من هدى الإسلام أدب المعاملة فى البيع والشراء :

من هدى الإسلام أدب المعاملة فى البيع والشراء :

تحدثنا من قبل عن الإسلام ورعاية الآداب الإجتماعية , وأن الإنسان لايمكنه أن يعيش وحده وأنه يعيش فى مجتمع إسلامى , يجب أن تسوده الروابط الإجتماعية والأسرية من الأخوة والمودة والتعاون .
وتحدثنا عن كثير من الآداب الإجتماعية , التى دعا إليها الإسلام وأكد على رعايتها بين أتباعه لكى يعيشوا فى مجتمع صالح , قوى متماسك .
وهنا نتحدث عن بعض الآداب الأخرى , التى حرص عليها الإسلام لارتباطها بأمر يُعد من أكثر الأمور اتصالا بحاجات الناس , ألا وهو المعاملة فى البيع والشراء
فلا يكاد يوم يمر دون أن يشترى الإنسان أو يبيع من غيره , ولقد وضع الإسلام للبيع والشراء آدابا وطالب برعايتها , والمحافظة عليها , لتسود الثقة والأمانة , ويسهل التعامل بين الناس .

ومن أهم هذه الآداب :

1ـ آداب البيع :

ـ أن يجتنب البائع الغش فى سلعته , فلا يُظهر الجيد ويُخفى الردئ , ولا يخلطها بما ليس منها , رغبة منه فى الكسب والربح الكثير , كمن يخلط اللبن بالماء , ومن يخلط بعض الأعشاب الجافة بالشاى وغير ذلك من صور الغش , التى يكتسب بها التاجر مالا حراما , وبذلك تُفقده ثقة المشترى , وينصرف عنه الناس مما يؤدى إلى إفلاسه
والإسلام يجعل الغش فى المعاملات بأى صورة , إعتداء على حق المشترى , الذى دفع مالا فى سلعة جيدة , ثم تبين له بعد ذلك أنها خلاف ما رأها واشترى من خلالها , وكثيراً ما يؤدى ذلك إلى نشوب المنازعات , والخصومات بين البائع والمشترى ,

وقد نهى الرسول صل الله عليه وسلم عن الغش , من حديث أبى هريرة رضى الله عنه ـ أن النبى صل الله عليه وسلم :" مر بالسوق على صُبرة طعام " قدر منه " فأدخل يده فيها , فنالت أصابعه بللا , فقال ما هذا ياصاحب الطعام ؟ فقال : يا رسول الله صل الله عليه وسلم ـ أصابته السماء " نزل عليه المطر " , قال ألا جعلته فوق الطعام ليراه الناس ؟ من غشنا فليس منا "

ـ وعلى البائع ألا يعمل على ترويج سلعته بالحلف بالله تعالى , تنزيها لاسمه تعالى وتقديسا له , وأن يكون أشد بعداً عن الحلف الكاذب , الذى يُستغل فيه اسم الله تعالى من أجل كسب رخيص , ولغير حق وفى ذلك قوله صل الله عليه وسلم :" الحَلِفُ
مَنْفَقَةٌ للسلعة , مَمْحَقَةٌ للكسب " رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة رضى الله عنه .
ـ وعلى البائع مراعاة الكيل أو الميزان , فلا ينقص شيئا من وزن السلعة أو كليها وغير ذلك مما يباع ويشترى , لأن ذلك ظلما للمشترى وخداعا له , فكيف بحال من يختلسهما أو يسرقهما , ولهذا شدد الله تعالى نهيه وأعد الوعيد لمن يقع فى مثل هذا الجرم كما فى قوله تعالى :" ويل للمطففين . الذين إذا إكتالوا على الناس يستوفون . وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين " سورة المطففين الأية 1 ـ 6 ـ

ـ وكذلك على البائع أن يكون سمحا يرضى بالربح المعتدل , ولا يُغالى فيه , لأن الربح الفاحش حرام , لما فى ذلك من إرهاق لمن يشترى , وإجحاف به , ولهذا يقول صل الله عليه وسلم :" رحم الله رجلا سمحا , إذا باع , وإذا إشترى , وإذا إقتضى "
وأن يبش فى وجه من يشترى منه , ويُعامله معاملة مهذبة رقيقة يقول صل الله عليه وسلم ـ إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم , فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق "
ـ وعلى البائع ألا يحتكر السلعة , بان يجمعها من السوق , ويُخزنها , لينفرد ببيعها ويرفع من ثمنها , ولهذا حرم الإسلام الإحتكار ونهى عنه حيث قال صل الله عليه وسلم :" من احتكر فهو خاطئ "

2 ـ آداب الشراء :

ـ على المشترى أن يكون سمحا فى شرائه , وأن يتجنب مضايقة البائع , بكثرة الإلحاح عليه فى إنقاص ثمن ما يشتريه , متى كان البائع معتدلا فى سعره , لأن ذلك يرهقه , ويُشغله عمن حوله , ويُضيع وقته فى غير طائل .
ـ وألا يأخذ المشترى شيئا زائدا عما يستحق , وأن يجتنب تقليب السلعة أكثر مما ينبغى , لأن فى ذلك ظلما للبائع , وإفساداً للسلعة .
ـ أن يعامل البائع معاملة كريمة , فيقابله بالتحية , ويبش فى وجهه , ويُخاطبه فى أدب , وبعبارات وألفاظ رقيقة ومهذبة . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

من هدى الإسلام السماحة فى المعاملة بين الناس :

من حديث جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنهما ـ :" أن رسول الله صل الله عليه وسلم ـ قال :" رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا إشترى وإذا اقتضى " رواه البخارى

يبين لنا الحديث أن من أسس الدين المعاملة الحسنة بين الناس , وأن الإسلام يدعوا إلى السماحة والرفق فى كل صور المعاملة , والإنسان السمح هو الذى يظفر برضا الله فى الدنيا , وثوابه فى الآخرة .
والرسول صل الله عليه وسلم ـ يدعوا بالرحمة فى الدنيا والآخرة , لمن يكون سهلا كريما فى معاملته وبيعه مع الناس , فلا يتشدد ولا يُغالى فى الربح , ولا يعبس فى وجوه المشترين , أو يسيئ إليهم بكلمة نابية .

ويُضيف الحديث أمراً آخرـ إلى البيع والشراء , وهو الإقتضاء أى طلب الحق الذى للإنسان على غيره وأن تكون حسنة سهلة .
ـ والسماحة فى البيع : تكون بإقتناع البائع بالربح المناسب , لا يُخفى السلعة ليوهم المشترى أنها نادرة ليرفع من سعرها , كما لاينبغى أن يلزم الناس بشراء سلعة لاحاجة لهم فيها مع حاجتهم لأشياء أخرى , ولا يحلف زوراً لترويج بضاعته , ولا يغش المشترى .
ـ وعن السماحة فى الشراء ـ إنما تكون بعدم الطمع فى مال البائع , وترك مساومته , وعدم تقليب بضاعته , وغير ذلك من الأشياء التى تدعوا لمضايقة البائع , بل على المشترى أن يكون رفيقا بالبائع وأن يعامله كإنسان .

ـ وعن السماحة فى الإقتضاء : وهو أن يطالب ما له من حق فى يسر ورفق , دون عنف أو شدة , وأن يتخير الأوقات المناسبة للمطالبة بحقه , فلا يعمد إليها فى وقت غير ملائم , كأن يكون من عليه الحق نائما , أومريضا , أو فى وقت راحته , وأن يجتنب احراجه , فلا يُطالبه فى وقت عسرته , أو أمام الناس .
وكذلك لايمتن على على صاحبه أو يسئ له بالكلام , وإذا وجده معسراً جاد له وتنازل عن بعض حقه , إذا كان عاجزاً عن السداد تصدق عليه .
ـ وألا يرفع أمره للقضاء إلا إذا وجده يتلاعب بأداء الحق , ويُراوغ فيه , عن غير عجز , من هنا ندرك مدى أهمية الإسلام , بأن تسود المعاملة الحسنة بين الناس , لتكون علاقتهم فيما بينهم قائمة على المودة والصفاء , ويسلم المجتمع من صراع النزاع والخصومات .

ـ ما نتعلمه من الحديث :

1ـ أن الإسلام يحثنا فى معاملتنا على السماحة فى البيع والشراء والإقتضاء
2ـ وأن الذين يتمثلون السماحة والسهولة والكرم فى معاملتهم هم الجديرون برحمة الله لهم .
3ـ وأن التمسك بالرفق والسماحة فى المعاملة من أهم دلائل صدق الإيمان وصلاح الإنسان .
4ـ إن من سهل على عباد الله سهل الله عليه , ومن فرج عنهم فرج الله عنه , فإن الجزاء من جنس العمل .
5 ـ وفى توجيهات الرسول صل الله عليه وسلم ووصاياه هنا وهناك من المبادئ والقيم والأخلاق التى يسعد بها المجتمع أفراداً وجماعات , مما يدل ذلك على حبه ورفقه ورحمته بأمته . . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

