التعاون فى حياة المسلمين :

1 ـ قيمة التعاون فى حياة المسلم :

المسلم فى حركة حياته وتعامله معها لايستطيع أن يعيش وحده , لما يواجه من المشاكل والمصاعب فيما عظم من الأمور وماصغر , بل هو يحتاج إلى المجتمع الذى يعيش فيه ليمد له يد العون والمساعدة , ليسهل عليه أمور حياته وبذلك يستطيع أن يتغلب على من ينزل به من شدائد , وما يحوطه من مشكلات لاتنتهى من حياته
وبذلك نعلم أن المنهج الإسلامى الذى أنعم الله به علينا , جاء لتسهيل حركة الحياة ومن أجل سعادة الإنسان حيثما كان , وفى أى زمان كان , والتعاون من القيم التى اهتم بها الإسلام ولم يتركها لأهواء الناس وتطوعهم , يفعله الإنسان متى يشاء ويتركه متى يشاء , أو يقوم به وفق هواه وعندما تكون له فى ذلك مصلحة شخصية
وقد حدد الإسلام للتعاون نظام ومنهج , وبين المجالات التى يكون فيها التعاون فجعل للمعاونة على الخير ثوابا , ولمن يتعاون على الشر عقابا , قال تعالى :" وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب " سورة المائدة الآية 2 ـ ( 1)

2 ـ التعاون والإيمان :

الله سبحانه وتعالى جعل التعاون فى حياة المسلم نابعا من الإيمان بالله تعالى , وثمرة من ثمرات العقيدة الصحيحة , لأنها الحافز الحقيقى لكل عمل عظيم ومفيد , وهو حبل الله الذى يصل المسلم بخالقه ليرضى عنه ويغفر له , وتعاون المجتمع أفرادا وجماعات يجعلهم أقوياء متماسكين , وأما إذا تنازعوا وتفرقوا ضعفت قوتهم وطمع فيهم عدوهم قال تعالى :" وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " سورة الأنفال الآية 46 ـ وكذلك ضرب لنا القرآن مثلا بحياة العرب وما كانوا عليه من فرقة قبل الإسلام , وكانت كل قبيلة تنفرد بنفسها , وتتعدى على غيرها , وكثيرا ما وقعت الحروب بينهم لأتفه الأسباب , ولهذا نهانا الله عن الفرقة ونبه إلى الأخطار التى تحدث بسببها , وذكرهم بما كانوا عليه من عداوة وبغضاء , وبما أصبحوا فيه من الألفة وقد صاروا بنعمة الإسلام إخوانا , وقد كانوا على شفا حفرة من النار بسبب كفرهم , فأنقذهم الله منها حين هداهم للإسلام قال تعالى :" واعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا وإذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبهم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون " سورة آل عمران الأية 103 ـ
                                                                          ( 2 )

وليس هذا مجرد مثل نسرده من أجل ترديده بل إن القرآن الكريم سجله , لما جاء به من بيان حقيقى لنعمة الله على البشرية بما جاء به الإسلام , حيث جعل الأخوة بين المسلمين مبدأ فى حياتهم وطريقا لتضامنهم , وقد أمر الله المسلمين أن يقوموا بالدعوة إلى الخير , والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر , وحذرهم من أن يكونوا كالأمم السابقة فى افتراقهم , واختلافهم وتركهم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قال تعالى :" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون , ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم " سورة آل عمران 104 ـ 105 ـ ويقول صل الله عليه وسلم :" المسلم أخو المسلم لايظلمه ولايخذله ولايحقره , بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم , كل المسلم على المسلم حرام , ماله ودمه وعرضه " رواه مسلم ( 3 )

3 ـ التعاون والحب :

ومما لاشك فيه أن الإنسان إذا أحب من يتعاون معه , وأحب الأمر الذى يتعاون فيه , كان تعاونه إيجابيا وناجحا , ولقد كان المسلمون على عهد رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أمثلة للتعاون البناء , فعندما تعرض المسلمون فى المدينة المنورة للعزو من جيش الكفار , وقد فكر المسلمون فى كيفية حماية المدينة , وأشارعليهم سلمان الفارسى رضى الله عنه بحفر خندق حول المدينة , ليمنع خيول المشركين من اقتحامها , ومع قلة المعدات تعاون المسلمين فى حفر الخندق , وعمل معهم رسول الله صل الله عليه وسلم ـ بنفسه , بذلك تم حفر الخندق حفرا عميقا عريضا فى ستة أيام , بفضل الحب الذى جمع هؤلاء الناس وملأ قلوبهم , ذلكم الحب هو حب الله ورسوله وحب بعضهم بعضا . ( 4 )

دوافع الحب وثمرته :

إن حب الإنسان لأبويه وأهله وأولاده وأقربائه نتيجة طبيعة , لايبتغى من وراءه غرضا دنيويا , أو كسبا ماديا , وإلا كان ذلك الحب نفاقا ما لم يبتغى به وجه الله , وإن أسمى درجات الحب هو الحب فى الله , وقد دعا الرسول صل الله عليه وسلم ـ إلى ذلك الحب ورغب فيه فقال من حديث أبى هريرة رضى الله عنه ـ سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لاظل إلا ظله , وذكر منهم " ... رجلان تحابا فى الله , اجتمعا عليه وتفرقا عليه " رواه البخارى , وإن أسمى مثال للحب فى الله , التعاون النابع من الإيمان هو تعاون الأنصار والمهاجرين الذى أشاد به القرآن الكريم , وسجلة التاريخ فى صفحاته , فقد أخلص الأنصار للمهاجرين الحب والمعونة , فقدموا لهم الأموال والدور , وتأخوا فى الله كما أمرهم بذلك الرسول صل الله عليه وسلم ـ أخوين أخوين , وهذا من الصور التى لم تتكرر فى واقع التاريخ الإسلامى , لكن خلدها لنا القرآن حتى لايظن الناس أنها نوع من الخيال المثالى , وبهذا نعلم أن الناس بخير ما تعاونوا وأساس ذلك هو الترابط الوثيق بين الإيمان والحب . ( 5 ) . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم