أسباب النصر والتمكين من القرآن والسنة

أشد الناس عداوة :

_ إن من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين اليهود والذين أشركوا كما بين لنا ذلك القرآن الكريم فى قوله تعالى :" لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود والذين أشركوا " سورة المائدة آية 82 _ وبعد : فإن نيران الحقد الصهيونى قد تسلطت على المسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين , يوما بعد يوم و أتت على جوانبه تحت سمع وبصر العالم الإسلامى , والآن تواصل الطغمة الباغية مسيرتها إلى غايتها الضالة , والحقد الصهيونى يتملظ غيظا ويدفع بجماعات أكل الحقد التاريخى قلوبهم , ليدنسوا ساحة الحرم بأقدامهم بحثا عن هيكلهم المزعوم , الذى يرونه فى قلب الأقصى , وقد تكاثرت عمليات الحفر والتنقيب حول جدرانه لينهار يوما على رؤوس أصحابه فينهار بإنهياره تاريخ عريق ومجد تليد وعز مأمول , والمسلمون العزل يتصدون فى الأرض المحتلة لهذا العدو الغاشم بحجارتهم وما يقع فى أيديهم من وسائل للمقاومة , فى مواجهة أسلحة متقدمة تحملها أيدى ملوثة بالغدر , وتراق الدماء المسلمة فى ساحة الحرم أنهارا دفاعا عنه من أحقاد المغتصبين , إن الأمة الإسلامية مطالبة بإسراء حقيقى من نفسها وفى نفسها من أجل ردع الباغى من أعدائها , ليعود لها أمنها وتستعيد كرامتها , إسراء نحو وحدة إسلامية قوامها الإيمان الصادق واليقين الراسخ , فتقضى بذلك على ما حل بها من أهوائها الغالبة وفرقتها الباغية وسلامها الضائع , وغفلتها اللاهية حتى تستعيد الوطن السليب والمسجد الأسير , فهل لأمتنا من كريم أمين يحقق لها أهدافها ؟موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي . وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ( 26)

من أسباب نصر الله تعالى للمسلمين الزهد في الدنيا والإقبال على العمل للآخرة.

إن حب الدنيا وتقديمها على الآخرة من أعظم البلايا التي أصابت أمتنا الإسلامية اليوم في دينها ودنياها، وحول هذا المعني جاء عند أبي داود وغيره عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم:" يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟، قال": بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقال قائل: يارسول الله وما الوهن؟ قال :حب الدنيا وكراهية الموت". سنن أبو داود وصحيح الجامع وغيرهما . (27)

شرح الكلمات :" يوشك الأمم :" أي يقرب فرق الكفر وأمم الضلالة " أن تداعى عليكم :" بحذف إحدى التائين أي تتداعى بأن يدعو بعضهم بعضا لمقاتلتكم وكسر شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديار والأموال".والمعنى كما يدعو أكلة الطعام بعضهم بعضا إلى قصعتها : الضمير للأكلة أي التي يتناولون منها بلا مانع ولا منازع فيأكلونها عفوا وصفوا كذلك يأخذون ما في أيديكم بلا تعب ينالهم أو ضرر يلحقهم أو بأس يمنعهم قاله القاري رحمه الله تعالى : قال في المجمع :أي يقرب أن فرق الكفر وأمم الضلالة أن تداعى عليكم أي يدعو بعضهم بعضا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم ليغلبوا على ما ملكتموها من الديار ، كما أن الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضا إلى قصعتهم التي يتناولونها من غير مانع فيأكلونها صفوا من غير تعب " (28)

ذلك أن التداعي لا لأجل قلة نحن عليها يومئذ بل نحن " كثير " : أي عددا وقليل مددا " ولكنكم غثاء كغثاء السيل : بالضم والمد وبالتشديد أيضا ما يحمله السيل من زبد ووسخ شبههم به لقلة شجاعتهم ودناءة قدرهم " ولينزعن " : أي ليخرجن " المهابة " : أي الخوف والرعب " وليقذفن " : بفتح الياء أي وليرمين الله " الوهن " : أي الضعف ، وكأنه أراد بالوهن ما يوجبه ولذلك فسره بحب الدنيا وكراهة الموت" قاله القاري " وما الوهن : أي ما يوجبه وما سببه . قال الطيبي رحمه الله تعالى : سؤال عن نوع الوهن أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك الوهن " قال حب الدنيا وكراهية الموت " : وهما متلازمان فكأنهما شيء واحد يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين ، ونسأل الله العافية . اهـ سنن أبو داود . وبتصريف (29)