تحدثنا من قبل عما يجب على البائع والمشترى , من آداب عند بيعهما وشرائهما
وقد ذكر لنا الحديث واحدة من الآداب التى ينبغى , على البائع أن يبتعد عنها عند بيعه وهى الحلف بالله تعالى , من أجل ترويج سلعته , فيقسم بأنها جيدة , أو أنها لانظير لها عند غيره فى السوق , وانه يبيعها بسعر معتدل , أو أقل من ثمنها الأصلى , وهذا كله من أجل تشجيع الناس لشراء مايبيع , فتروج سلعته ويتكاثر الربح فيما يظن هو والحديث ينهى عن ذلك : وقد بينا فيما سبق من آداب البيع والشراء , لأن فيه إستغلالا لاسم الله عز وجل , فى كسب رخيص , إذا كان البائع صادقا , أو فى كسب حرام إذا البائع كاذبا .

والحديث يبين لنا أن الكسب عن طريق الحلف , وإن كثر مصيره إلى الزوال لأن الله تعالى لن يبارك الله فيه لصاحبه , ويرشدنا لنا الحديث كذلك إلى وجوب التأدب فى الحلف بالله , فلا يليق بالمسلم أن يتطاول على اسم الله تعالى , فيستغل به الحلف فى معاملاته , وكذلك يجعله مضغة فى شئون حياته اليومية , ومما ينبغى على المسلم أن يلجأ للحلف بالله إلا مضطراً وفى الأمور المهمة , وفى مقام رفيع الشأن كريم يليق باسم الله جلا جلاله . . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

ومن المعاملة رعاية الودائع والأمانات :

إن صور التعامل بين الناس متنوعة ومتعددة , ولها آدابها , وبعد حديثنا عن جانب التعامل فى البيع والشراء , نتحدث عن صورة أخرى من صور التعامل , إهتم الإسلام بها إهتماما واعيا , لشدة الحاجة إليها , وما تتطلبه من ثقة يجب أن تكون بين الناس , وهى رعاية الودائع والأمانات , وقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ
مضرب المثل فى أمانته , حتى قبل بعثته , ولذلك " الأمين "
والأمانة كلمة جامعة , تشمل كل تبعات الحياة التى يُكلف بها المسلم , سواء كان لله تعالى أو للإنسان , فأداء الصلوات أمانة , وكذلك الزكاة , والصوم وكل التكاليف الشرعية التى ينبغى على المسلم أن يؤديها كلها قال تعالى :" إن الله يأمركم أن تؤدى الأمانات إلى أهلها " سورة النساء الآية 58 ـ

ومن واجب المسلم أن يحفظ كل مايوضع عنده من ودائع , وألا يمسها وإن كان محتاجا إليها , وأن يردها لصاحبها كما تسلمها قال صل الله عليه وسلم :" أد الأمانة لمن أئتمنك ولا تخن من خانك " والذى يخون الأمانة , لايطمئن الناس إليه , وينصرفون عنه , ويكون فاقد الإيمان  قال صل الله عليه وسلم :" لا إيمان لمن لا أمانة له "  ومن الأمانة تبليغ رسالة الله للناس التى تعهدت بتبليغها , وأن تؤدى الشهادة دون تحريف أو مجاملة , وأن تكتم سر من أئتمنك عليه غيرك , وأن تحافظ على عهدك ووعدك ولا تخلفهما قال تعالى :" ولا تكتموا الشهادة , ومن يكتمها فإنه آثم قلبه " سورة البقرة الآية 283 ـ وقال تعالى :" وأوفوا بالعهد , إن العهد كان مسئولا " سورة الإسراء الآية 34 ـ

إن الأمانة كلمة تتسع لتشمل كل ما منحك الله من عقل وقلبٍ , وحواس وما أعطاك الله من رزق , وما أسند إليك من عمل .
ويجب على المسلم أن يعلم أن الإسلام بما فيه من عقائد , وعبادات وتعاليم أقدس وأعظم أمانة , فعليه أن يتمسك بها , وأن يلتزمها , ويحرص عليها كل الحرص , لتظل كلمة الله هى العلى وكلمة الذين كفروا السفلى .
ووطن المسلم ومجتمعه الذى يعيش فيه أمانة , ويجب عليه أن يعمل لخيره , ورفعته
وأن يرد عنه كل عدوان لتظل كلمته عالية , ورايته خفاقة .
والمسلم الذى يؤدى الأمان , يثق الناس به , وتعلوا منزلته , ويحبه الجميع .
وإذا أدى كل منا ما عليه تجاه ما أؤتمن عليه , تكون المجتمع الفاضل , المتعاون , وسادت المودة والمحبة بين أفراده . . موقع من فقه الاسلام للشيخ سامى . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم