المنافقون هم الأخسرين أعمالا

من صفات المنافق ;

عن أبى هريرة رضى الله عنه : عن رسول الله صل الله عليه وسلم :" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان " متفق عليه وفى رواية زاد فى رواية لمسلم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم

إنه من المعلوم لدى كل ذى عقل أن أعمال الجوارح كلها مصدرها القلب وهى معيار عليه ومعيار له صلاحا وفساداً.
والخصلة الاولى: الكذب فى القول فاذا حدث غيره , بشئ أخبر عنه  بخلاف ما هو عليه , قاصدا الكذب وفى الحديث _ يقول النبي صل الله عليه وسلم :" كبرت خيانة أن تحدث أخاك بحديث هو لك مصدق وأنت له كاذب" ولاشك أن الكذب من أقبح الذنوب وفواحش العيوب , وهو معاقب عليه بالسقوط فى الدنيا والخزى فى الآخرة ,
                                                                   ( 1)

 وعن ابن مسعود رضي الله عنه , عن النبي صل الله عليه وسلم : " إن الصدق يهدى إلى البر وإن البر يهدى إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند صديقا وإن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا " متفق عليه , وعن حكيم ابن حزام رضي الله عنه , قال : رسول الله صل الله عليه وسلم قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا فان صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وان كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " متفق , عليه وعن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه , أن رسول الله صل الله عليه وسلم : "اضمنوا لي ستا أضمن لكم الجنة أصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا واعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفطوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم " رواه أحمد وابن حبان والبيهقى ورجاله ثقات                                                   ( 2)

                      وعن الخصلة الثالثة : كما في الحديث آية المنافق :

الخيانة في الأمانات بالتصرف فيها على خلاف ما يقتضيه الشرع , ومن شر أنواع الخيانة الغدر في المعاهدات , وكل من تحالف مع إنسان على شئ ثم غدر , كان منافقا قال تعالى:" ومن نكث فإنما ينكث على نفسه " سورة الفتح , ووبال ذلك عليه وحده قال تعالى :" ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما يصنعون " سورة النحل , ومن الخيانة إفشاء السر فانه حرام , لما فيه من الإيذاء والتهاون بحقوق الإخوان والأصدقاء , وإن خلا من الإيذاء فهو لؤم ودناءة
(3)

                 

وفى الحديث "خمس تعجل صاحبهن بالعقوبة البغي والغدر وعقوق الوالدين وقطيعة الرحم ومعروف لا يشكر" روى من عدة طرق يقول : الإمام على رضي الله عنه إن ملاك العقل ومكارم الأخلاق صون العرض وأداء الفرائض والوفاء بالعهد والانجاز بالوعد ومن حاول أمرا بالمعصية كان أقرب إلى ما يخافه وأبعد مما يرجوا , وقال تعالى : والذين هم لأمانتهم وعهدهم راعون " سورة المؤمنون وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 4)

المنافق أشد خطرا من الكافر:

قال تعالى :"إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " ولخطورة هذا الصنف من الناس , حذر القرأن الكريم من أخلاقهم المريضة , وتحدث عنهم حديثا واضحا فهم سبب البلاء على الأرض , قديما وحديثا يقول تعالى " ان المنافقين فى الدرك الأسفل من النار " سورة النساء , ويقول ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم واذا قاموا الى الصلاة قاموا كسالى يرآون الناس ولا يذكرون الله الا قليلا مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " سورة النساء , ( 5)

ومن أخلاق المنافقين أنهم لايستقرون على حال بل يلبسون لكل موقف وجها خاصا يتناسب معه , فهو يتردد بين الجميع ويجمع بين المتناقضين , فهو اشتراكي متحمس مع الاشتراكين وعلماني ملحد مع العلمانيين , يوالى في سبيل منفعته وتحصيل مصلحته , كل من هب ودب مع الشيوعيين تارة ومع اليهود أخرى , ولا يعرف عيبا ولا شرفا يدور مع المصلحة حيث كانت , ولو ارتفع لواء المسلمين لقفز في مقدمة الصفوف , واتجه إلى أكبر المساجد ولا مانع عنده من إطلاق لحيته إن أدت له ما يريد , وهو يبتسم لغيره ابتسامة صفراء باهتة كلها مكر وخديعة , لأنه جبان لايستطيع أن يواجه الناس بحقيقة نفسه , وكل ما يعنيه أن يصل لأغراضه الدنيئة , مهما كلفه ذلك ولو على أشلاء الآخرين , ( 6)

فعلينا أن نتجنبه ونتقيه ونحذر منه , لأنه شر أينما كان , إن للنفاق علامات كثيرة ومنها إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف , وإذا أؤتمن خان _ وهذه الخصال الثلاث : تشمل جميعا أصل الدين وهى تنحصر في القول والفعل والنية , فأشار الحديث الشريف : على فساد النية القول بالكذب وفساد الفعل بالخيانة , وفساد النية بالخلف , وهذه الثلاث , خصال هي أمارات النفاق والخبث في الباطن , وصاحبها شبيه بالمنافق في هذه الخصال , ومتخلق بأخلاق المنافقين , بإظهاره خلاف ما يبطن فكان منافق , في حق من حدثه ووعده وائتمنه , وان لم يكن منافقا في الاعتقاد , وكل خصلة يمكن أن يطبع عليها المؤمن إلا الكذب , والخيانة قال على رضي الله عنه : من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 7)

من صفات المنافق الكذب :

وعن عائشة رضي الله عنها : ما كان من خلق أشد على أصحاب رسول صل الله عليه وسلم _ من الكذب ولقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم _ يطلع على الرجل من أصحابه على الكذب , فما تنجلي من صدره حتى يعلم أنه قد أحدث لله عز وجل توبة " رواه أحمد وغيره ورجاله ثقات وورد أن أعرابيا بايع النبي صل الله عليه وسلم _ على تركه خصلة من الخصال المحرمة كالزنا والسرقة , فقال النبي صل الله عليه وسلم :" دع الكذب " فصار كلما هم بسيئة قال كيف أصنع , إن سألني النبي صل الله عليه وسلم ؟ _ فان صدقته أقام على الحد , وان كذبته فقد عاهدني على ترك الكذب فكان ذلك سببا لترك الفواحش كلها . (

وأقبح أنواع الكذب والفجور في الخصومات بالميل عن الحق ودعوى الباطل والدفاع عنه والحلف الكاذب لا سيما فيما يتعلق بالمعاملات وشهادة الزور
وفى حديث أبى بكرة رضي الله عنه قال رسول الله صل الله عليه وسلم" ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالها ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله صل الله عليه وسلم قال أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين وجلس وكان متكئا ثم قال وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت "رواه البخاري ومن ألوان الكذب التي نسمع عنها كالأتي : (9)

_1 محترفوا الشهادة أمام المحاكم بأجر وهم لا يعرفون المُدعىِ أو المُدعىَ عليه
_2 ادعاء بعض الشباب بمراكز وثروات لذويهم كذبا وبعضهم يبرر ما يصنعه من الكذب فيقول " أنا لا أكذب ولكنى أتجمل وقد حذر رسول الله صل الله عليه وسلم _من ذلك بقوله :" المتشبع بما لم يعط كلابسي ثوبي زور رواه مسلم
_3 بعض التجار من أجل ترويج سلعته يكذب في وصفها بأشياء ليست فيها ليزداد الثمن والربح وقد حذر , الرسول صلوات الله عليه وسلامه , من ذلك فقال :
" ثلاثة لايكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعته لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كاذب ورجل حلف على يمين كاذب بعد العصر ليقتطع بها مال رجل مسلم ورجل منع فضل مائة فيقول الله تعالى اليوم أمنعك كما منعت فضل ما لم تعمل يداك رواه البخاري ومسلم صفحة ( 10)

من أعمال المنافقين:

إن الناظر لما يحدث في مجتمعاتنا الإسلامية , في هذه الأيام يجد أن الأوضاع قد تبدلت , وانقلبت الموازين و القيم والأخلاق رأسا على عقب , واختلط الحابل بالنابل وأصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا , حيث كثر النفاق عبر قنوات التملق والرياء , من أناس ضعاف الإيمان نسوا الله فأنساهم أنفسهم حتى أصبح النفاق والرياء خلقهم وسلوكهم وأعمالهم ولم يرتعدوا من قول الله تعالى " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " سورة النساء الآية 145_ وقال تعالى " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون لله إلا قليلا " سورة النساء 142_ ( 11)

ولقد نسوا هؤلاء أن الأمور تجرى في الكون بيد الله وحده فما من حركة ولا سكون ولا نفع ولا ضرر إلا بقضاء الله وقدره وكل شئ بمشيئته وقضائه قال تعالى " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شئ قدير " سورة الأنعام الآية 17_ ومما هو معلوم لدى كل ذي ثقافة وعلم على مر التاريخ أن عبد الله بن أبى بن سلول رأس النفاق في المجتمع المدني على عهد رسول الله صل الله عليه و سلم وإننا لنجد في أيامنا من هو أشد منه أو من يشابهه في تصرفاته وأعماله وماذا على هؤلاء لو اتقوا ربهم وخافوه ليعلموا أن من ينافقونهم لا يملكون لهم نفعا ولا ضرا " ( 12)

يقول الشاعر :

لاتخصعن لمخلوق على طمع _ فإن ذلك نقص منك فى الدين
لن يستطيع العبد أن يعطيك خردلة _ إلا بإذن من سواك من طين
ولا تصاحب غنيا تعتز به _ وكن عفيفا وعظم حرمة الدين
وقد أجمل لنا ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم _ حين قال : " وإعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك , وإن اجنمعوا على أن يضروك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك , رفعت الأقلام وجفت الصحف " رواه الترمذى _  وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 13)

حديث النفاق :

المنافق إنسان هانت عليه نفسه _ والنفاق نوعان : إعتقادى وهو أخبث أنواع الكفر وأشد أنواع النفاق وهو من يظهر الإسلام ويبطن الكفر قال تعالى " إن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا " سورة النساء والثانى هو ترك المحافظة على أمور الدين سرا مع مراعتها فى العلن وأمام الناس وهذا يسمى نفاق ولكنه نفاق دون نفاق ومن قول سيدنا عمر رضى الله عنه لمعاذ بن جبل رضى الله تعالى عنه ناشدتك بالله هل سمانى لك رسول الله صل الله عليه وسلم من المنافقين فيقول له لا , ولازكى أحدا بعدك ,فعمر رضى الله تعالى عنه مع جلالة قدرة وعلو منصبه كان يتهم نفسه وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ولهذا جعل الإسلام تلك الخصال الثلاث علامة على ما فى القلب , من الخبث والفساد من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه , عن النبى صل الله عليه وسلم : قال : " آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب , وإذا وعد أخلف , وإذا أوئتمن خان" متفق عليه " وزاد فى رواية وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم وفى روية وإذا خاصم فجر " متفق عليه وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (14)

المنافق شخصية متملقة

التملق صفة من صفات المنافقين , والمنافق يلبس لكل حالة لبوسها
فهو يلبس الثوب الذى يوده منه الآمرون والناهون , و يتقرب إلى الناس
بما يريدنه منه ولا سيما ذوى السلطة , والثروة بما يغضب الله ويرضيهم
كمدحهم بما ليس فيهم والتذلل لهم من أجل , تحقيق هدف نفعى هو فى الغالب جمع المال أو إحراز الجاه أو كلاهما معا , والذى يدفع الإنسان لهذا النوع من النفاق
هما الخوف والطمع ,"
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (15)

المنافق شخصية ازدواجية:

ولهذا تراه يتصنع ما ليس فيه , ويتظاهر أمام الناس بما لم تعمل يداه , وهو يقول لهم ما لا يعتقده , وكل ذلك نفاق وجبن يبغضه الإسلام , قال تعالى : " لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم " سورة آل عمران 188_ وفى الآية وعيد شديد لكل آت لفعل السوء معجب به , ولكل مفتخر بما لم يعمل , ليثنى عليه الناس ويحمدوه "
وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (16)

صراع الإنسان بين الخير والشر :

_ لقد وصف القرآن الكريم حالة الصراع النفسي , الذي يسيطر على سلوك المنافقين وأعمالهم , مما يجعلهم يشعرون بالتذبذب والتردد الذي يعقبه سوء الخاتمة , فتراهم يتردد ون بين الإيمان والكفر , يترددون بين أن ينضموا لجماعة المسلمين , أو يكونوا مع جماعة الكافرين قال تعالى : إن المنافقين يخدعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء , ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " سورة النساء الآية 142_ 143_ ( 17 )

ويشبه الرسول صل الله عليه وسلم موقف المنافقين وجمعهم بين المتناقضات , بحالة الشاة الحائرة بين مجموعتين من الغنم , فتراها مع هؤلاء مرة ومع أولئك مرة أخرى لايثبت لها حال مع أحد , فلاهم مع المؤمنين ولاهم مع الكافرين , ومن يصرف الله سبحانه وتعالى قلبه عن الإيمان والاستمساك بهدديه , فلن تجد له طريقا إلى الهداية واليقين من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صل الله عليه وسلم قال : مثل المنافق كمثل الشاة , الغائرة بين الغانمين تصير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة " إن هؤلاء المنافقين يخادعون الله تعالى بما يظهرونه من الإيمان وما يبطنونه من الكفر , وهم يظنون بذلك أن حالهم يخفى على الله , والحال أن الله تعالى خادعهم وسيجزيهم بما كانوا يعملون , ومن صفاتهم أنهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى , وهم يؤدونها في فتور ولا يقصدون بأداء الصلوات وغيرها من الأعمال إلا الرياء والسمعة , وهم لايذكرون الله إلا قليلا " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه وسلم ( 18)

من خلق المسلم الحذر من النفاق :

_ المسلم يحذر النفاق لأنه يعلم أنه لاشئ يفتك بأعمال الإنسان ويقضى عليها ويجعلها هباء منثور , أشد من النفاق ولذلك فإن المسلم الصادق الإيمان هو الذي يجاهد نفسه على ترك هذا الخلق الخبيث والداء الوبيئ , حتى تتساوى سريرته مع علانيته في الخير , فلا يفعل في السر ما يستحى منه في العلانية , حتى لايفتضح به غدا يوم القيامة وقد أوصى بعض الوعاظ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال : إياك ياعمر أن تكون وليا لله في العلانية , وعدو ا له في السر " ومن لا تتساوى سريرته مع علانيته ولا شك فليحذر النفاق على نفسه وليعلم أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار , وكان الزبير بن العوام رضي الله عنه يقول : اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصالح كما أن لكم خبيئة من العمل السيئ " وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 19)

الوفاء بالعهد من أخلاق الإسلام :

إن من أعظم الصفات الخلقية التي ينبغي على المسلم أن يتحلى بها , خلق الوفاء بالعهد ولذلك أمر الله تعالى به في القرآن الكريم فقال :" يا أيها الذين أمنوا أوفوا بالعقود " سورة المائدة الآية , فالله تعالى يأمر عباده المؤمنين كما أقروا له بالوحدانية وصدقوا رسوله وعملوا بسنته , أن يُحفظوا على هذا الإيمان بإتمام عهود الله الموثقة , من خلال تطبيق شرائع الدين والانقياد لها , وأن يحرصوا على الوفاء بكل عهد أبرموه لبعضهم على بعض , وهذه من الأمانات التي استودعنا الله إياه , وكذلك أمانات البيوع وغيرها , مما لايُخالف كتاب الله وسنة رسول محمد صل الله عليه وسلم ـ قال تعالى :" يا أيها الذين أمنوا لاتخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون " سورة الأنفال الآية 28 ـ (20)

ويقول تعالى :" وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا " سورة الإسراء الآية 34 ـ والله سبحانه وتعالى يدعوا عباد للوفاء بكل عهد التزموا به , لأن صاحب العهد يسأل عنه يوم القيامة , فيثيبه الله تعالى إن أتمه ووفاه , ويعاقبه إن خانه فيه وأخلف , ويقول تعالى :" وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون " سورة البقرة الآية 40 ـ وفى الآية تحذير وانتقام من عدم الوفاء بالعهد ,إن انتشار الحب والمودة والثقة بين الناس , أساسه الوفاء بالعهد والصدق بالوعد وصفة الوفاء من أهم صفات الأنبياء والمرسلين , وهى من صفات العقلاء من المؤمنين كما في قوله تعالى :" إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولاينقضون الميثاق " سورة الرعد الآية 20 ـ ( 21)

ولهذا عَد الرسول صل الله عليه وسلم عدم الوفاء بالعهد والخلف في الوعد من صفات المنافقين من حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال : عنه صل الله عليه وسلم :" آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا اؤتمن خان " متفق عليه ومن ثم يحثنا الرسول صل الله عليه وسلم ـ على الالتزام بصفة الوفاء بالعهد والصدق في القول وعن عبادة ابن الصامت رضي الله عنه , أن رسول الله صل الله عليه وسلم : "اضمنوا لي ستا أضمن لكم الجنة أصدقوا إذا حدثتم وأوفوا إذا واعدتم وأدوا إذا ائتمنتم واحفطوا فروجكم وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم " رواه أحمد وابن حبان والبيهقى ورجاله ثقات . ( 22 )

ولقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ من أشد الناس وفاء بالعهد لكل من عاهد عليه , حتى إنه كان وفيا بالأعداء , ومما جاء في ذلك ما روى عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ـ قال ما منعني أن أشهد غزوة بدر إلا أنى خرجت أنا وأبى من مكة إلى المدينة مهاجرين , فأخذنا كفار قريش فقالوا إنكما تريدان محمدا " صل الله عليه وسلم " فقلنا ما نريد إلا المدينة , فخلوا سبيلنا بعد أن أخذوا منا عهد الله وميثاقه ألا نقاتل معه , فلما كانت غزوة بدر أردنا أن نشترك فيها , فأخبرنا رسول الله بما كان بيننا وبين قريش , فقال : لهما انصرفا نفى لهم بعدهم ونستعين الله عليهم , وهذا العمل من رسول الله صل الله عليه وسلم ـ من أعظم المروءات وأنبل أخلاق الإسلام
( 23)

ولقد كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ يحفظ لصاحب الجميل جميله ويكافئه عليه بمثله , وكان من أعظم الناس وفاء لوطنه ومما يروى عنه صل الله عليه وسلم ـ أنه كان يحب مكة حبا عظيما لأنها مكانها البيت الحرام , وهى مسقط رأسه ومنشأه الذي تربى وترعرع بين ربوعه , ومشرق رسالته ومقام أحبابه ولكن المشركين أذوه واضطروه إلى الهجرة منها , فجعل ينظر إليها وهو يفارقها نظرة المشتاق الوفي الذاكر للجميل , فلما كادت تغيب عن بصره ودعها بقوله :" والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله , وأحب بلاد الله إلى نفسي , ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت " وكما كان رسول الله صل الله عليه وسلم ـ الزوج الوفي لزوجته خديجة رضي الله عنها ـ بعد وفاتها , فكان يُكرم صاحبات خديجة وكان إذا أتى بهدية يقول : " اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة , إنها كانت تحب خديجة " . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 24)

مثل المنافق :

من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال عنه صل الله عليه وسلم :" مثل المنافق كمثل الشاة العَائِرة بين الغنمين , تَعِيرُ إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع " رواه مسلم والطبراني والإمام أحمد والنسائي ومعنى "العَائِرَة " كما في النهاية لبن الأثير ـ أي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع . وفي الحديث بيان وتحذير للمسلم من أن يسلك مسالك المنافقين وطريق الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " والرسول صل الله عليه وسلم يُصور لنا شخصية المنافق بطريقة تشمئز منها النفس السوية , وذلك عندما يُشبه المنافق بالشاة الحائرة التي لا تدرى على أي قطيع تنتسب وإلى مع من تسير إنها لا تهتم إلا بمصلحتها فإن رأت في هذا الفريق خيرا لنفسها انحازت إليه , وإن رأت في الآخر خيرا تركت الأول وانحازت للثاني وفي هذا قوله تعالى :" مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " سورة النساء 143 ـ وقال تعالى :" وإذا لقوا الذين امنوا قالوا أمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون " سورة البقرة الآية 14 ـ .. " موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 25)