. وبعد :ـ فإن الناظر إلى تاريخ الأمة الإسلامية يجد أنه لا يمكن أن تستباح أراضيها وأعراضها وحرماتها إلا عندما تتخلى عن دينها؛ ولا تتخلى عن دينها إلا إذا رغبت في دنياها ولم تحتل من قبل فلسطين إلا عندما تنكرت الأمة لمبادئها، وقيمها، ودينها، وعندما كثر حبهم للدينار والدرهم، وشغلهم ذلك عن إقامة دينهم، وحماية مقدساتهم وأراضيهم وأعرضهم، وعندما كثر المنافقون فيها وعلت رايتهم، ونزلت، أوأنزِّلت راية العلماء، وعلت أو أعليت مزامير وطبول الفساق، وهذه مصيبة كبرى في تاريخ الأمة الإسلامية.فقد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، استبدلوا بالآخرة حب الدنيا وكراهية الموت.(30)

ومن العقوبات التي حلت بالأمة بسبب هذا الوهن والخوف والضعف والركون إلى الدنيا: أن سُلط على المسلمين عدوهم ينهب خيراتهم، ويعبث بأعراضهم، ويستحل محارمهم، بكل جرأة وقوة وإجرام.. وأما المسلمون فقد أصيبوا بذل، وهوان، وخور في قلوبهم جزاء حبهم للدنيا، وتخليهم عن ما خلقوا من أجله قال تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق أو يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " سورة الذاريات:الآية 56.ـ 58ـ وهذا لا يدعونا إلى اليائس من رحمة الله تعالى ولكن في الحديث تنبه لعلنا نسمع العلاج من هدي النبوة ، فالعلاج في الحديث أن ننزع حب الدنيا من قلوبنا ، وأن نتذاكر الموت فيما بيننا،وأن نملك مفاصل القوة وأسبابها وأولها كراهية الدنيا وحب الموت"وليس المقصود هنا بكراهية الدنيا تركها والإعراض عنها بل ترك حبها والتعلق فيها ، و أن تكون بأيدينا لا في قلوبنا. (31)

ويقول الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:فثبت أن هدف هذا الحديث إنما هو تحذير المسلمين من الاستمرار في "حب الدنيا وكراهية الموت"، ويا له من هدف عظيم لو أن المسلمين تنبهوا له، وعملوا بمقتضاه؛ لصاروا سادة الدنيا، ولما رفرفت على أرضهم راية الكفار، ولكن لا بد من هذا الليل أن ينجلي، ليتحقق ما أخبرنا به رسول الله صل الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، من أن الإسلام سيعم الدنيا كلها، فقال عليه الصلاة والسلام: ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزًّا يعز الله به الإسلام، وذلًّا يذل الله به الكفر". من طريق أحمد عن تميم الداري مرفوعاً. وسنده صحيح، وصححه الحاكم أيضاً ووافقه الذهبي، وقال المقدسي: "حديث حسن صحيح"،(32)

ومصداق هذا الحديث من كتاب الله تعالى قوله عز وجل:" يريدون ليطفئوا نور الله بأفواهم ويأبي الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون , هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " سورة التوبة :الآية32 -33. وصدق الله العظيم إذ يقول:" ولتعلمن نبأه بعد حين " سورة ص: الآية 88.ـ من دعاء الصالحين:اللهم هيئ لهذه الأمة أمر رشد يُعز فيه أهل طاعتك و يُذل فيه أهل معصيتك و يؤمر فيه بالمعروف و ينهى فيه عن المنكر. " . موقع من فقه الإسلام للشيخ سامي ـ وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم(33)