من هدي القرآن في تفسير سورة العلق :

من هدي القرآن في تفسير سورة العلق :

مقدمة :

سورة العلق سورة مكية وعدد آياتها  19 ـ آية , وهي أول ما نزل من القرآن الكريم , وهي تتحدث مع رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وما أنزل الله تعالى عليه من الوحي الأعلى بواسطة أمين السماء جبريل عليه السلام  , وهو يدعوا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ إلى قراءة آيات  الله ويذكره بذلك المرة تلو المرة , ليبين ربنا سبحانه للمشككين والمغرضين , الذين يقولون بأن محمد ( صل الله عليه وسلم ) هو الذي كتب هذا القرآن وجمعه , والحقيقة التي يعلموها خلاف ذلك أن الرسول صل الله عليه وسلم ـ ما كان يقرأ ولا يكتب وهذه معجزة وآية تدل على صدق هذا النبي الأكرم صل الله عليه وسلم ـ فقد قال الله عن نبيه صل الله عليه وسلم :" وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون " سورة العنكبوت الآية 48 ـ فالأمية شرف في حق نبينا صل الله عليه وسلم  عيب في حقه غيره ,

فالقراءة والكتابة من النعم التي يجب على الإنسان أن يشكر ربه عليها , فالله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأخرجه من الظلمات إلى النور وعلمه ما لم يكن يعلم , ولمنزلة العلم وفضله فقد كان رسول الله صل الله وسلم ـ يجعل فداء الرجل من أهل الشرك أن يُعلم عشرة من المسلمين كم حدث عند غزوة بدر , ومع هذه النعم التي يتقلب فيها العبد في ليله ونهاره وظعنه وأسفاره , فإنه لم يشكر ربه في ذلك بل جحد واستكبر وتجبر وطغي , وقد نسي هذا الظالم الطاغي , أن مصيره ومرجعه إلى الذي خلقه ولن يفلت من عذابه وعقابه , وهو الذي تمادى في الصد عن سبيل الله حيث يقف بالمرصاد لأهل الصلاة ويمنعهم من أدائها , ألم يعلم أنه بهذا الفعل واعتدائه على أهل الاستقامة يُحارب ربه ويُبارزه بالمعاصي , ومن كان ذلك صنيعه فقد أعلمه الله بشدة العذاب والنكال الذي يُلاحقه في الدنيا والآخرة , ولن يستطيع أن ينال أهل الإيمان بسوء , ماداموا على طريق الاستقامة , ويتقربوا إلى الله بالطاعات ."

ميلاد للإنسان جديد وتحول في التاريخ عجيب :

بسم الله الرحمن الرحيم قال تعالى :" اقرأ باسم ربك الذي خلق , خلق الإنسان من علق , اقرأ وربك الأكرم , الذي علم بالقلم , علم الإنسان ما لم يعلم , كلا إن الإنسان ليطغي , أن رآه استغني , إن إلى ربك الرجعى , أرأيت الذي ينهي , عبدا إذا صلي , أرأيت إن كان على الهدي , أو أمر بالتقوى , أرأيت إن كذب وتولى , ألم يعلم بأن الله يري , كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية , ناصية كاذبة خاطئة , فليدع ناديه , سندع الزبانية , كلا لاتُطعه واسجد واقترب ." سورة العلق .

معاني الكلمات :

قوله : من علق : القطعة من الدم الغليظ ـ الأكرم : العظيم الكرم ـ كلا : زجر لمن كفر وطغي ـ إن الإنسان ليطغي : ليتجاوز حَده في الطغيان والكفر وقد نزلت هي وما بعدها في أبي جهل فرعون الأمة المحمدية لعنه الله وفي كل فرعون .
أن رآه استغني : أي رأي نفسه استغني بماله عن الإيمان بالله تعالى .
أرأيت الذي ينهي عبدا إذا صلي : والعبد هو سيدنا محمد صل الله عليه وسلم .
والذي ينهي : هو أبو جهل لعنه الله : يفعل ذلك برسول الله صل الله عليه وسلم ـ وهو الذي ينشر الهدي ويأمر بالتقوى .
أرأيت إن كذب وتولى : أي كفر بالدين وأعرض عنه وصد الناس عن الدخول فيه .
ألم يعلم بأن الله يري : أي يراه وهو ينهي محمداً عبد الله ورسوله صل الله عليه وسلم ـ عن الصلاة , ويصد الناس عن الدين ويُكذب ويُعرض , وأن الله محاسبه ومُجازيه .

كلا : ردع للناهي عن قبيح الأفعال والأقوال ـ لئن لم ينته : عن التعرض بالإيذاء لرسول الله صل الله عليه وسلم ـ لنسفعا بالناصية : السفع هو القبض على الشئ وجذبه , والناصية شعر مُقدم الرأس , والمعني : لنقبضن عليه من شعر مقدم رأسه ولنسحبنه إلى النار .
ناصية كاذبة خاطئة : والمراد صاحب الناصية لأنه كاذب في اغتراره بماله , وإنكاره الدين الحق وخاطيٌ في تعمده المعصية .
ناديه : أهل ناديهُ وهم أعوانه على الطغيان ـ الزبانية : هم ملائكة جهنم لإهلاكه .
كلا : ردع لأبي جهل لطغيانه ـ اسجد : صل ـ واقترب : تقرب إلى الله بالطاعات .

البيان العام :

الآيات الخمس الأولي هي أول ما نزل من القرآن الكريم على رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وهو حادث له دلالته كحقيقة كبري لها أعظم الأثر في حياة البشرية , إنه حادث عظيم في ذاته لأن الله تعالى من عليائه يرفق بالإنسان الذي تمرغ في الجاهلية والفساد والشر فيرحمه ويُكرمه وذلك باصطفاء واحد من بني الإنسان ويرسله رحمة للعالمين , وبذلك يتحقق الأثر الأعظم في حياة البشرية حيث يتغير به خط التاريخ البشري , ويتحول الضمير الإنساني إلى رب العالمين ليلتقي منه دون غيره .
ـ وفى المقطع الأول من السورة , إلى أن يكون كل عمل , وكل أمر , وكل حركة , وكل خطوة , وكل كلمة , يتحرك الإنسان من خلالها , يجب أن تبدأ بسم الله وأن تتجه إلى الله , وان تصير إليه , وأن الله هو الذي خلق , وهو الذي علم , فمنه البدء والنشأة ومنه التعليم والمعرفة ومنه العلم ومنه التعلم ـ علم الإنسان ما لم يعلم ".

ـ قتل الإنسان ما أكفره , فقد خلقه الله تعالى في أحسن صورة , وكرمه بالعقل , والفطرة السليمة , وأرسل إليه الرسل هُداة ومصلحين , وعلمه ما لم يكن يعلم , والقلة هي المؤمنة الشاكرة لنعمه , والكثرة هي الباغية الكافرة حيث طغت واستغنت بمالها وهو من رزق الله , عن الإيمان بالله , ثم هي تُحارب دعوة الله في الأرض , وتجور وتستغل وتتحكم .
ـ ويأتي تهديد الله لهؤلاء الطغاة الجاحدون لنعمه , بأن الرجعة والمنقلب إليه يوم القيامة , فإنه لامنجي من الله إلا إليه , فأين يذهب هذا الذي طغي واستغني ؟
وبذلك تجتمع أطراف الإيمان , الخلق والنشأة والتكريم والعلم والتعليم ثم الرجعة والمآب لله وحده لاشريك له " إن إلى ربك الرجعي " ألا إلى الله تصير الأمور ".

ـ وتتعرض السورة لمواقف أبي جهل , وكل أبي جهل في أي زمان ومكان , من رسول الله صل الله عليه وسلم ـ وقد مر به عند المقام فقال : " يا محمد ألم أنهك عن هذا ؟ فأغلظ رسول الله ( صل الله عليه وسلم ) له وانتهره , وأخذ بخناقه وقال له " أولى لك ثُم أولى " فقال : يا محمد بأي شئ تهددني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً , فأنزل الله :" فليدع ناديهْ , سندع الزبانية " ثم يزجره ويردعه ويأمر نبيه صل الله عليه وسلم ـ أن يُعرض عنه ويتركه لعقاب الله على يد الزبانية , وأن يتجرد للسجود لربه والاقتراب منه بالطاعة , والعبادة , والموعظة عامة في كل مؤمن طائع عابد داع إلى الله , وكل طاغٍ باغٍ ينهي عن الصلاة وعن الطاعة ويختال بالقوة والطغيان والجبروت , " ألم يعلم بأن الله يري , كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية " " موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم