا بد من هنات تقع وأخطاء ترتكب , والتغلب على الأزمات العارضة يحتاج الى لباقة وذكاء .......
وذاك سر ما روى عن مالك ابن أنس أن رجلا جاء شاكيا يقول أمرني أبى , ونهتني أمي , فما أفعل ؟ قال له :

أطع أباك ولا تعص أمك ......!
** وذهب أب غاضب الى أحد الأئمة يقول له : مر ابني فليطلق امرأته ! قال له الإمام : لماذا ؟ قال : أكرهما .
قال الإمام : كراهيتك لها لا تبيح طلاقها ! فقال الرجل : ألم يأمر الرسول عبد الله بن عمر أن يطلق امرأته لان أباه يكرهها ؟ فقال الإمام : عندما تكون في دين عمر الإمام وتقواه وعدالته أكلف ابنك بما تريد !
وهناك أمور ليست من البر في شي عندما تريد الحماة أن تبسط سلطانها على الزواج وزوجته والزوجة التي
تريد أن تستأثر بزوجها على أمه وأبيه
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(5)

الخاتمة
ومما يجب أن نفهمه أن الإحسان بالوالدين الذي أمرنا به في دين الفطرة هو أن نكون في غاية الأدب مع الوالدين
في القول والعمل بحسب العرف حتى يكونا مغلوطين بنا وأن نكفيهما أمر ما يحتاجان إليه من الأمور المشروعة المعروفة بحسب استطاعتنا ولا يدخل في البر والإحسان شي من سلب حريتنا واستقلالنا في شئوننا الشخصية والمنزلية ولا في أعمالنا التي هي خاصة بنا .

< وأخيرا إذا أردت أن تكون بارا فعليك ....... >
(1) : أن تطيع والديك في كل الأمور إلا معصية الله .
(2) : أن تقبل يد يهما صباحا ومساء وفى المناسبات .
(3) : أن تخاطبهما بلطف وأدب .
(4) : أن تعطيهم ما يطلبان .
(5) : أن تشاورهم في الأمور كلها .
(6 ) : أن تكثر من الدعاء والاستغفار لهما ..
(7) : عدم الخروج من المنزل إلا بإذنهما .
( : عدم إزعاجهما أثناء نومهما .

(9) : عدم الضحك أمامهما بدون سبب      .
(10) : عدم تناول الطعام قبلهما              .
(11) : عدم مصاحبة إنسان لا يرضيان عنه    .
(12) : التواضع لهما  .
(13) : الأنفاق عليهما خاصة عند الكبر         .
(14) : عدم رفع الصوت أمامهما                .
(15) : عدم مقاطعتهما في الكلام                .
(16) : أن تنهض لهما إذا دخلا عليك          .
(17) : تقديمهما في الدخول والمشي والجلوس  .
(18) : عدم تفضيل الزوجة والولد عليهما       .

**** فعلينا أن نعلم لنحذر رذائل الحضارة الحديثة وما تحمله إلينا من غزو فكري ومادي قد استهدفت حياتنا الاجتماعية وقد وصلت الى حد بعيد الى تدمير العلاقات الأسرية, وتقطيع ما أمر الله به أن يوصل , علينا أن نحرص كل الحرص على الإحسان الى الوالدين وأن نرحم شيخوختهما . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صفحة(6)